31/10/2010 - 11:02

ما بين عدم الاعتراف والاحترام، وبين عدم الرفض وعدم القبول!/ سعيد نفاع

ما بين عدم الاعتراف والاحترام، وبين عدم الرفض وعدم القبول!/ سعيد نفاع
دخلت القاموس السياسي للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي الأسبوع الأخير مفردات سياسية، يحتاج المرء جهدا ذهنيا خاصا لفهمها، هذا إذا أسعفه ذهنه أن يفهمها وإن فهمها أن يهضمها. "احترام الشيء وعدم الاعتراف فيه" و-
"عدم الرفض للشيء وعدم القبول فيه".

جاءتنا البشائر من "مكّة" تحمل: أن حماس تحترم الاتفاقات بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ( التي تشمل اعترافا بإسرائيل)، لكنها لن تعترف بإسرائيل ! تبعتها النذائر من "القدس" أن إسرائيل لا ترفض اتفاق مكّة ولا تقبله!
رحم الله جدودنا ورحم الطيبين من أهلنا إذ ورّثونا بعض "حزازيرهم" أو "فزازيرهم" في لهجة أخرى، إذ تقول إحداها: " إشي مدوّر عل البيكار إفهم العدس يا .....!"

جفلت قلوب الكثيرين من أبناء الشعب الفلسطيني عندما شاعت الأخبار وكأن الجهود تتعثر، لكن وما كاد يجف حبر تلك الأخبار من على صفحات الصحف حتى خرج لنا الثنائي أبو مازن وأبو العبد بالتكليف وقبوله والذي جاء فيه:
" أدعوك لاحترام القرارات الدوليّة وقرارات القمم العربية (يشمل قمة بيروت والخطة العربية للسلام مع إسرائيل) والإتفاقات التي وقّعت عليها منظمة التحرير الفلسطينية( إتفاقات أوسلو للاعتراف المتبادل بين المنظمة وإسرائيل)"
وأجاب هنيّة:
"أقبل التكليف وأحترم ما جاء فيه".

مفروغ منه أن الموقف الإسرائيلي هو ليس موقفا، ولا يمت لا من قريب ولا من بعيد إلى خانة المواقف في مثل هكذا قضايا على درجة كبيرة من الأهميّة من جهة، أما من الأخرى فليس أقوى من ذلك دليلا على أن الحكومة الإسرائيلية ورئيسها أبعد ما يكونا عن خانة القادة القادرين على اتخاذ المواقف وبالذات في أمور مفصلية، وما "لا موقفهم" هذا إلا أسلوب من "التشاطر" أكل الدهر عليه وشرب وتقيأ. لذلك فهي "حزورة " تافهه يجب ألا تشغل بالنا كثيرا، وخوف أن أتهم بأني "لا ساميّ" لقلت هذا أسلوب في التعامل اليومي لا فرق فيه بين رئيس ومرؤوس، نعايشه نحن عرب الداخل يوميا. رغم أن جهيزة (كوندليسا) قطعت قول كل خطيب بمد حبل قرارات "الكفارتيت" دون أن يغير قولها، اللاموقف إلى موقف.

ومع هذا المهم الذي يهمّنا هو الموقف الفلسطيني وبالذات الحمساوي، ومن نواح شتى:

أولها: أن تتم المصالحة والاتفاق تحت عباءة الملك عبد الله ليس أمرا شكليا البتّة، ولا هو بتأثير كرامة المكان.

ثانيها: مجرّد الاتفاق وخلال فترة قصيرة نسبيا من تدهور النزاع، دليل على نضج فيه تفضيل للمصلحة الوطنية على ما سواها، بغض النظر عن كل الاجتهادات المرافقة، خصوصا تلك التي تعزو الأمر لعوامل خارجيّة وإعطاء الضوء الأخضر لهذا من هذه الدولة ولذاك من الدولة الأخرى، لهذا من أميركا وهذا مستبعد، ولذاك من سورية وإيران وهذا مستقرب، فبين نوايا أميركا لفلسطين ونوايا سورية وإيران الثرى والثريّة. ومع هذا أننا مؤمنون أن الضوء الأخضر بدّل الأحمر بإرادة فلسطينيّة محضة قررت المسير في المسار الآمن في قضية شعبنا بغض النظر عن إرادة أي كان، وبمعزل عمّن يرضى وعمّن يزعل.

ثالثها: الاحتكام إلى الحوار بدل الاحتكام إلى أزيز الرصاص هو ارتقاء في حياة أبناء شعبنا الديمقراطية التي مارسها انتخابا، وأملُنا كان أن يمارسها تطبيقا، الأمل الذي خاب على ضوء الصدامات الأخيرة. ولعل الذي حصل في مكّة يكون بشير خير أن الخيار الديمقراطي الفلسطيني هو خيار جوهرا وليس شكلا.

رابعها: أن تعلن حماس عن احترامها الاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير مع إسرائيل وقرارات الأمم المتحدة ذات الشأن وقرارات القمم العربية، والتي تشمل اعترافا متبادلا بين الجانبين، هذا الإعلان يحمل في طياته أمرين هامين جدا، الأول، فأن تحترم حماس رأي المنظمة الذي لا تقبله هي وفي قضية أساسية كهذه دون أن تلطخها، هو ارتقاء هام في تقبل الرأي الآخر، بعيدا عن التخوين. أما الثاني فاحترام حماس رأي فتح الاعتراف بإسرائيل معناه بشكل من الأشكال اعتراف ومهما تبدل لبوسه اللغوي البلاغي.
وإذا كان هناك من شك في معنى وبُعد هذا الموقف، فمواقف حماس المعلنة تباعا عن دعم الرئيس في التفاوض على دولة فلسطينية في حدود ال-67 شرط عدم التنازل عن حق اللاجئين حسب القرارات الدوليّة، والتي تشمل كذلك إمكانية التعويض، لا تبق أي مجال للشك في حقيقة الموقف أو في معنى الموقف.

خامسها: هذه المواقف الصادرة عن حماس حتى وإن سوّقت كتكتيكية "لنعبر المرحلة وليوم الله يعين الله"، هي أبعد ما تكون عن التكتيك فهي ذات أبعاد استراتيجيّة على مجمل القضيّة، وحبذا لو جاءت صراحة لا تورية.

خلاصة القول:
التوافق الذي حصل في مكّة رغم ما اعتراه في الأيام الأخيرة من عقبات ورغم التغلب عليها، جعلت كل فلسطيني يضع يده على قلبه، هذا التوافق يشكل تحولا استراتيجيا في مواقف حماس مهما ألبس من لبوس لغوي بلاغي. ولتعط "النخب" مرة للشعوب، للناس، للجماهير "الكريديت" أنها تعرف الصالح لها من الطالح ولعلّ في انفراج أسارير الناس الفلسطينيين ومحبيهم في غزّة وكل بقاع الأرض، عند وصول البشائر من مكّة دليل على خيارها.

التعليقات