19/11/2005 - 14:17

مبادرتان: واحدة لاحتلال العراق وثانية لتمزيقه/حمدان حمدان*

مبادرتان: واحدة لاحتلال العراق وثانية لتمزيقه/حمدان حمدان*
قررت الاميرة اليابانية الشابة، ابنة الامبراطور نفسه، الزواج من مواطن ياباني من عامة الشعب، والعيش في اكناف العائلات الشعبية العادية، دون تكلف او اصطناع.. وقد جاء جواب القصر ملبيا للرغبة المشوبة بعواطف سامية، مع اجراءات عملية وقانونية، تمهد للفتاة مجريات عيشها المقبل، فعلى الصعيد الحياتي، يتم تطبيع حياة الاميرة، مع حياة العامة من الناس، مثل الشراء المباشر من الاسواق، وقيادة دراجة هوائية او سيارة شعبية مع التدرب على الاعمال المنزلية صغيرها وكبيرها على حد سواء، ومع هذه المعونة الانسانية ـ العائلية الطبيعية، فان القصر لم يغفل عن اعمال القانون الياباني في مثل هذه الحالة، فالاميرة ـ مع الاسف ـ سيقطع راتبها الشهري المخصص لابناء الامبراطور، كما انها تحرم من اي مزية مستقبلية تتعلق بالسلالة..

في التاريخ ايضا.. فان الشرط الوحيد، الذي طالبت به القيادة اليابانية للاستسلام (نهاية الحرب العالمية الثانية) هو فقط، الا تمس هيبة الامبراطور ومقامه، ومع انه شرط معنوي رمزي، فان الولايات المتحدة، آثرت ان تجرب كارثتها النووية في اليابان.

تري، ما هو هذا الواصل ـ الفاصل، بين احترام الشعب الياباني لامبراطوره، وبين رغبة الشعب العربي، في ان يذهب حكامه الي الجحيم؟!

لا حاجة للجواب، فالفارق جلي، بين من يعمل القانون حتى بحق ابنائه، وبين من يزدري القانون لحساب نفسه وذويه، فالمثل الآنف، يحكي قصة خروج فرد من اقدم سلالة حاكمة حتى تاريخ العصر، احتراما لقواعد القانون، فيما تحكي قصتنا المقابلة، دخول عائلات من غير سلالات، بمقلوب القانون، الى عرش الحكم، من غير استئذان لا من الاصالة التاريخية الوراثية، ولا من رغبة الشعب واحترامه. وهنا يقع موضوع خطابنا، بين انظمة حاكمة بهدي شعوبها ورضاها، واخرى حاكمة بهدي من خارحها ومرتهناتها، فالنظام العربي ما زال مخلصا لسيده الخارجي في جميع الظروف، حتى لو ان هذا السيد، يتعفر باخطائه وسوء احواله الداخلية الى درجة العدم، ففيما تنحدر شعبية الرئيس بوش عند شعبه وحلفائه، وفيما تتدهور اوضاع امريكا العسكرية والاقتصادية، وفيما يهب جمهوريون وديمقراطيون للمطالبة باعادة فتح التحقيق من جديد، بخصوص المعلومات الاستخبارية التي تم تكييفها كي تتماشي مع مبررات غزو العراق، وفيما تبدو ادارة بوش محاصرة في موقف دفاعي لاول مرة، بسبب سلسلة من الفضائح والنكسات والحسابات الخاطئة لدولة عظمى، وخرق القانون والمغامرات الخارجية من افغانستان الى العراق ومنها الى محور الشر، في كوريا الشمالية وفنزويلا وايران وسورية.. فان النظام العربي يتشرف بعرض نفسه كمنقذ لما تعانيه الولايات المتحدة لا في منطقتنا فحسب بل والعالم ايضا، فرصيد الرئيس بوش، لدى نظامنا العربي، يبدو اكثر قوة ومتانة منه لدى حزبه الجمهوري، وعليه فان علة الانتقال من التبعية بأسباب الحماية الخارجية، تنقلب الى سادية التلذذ بالعبودية لذاتها، والا كيف نفسر مواقف المطايا من اشكال حاكمة، وهي تغذ السير، في قلب فلسطين، الى قضية معبر، وفي قلب العراق الى قضية مبادرة؟!

