12/11/2006 - 14:10

بوش وبيلوتشي.. ويوم الحساب الانتخابي!/ عبد اللطيف مهنا

بوش وبيلوتشي.. ويوم الحساب الانتخابي!/ عبد اللطيف مهنا
قبل حلول يوم الحساب الانتخابي الأمريكي في دورته النصفية الأخيرة بأيام، تنبأ الجمهوري والنائب السابق لوزير الخارجية الأمريكية ريتشارد ارميتاج، بأن الجمهوريين سيدفعون "ثمن سياسة الغضب والتهويل والحقد التي صدّرتها الولايات المتحدة إلى العالم"... حينها قلما وجد أحد داخل الولايات المتحدة أو خارجها كانت تساوره شكوك في مصداقية نبوءة ارميتاج هذه، وإنما كان محور التساؤلات يدور حول إمكانية ومدى أن تتحول نتائج هذه الانتخابات إلى نوع من الاستفتاء الشعبي ضد النهج البوشي برمته، أوما إذا كانت حصيلة صناديق الاقتراع سوف تسفر عن هزيمة ماحقة للفلسفة الاستباقية، وهلوسات الجموح الامبراطوري لزمرة المحافظين الجدد التي بدأت فئرانها سلفاً في القفز هاربة من سفينة سيد البيت الأبيض، منذ ان لاح لهم أنها قد أصبحت برسم الغرق، متخلية عن ربانها ومحملة إياه وحده المسؤولية، وكنا قد أشرنا إلى ذلك الهروب المبكر في مقال سابق...والآن وقد تمت هذه الإنتخابات وأسفرت عما أسفرت عنه. والذي يطرح بدوره تساؤلاً أكثر خطورة بالنسبة لتحالف مختلف مشارب اليمين الأمريكي، اليمين المحافظ، والمحافظين الجدد، والمسيحيين المتصهينين، بالإضافة إلى صهاينة يهود الولايات المتحدة، إلا وهو:

هل صوت الأمريكان، وفق حصيلة هذه الإنتخابات المعروفة، أي سيطرة الديموقراطيين على الكونغرس بشقيه الشيوخ والنواب، ضد شعار " القرن الأمريكي الجديد"؟!
من المبكر الحصول على إجابة شافية بعد، لكن لا خلاف حول كونهم قد صوتوا ضد كارثية "المهمة النبيلة" في العراق وفق توصيف وقح لبول وولفيتز، كان قد خلعه قبل إنتقاله من البتاغون إلى رئاسة البنك الدولي،على عملية غزو العراق تلك الحرب العدوانية المستمرة التي أدت إلى الورطة الأمريكية الراهنة هناك، والتي هي اليوم من الأسباب الرئيسة أو الأهم في تحول الناخبين باتجاه تأييد مرشحي الحزب الديموقراطي، وبالتالي إلى هذه الحصيلة الإنتخابية المرة للجمهوريين. لكن أيضاً، يمكننا القول الآن، أن الأمريكان أرادوا معاقبة بوش، لا مكافأة الديموقراطيين، أي أنهم لم يصوتوا للديموقراطيين مفتقدي البديل، وإنما ضد البوشية، التي غدت تعني لبعض النخب وحتى للأمريكي البسيط، أو لشرائح شعبية آخذة في الإتساع، سياسة خارجية حمقاء ومتغطرسة، وداخلية تلتهم جزءاً من حرياتهم العامة... كذباً إستباقياً ممجوجاً ذهب بما تبقى من مصداقية شحّت لبلادهم، وأدى إلى عزلة دولية لم تعهدها... غوانتانامو، وأبو غريب والسجون الطائرة، وكل ما يزيد من رصيد الكراهية الذي تتمتع به بلادهم في العالم...