كيف نفسر، انقاذ الاقتصاد الامريكي (الاوروبي) بشراء طائرات حربية لا لزوم لها، بعشرات المليارات من الدولارات واليورو، وهو يفتح صفحات السلام العريضة مع اسرائيل، فأي عدو ستنقض عليه طائرات الحداثة المشتراة؟

كيف يقرأ النظام العربي، هروب بوش الى الارجنتين، كالهارب من الرمضاء الى النار، وهو يرى مظاهرات كونية صاخبة، تصفه بفاشي النظام العالمي الاول، فيما الحرائق والاضطرابات وسط غضب شعبي مزلزل، تتطاير امام عيون رؤساء ثلاث وثلاثين دولة، هرعت كي تتلمس بوادر وعود عولمية جديدة؟

كيف يفهم النظام العربي، وهو يطلق مبادرة لانقاذ حرب خاسرة ونازفة بلا افق ولا خط نهاية في العراق، فيما الغضب الشعبي الامريكي ـ بعد تجاوز الرقم الفين للقتلى وخمسة عشر الفا للمعوقين وفاقدي الاطراف ـ يتعاظم ويشتد توترا، وان ستين بالمئة من العينات التي تم استطلاعها (علما بان امريكا باتت ثقافة استطلاع)، تجمع على ان الحرب على العراق، كانت خطأ متعمدا، وان الواقفين ضد خط الحرب في بدايتها لم يكن يتجاوز اكثر من عشرين بالمئة من جميع العينات المستطلعة.

وهو ما يثبت تقدم المعارضة الشعبية الامريكية للحرب، وان بعض اليافطات حملت شعار: بوش.. انسحب قبل ان تطرد ، ففي رحلات الحرية الامريكية الى العالم، يستذكر شريط تاريخي يميني، بل ويتباهي بان امريكا هي التي جلبت الحرية لفرنسا عام 1944 ولالمانيا واليابان في عام 1945 وللكويت عام 1991 والي افغانستان عام 2001 والعراق عام 2003، ولكن ما يسقط سهوا هو جلب الحرية الى فيتنام، وتذكرني عبارة (قبل ان تطرد من العراق)، بالهلع الجنوني الذي اصاب المطايا من عملاء سايغون (مدينة هوشي منه اليوم)، وهم يتدافعون بصورة فخرية فوق سطح السفارة الامريكية في سايغون، ليركبوا او يتسلقوا على جنبات المروحيات الضخمة، فرارا من جحيم المقاومة الفيتنامية المنتصرة.

كيف يستوعب النظام العربي، فضائح بوش الداخلية، التي تتساوي مع ووترغيت، امام اسماء ووقائع، مثل افشاء سرية موظفة الاستخبارات السيدة فاليري بلايم، بجريرة الانتقام من زوجها السفير جوزيف ويلسون، لمجرد انه رفض الاتهام القائل بشراء اليورانيوم من النيجر الي العراق؟

كيف يطأطئ النظام العربي رأسه، لعصابة ليكودية قادها بول وولفوتير وريتشارد بيرل ولويس ليبي ودوغلاس فايث، وطاقم مسكون بكراهية العرب والمسلمين، يضم مايكل ليدين ووليام كريستول وفرانك جانني وديفيد فروم، وبايبس وتشارلز كروتهامر.. فيما ليدين المذكور اولا على رأس هذه القائمة، هو بطل فضيحة ايران ـ غيت (شراء الاسلحة من اسرائيل) بمعاونة الكولونيل اوليفر، المحكوم من محكمة عسكرية، والمستعد لاقتحام الكونغرس مع صقور بوش الاخرين.

اليس هو تاريخ امريكا مع شعوبنا، دون الحاجة لقرع طبول الحادي عشر من سبتمبر، ما قبله وما بعده؟!

الم تكن سياسات الولايات المتحدة، قبل سبتمبر بعقود طويلة، هي المؤسسة والبانية لاسرائيل وتفوقها على دول المنطقة بتمامها؟

الم يكن من اسباب سبتمبر، ما قيل ويقال، عن مصالح عليا، بسياسات نهب واحتلال مديدة وتاريخية، مع ازدراء متعال لخيارات الشعوب، ودعم مراكزها السلطوية الاستبدادية او القروسطية، عن طريق غشامة القوة المسلحة بشكليها العسكري والاستخبارتي.

من اعطى لوازم الظفر لاسرائيل في جميع حروبها ضد العرب، وكيف تم احتلال اراضي العرب من القنطرة المصرية الي القنيطرة السورية وما بينهما القدس والضفة والقطاع؟!