ويمكننا القول أيضاً: أن هناك لمسة عراقية وسمت هذه الإنتخابات، أو بلغة أخرى، لم تنج من تأثير المقاومات والممانعات والصمود العربي في فلسطين ولبنان والسودان، والعراقيون المقاومون في مقدمة من أسهم أو له الرصيد الأساس فيما لاقاه بوش في يوم الحساب الإنتخابي المر هذا، فهم، أي العراقيين، من أسقطوا صقر الصقور رامسفيلد عندما دحرجت صناديق الإقتراع رأسه قبل أن ينتهي فرزها، والذي قد يكون الأول في المسبحة التي ربما كرّت وليس الأخير!
وهنا لابد من أن نستدرك لنقول، أن الأمريكان الذين لم يبرأوا بعد من العقدة الفيتنامية هم ليسوا ضد انتصار المشروع الأمريكي في العراق وسائر المنطقة، وإنما هم يخشون الهزيمة، أو على الأقل، يريدون استراتيجية خروج من المستنقع العراقي بدون هذه الهزيمة أو بالحد الأدنى منها. وهم في هذه الإنتخابات فرضوا نوعاً من الرقابة التشريعية على حماقات بوش الدولية أملاً في الحد من تداعياتها الكارثية على سمعة ومصالح بلادهم، لكنهم لم يمنعوه عملياً من ممارستها، وإن ضاق عليه بلا شك هامش المناورة إثر ما أسفرت عنه نتائجها، الأمر الذي لايجيز الغلو في توقع تحول مأمول يداعب رغائب مشروعة للعديدين في العالم، بمعنى توقع تغييراً جوهرياً قد يطرأ على سياسات القوة الأعظم المفتقدة لمن يكبح جماحها أو يقف في طريق جموحها الإمبراطوري.

والسؤال الوارد هنا: والآن هل اعترف بوش بالهزيمة أو هو في وارد الإعتراف بها؟!
لا اعتراف صريح حتى الآن. وإنما اعترف بفشل أداء سياسته العراقية أو بالحاجة إلى تغييرهذا الأداء فحسب، وهو إذا ضحى برامسفيلد، أكثر جوارح المحافظين الجدد والقدامى جموحاً، تمسك بنائبه سادن التغول الإستباقي والأب الروحي للوثة البلطجة والهذيان الإمبراطوري... اعترف فحسب بأن "الكثيرين من الأمريكيين قد عبروا عن إستيائهم من غياب تقدم" في العراق، أو هو يريد القول أنه أخذ علماً بذلك، عندما قال:
" أعرف أن الكثير من التكهنات قائمة حول معنى هذه الإنتخابات فيما يتعلق بالمعركة في العراق" وزاد فلم يكابر كعادته عندما أشار إلى أنه يتحمل " جزءاً أكبر من المسؤولية" في وصول حزبه إلى هذه الخسارة، لكن مع التأكيد، بأن هذه الهزيمة الإنتخابية لاتعني انسحاباً قريباً من العراق، لأنه كما يقول "ملتزم بالنصر" هناك، حيث الأمور وفق رؤيته فقط "ليست ناجحة بشكل كاف، وتفتقر إلى السرعة الكافية"، الأمر الذي ردده رامسفيلد أيضاً وهو يودع منصبه الذي عزل أو أقيل ولم يستقل في الحقيقة منه... بوش اعترف بفشل الأساليب لا النهج... وماذا عن المحافظين الجدد؟!

كنا قد أشرنا إلى عملية الفرار الإستباقي من السفينة الغارقة، ولنأخذ هنا مثلاً، ولا يمكننا أن ننتقي في هذه الحالة ما هو أفضل مثالاً من من يدعوه الأمريكان أنفسهم بأمير الظلام، أي ريتشارد بيرل، والتي تروي عنه بعض المصادر الإسرائيلية ما اسره لها ولم يلبث أن أعلنه للجميع، يقول أمير الظلام هذا:

"أعتقد لو أنني تنبأت بما يحصل، وعرفت إلى أين كنا سنصل اليوم، وسئلت إن كان علينا إجتياح العراق لكنت ربما أجبت بالنفي، قائلاً لا"... ويمكن إضافة أمثلة أخرى، مثل أدلمان وقبله فوكوياما والأمثلة كثيرة، لكن نكتفي بديفيد فروم، كاتب خطابات بوش، ومبدع تعبير"محور الشر"، الذي يقول: يبدو أن الهزيمة (في العراق) قد تكون حتمية، الآن "الثوار برهنوا أن في إمكانهم قتل جميع المتعاونين مع الولايات المتحدة الأمريكية، وفشلنا في حمايتهم". أما اللوم في ذلك فيقع في رأيه على "فشل الإدارة بدءاً بالرئيس"!!!

إذن، هذا هو حال المحافظين الجدد، وما دمنا قد أشرنا إلى الإسرائيليين فماذا عنهم؟!
الإسرائيلييون تصيبهم الرعدة من مجرد تصور هزيمة أمريكية في العراق، لما لها من عواقب استراتيجية يمس مجرد التفكير في إمكانية حدوثها ما يثير فوبيا مزمنة لديهم هي عدم الإطمئنان الأبدي إلى إستمرارية وجودهم المصطنع في المنطقة برمته.