كيف يجلس وزير من اهم وزراء الدبلوماسية العربية، الى جانب السيدة كوندوليزا رايس، وهي تكيل اشكالا مبطنة من التهديد والوعيد لسورية دون ان يرد بكلمة دفاعية واحدة، ومن علم ابن الفيصل شهيد القدس.. ان يستكين على هذا المنوال المفجع؟!

فاذا كان بوش هو غول الدولة العظمي المفزع، فان العواصف من كاترينا الى العراق مرورا بلويس ليبي الى الارجنتين.. قد تركته كمن دفن في جرف طيني يجاهد للتخلص من ويلاته، لكن من غير كبير رجحان للفلاح بذلك، اذ لم تبق جبهة واحدة لم يمن الرئيس بوش فيها بانتكاسة سياسية.

فعلى صعيد العراق، لا يوجد في العالم، جهة عاقلة واحدة، تقول بامكانية فوز الامريكيين بهذه الحرب، وحتى الكونغرس فانه بات يطالب بجدول زمني صريح للانسحاب، وان تضع الادارة المسؤولة امامه، جميع وقوعات الحرب الدائرة في العراق دون دوران او تضليل.

لا يوجد في العالم جهة واحدة، الا وتقترب من اليقين، بان مآل الاحتلال للعراق، هو ذات المآل الذي انتهى اليه وضع امريكا في فيتنام، الا جامعة الدول العربية، التي تريد نفخ الروح في احتلال يتداعى، فأية حراسة للمصالح الامريكية، يمكنها ان تكون اشد اخلاصا من هذا الاخلاص، اية عبودية يمكنها ان تتلذذ بخدر التفاني امام ادارة طاغية وهي تحتضر؟!

فاذا كانت جامعة الدول العربية، لا تلتقط الاحداث الا من ارتهان زبائنها، فاننا نضيف، بان السيد بوش، الذي لا تريدون اغضابه، توجه له اليوم، اتهامات بالجملة، اذ غير فضيحة ليبي والمشتبه به كارل روف من اعمدة الرئيس ونائبه.. فان زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس النواب، السيد توم ديلاغي، متهم بجريمة تبييض اموال لغايات انتخابية وكان عليه ان يتنحى، كما ان خليف توم السياسي من جماعة الضغط الصهيوني، السيد جام ابراموف، ادين بجريمة فساد، هذا، وقد اصابت الرعشة جسد بوش، وهو يرى الكونغرس، يرفض مرشحته (محاميته) السيدة هارييت مايرز لمنصب رئيس المحكمة العليا.

حتى الاصدقاء السياسيون، يغادرون سفينة بوش وهي تغرق، فقد اختار رئيس الوزراء الايطالي برلوسكوني، الوقت الملائم للتصريح، (لقد نصحت الرئيس بوش بعدم اللجوء الى الحرب في العراق.. لكنه لم يستمع!) وها هو السيد برلسكوني يصرح من طرف واحد، عن جدول زمني محدد لخروج القوات الايطالية من العراق.

زعيم الاغلبية الجمهورية السابق السيناتور ترنت لوت، يصرح على الملأ (ان بوش بحاجة الى ادارة جديدة بوجوه جديدة).

اليابان من جهتها، تعلن عن عزمها لسحب قواتها مع اواسط العام الجديد.. معظم دول التحالف الضئيلة، تعلن عن رغبتها في الخروج.. الا الجامعة العربية التي تعلن عن رغبتها في الدخول، ولكن.. بعد ان ضيعت الصيف اللبن.

اليوم، يحرص مرشحو الحزب الجمهوري لانتخابات الكونغرس الفصلية، على الا يكون الرئيس بوش، داعية انتخابية لفوزهم، فقد كتب على صفحات الفلك، بأن نجم بوش يخبو، وان المرشحين الذين كانوا يتدافعون من اجل اظهار بوش، فوق منصاتهم الانتخابية وفي مواقع ولاياتهم، ينفضون عنه كيلا يصيبهم رذاذ اتهاماته المتطاير.

ممثلو نظامنا العربي في الجامعة، هم الوحيدون الذين ما زالوا يتطلعون الى شهادة حسن سلوك من بوش ولو على حساب دم العراق.

لماذا لا يسجلون اسماءهم على قوائمه الانتخابية، علهم يسقطون مع سقوطه؟!



*كاتب من فلسطين يقيم في سورية

التعليقات