لم تكتم هذا صحيفة يديعوت أحرنوت عندما علقت على ذهاب رامسفيلد وإختيار بوش لروبرت غيتس، خريج مدرسة السي أي إي ومديرها المعروف، بديلاً عنه، الأمر الذي يثير في نظرها تحولاً في السياسة البوشية باتجاه سياسات بوش الأب، وهذا ما تعتبره الصحيفة نذيراً سيئاً بالنسبة لإسرائيل، نظراً لإختلاف سياسة الأب في نظرها عن ما انتهجه الابن ودرج عليه من سياسات منحازة حتى الآن حيال اسرائيل، قالت ساخرة:

" رامسفيلد ليس كبش فداء، وإنما "شحنة زائدة على سفينة ضاعت في العاصفة"، لكن الأخطر عندها هو عودة بوش الابن " الفتى الذي تمرد على أبيه، ذليلاً خافض الرأس إلى البيت، وإلى رجال الأب، وربما أيضاً إلى سياسة الأب، هكذا بدا أيضاً في المؤتمر الصحفي الذي عقده أمس في البيت الأبيض، موبخاً، ومنكسراً، وغاضباً، ويقرأ بقلب منفطر من الورق جمل المصالحة التي صاغها مستشاره" .

وتضيف يديعوت أحرنوت:"بوب غيتس، وزير الدفاع الجديد، من رجال الأب، وجيمس بيكر رئيس لجنة ثنائية الحزب التي يفترض أن تصوغ له سياسة خارجية جديدة من رجال الأب أيضاً. أن صعود رجال الأب من جديد لا يبشر حكومة اسرائيل الحالية بالخير"... لماذا؟ تجيب الصحيفة: لأن بوش الأب كان قد واجه كل من شامير ونتنياهو وشارون بشدة، حيث "أبغض المستوطنات، ومنع الضمانات، وأسهم إسهاماً كبيراً في إسقاط الليكود في انتخابات 1992"!

... والآن، أما وقد فازالديمقراطييون بالأغلبية الاشتراعية... هؤلاء الذين يعترضون، مثلاً، على الأداء في الحرب على العراق وليس على قرارها... وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار صلاحيات الرئيس الواسعة المشار إليها، ماذا عساهم فاعلون؟!
لنأخذ مثلاً، كما فعلنا أعلاه، هو أيضاً ولا أفضل منه، السيدة بيلوتشي زعيمة الأكثرية الديمقراطية، ورئيسة مجلس النواب الجديد، والتي سبقت إبان الحملة الانتخابية وأن وصفت الرئيس بوش بأنه "كاذب وخطير". لقد أكدت بيلوتشي، ذات الأصول الإيطالية، بعد الفوز الديمقراطي، على ما يلي:

"لن نوقف تمويل الحرب" على العراق، مبررة ذلك بكون الجيش الأمريكي "في مرمى الأذى هناك"، وأكدت: أنه حيث "سنتنازع من أجل مصلحة البلاد" مع بوش، فإن ذلك لن يتعدى "التدقيق في قرارات الادارة، ولكن ليس محاسبة الرئيس"!

التدقيق هنا لن يشمل المساءلة حول مسؤولية الادارة عن الهلوكوست العراقية الدائرة، والابادات المتكررة للقرى الأفغانية النائية ومن وراء ظهر وسائل الإعلام غالباً، وقطعاً لن يشمل إعطاء الضوء الأخضر، بل رعاية، الهلوكوست الفلسطينية المستمرة، ولن يتعرض إلى آخر مسلسلاتها الدموية البشعة في بيت حانون... سوف يجري فحسب في سياق التنازع من أجل المصلحة الأمريكية التي تتهددها سياسة بوش الدولية الحمقاء... أي أنه ليس في مقدور الامبراطوريات، مهما حلّ بأباطرتها، وحتى مهما تبدلت العهود على رأس هرم السلطة فيها، مراجعة أخطائها أو تعديل سيرورتها... إبان مؤتمره الصحفي المشار إليه، أو في ردة فعله المعلنة على حصيلة يوم الحساب الانتخابي، أكد بوش على استمرار الاستراتيجيات ومراجعة الأساليب فحسب، وبيلوتشي جوهرياً لم تقل بعد بخلاف ذلك!!!

التعليقات