13/12/2006 - 23:44

لواعج.. / د.سليم الحص

لواعج.. / د.سليم الحص
جملة شجون تعذب خاطري، فلم أستطع الاحتفاظ بها في قرارة نفسي..

في خبر حفلت به الصحف أن رئيس مجلس الوزراء الأستاذ فؤاد السنيورة سيتوجه إلى موسكو في زيارة رسمية إلى روسيا. فلم أتمالك إلا أن أتمنى له التوفيق في زيارته إلى موسكو، عسى أن يجد هناك الحل للأزمة الحكومية، التي بلغت حدود الأزمة الوطنية المدمرة، بما يرافقها من شحن مذهبي.

كُفَّ عن السفر أيها الرئيس العزيز إلى أن تستعيد وضعك رئيساً لمجلس وزراء مكتمل الأهلية والفعالية. الناس لم تعد تجد في سفر المسؤولين سوى امتهان لكرامتها واستخفاف بمصيرها. فكيف يجيز مسؤول لنفسه مغادرة وطنه وسط أزمة ناشبة في حضنه. أجل في حضنه. فالأزمة تتمحور على الوضع الحكومي، ورئيس الحكومة لا يجد تكريساً لصفته وشرعيته إلا بصور تُلتقط له إلى جانب زعماء العالم.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإنني لا أجد تفسيراً لسلوك حكومتنا الجليلة على الصعيد الأمني. إنني في قرارة نفسي لا أصدق أن أجهزة الدولة لم تضع يدها بعد على قتلة الوزير الشاب الشيخ بيار الجميل. فالجريمة تكاد تتحدث عن نفسها. وأنا أكاد أكون على يقين من أن المسؤولين يعرفون الجاني، ولكنهم يكتمون اسمه حرصاً على سمعته ودوره المشبوه هذه الأيام، وهو محسوب على الفئة الحاكمة. فتش عن المستفيد من الجريمة.

وفي المجال الأمني أتساءل مع المتسائلين: ماذا حلّ بشبكة الجاسوسية الإسرائيلية التي ألقي القبض عليها وصودرت المعدات والأجهزة المتطورة التي تمتلكها، وقد ثبت أنها هي المسؤولة عن مقتل أخوين من آل المجذوب في مدينة صيدا؟ سمعنا تهديداً ووعيداً بالضرب بيد من حديد. فإذا بالأمر ينتهي وقد عفا الله عما مضى.

ومن جهة أخرى، فإنني أغبط ولا أقول أحسد الطائفة المارونية الكريمة على بطريركها ومطارنتها. الكل يلهج بالمبادرة الطيبة التي أطلقها مجلس السادة المطارنة، ويخص بالإشادة
دور غبطة البطريرك. أما نحن المسلمين، وتحديداً المسلمين السنة، فمفتينا مصرّ على أن يكون مفتي الحكومة اللبنانية ويأبى أن يتصرف كمفت للجمهورية اللبنانية. ما كان أحراه أن يؤدي دور الأب للجميع، جميع المسلمين، سنة وشيعة، ويكون الجامع بينهم على قيم الإسلام السامية. فهو للأسف الشديد آثر أن يكون نصيراً لفريق سياسي في طائفته، على أهمية هذا الفريق واحترامنا له.

وعلى مستوى آخر، كانت الثنائية الطائفية في تاريخ لبنان الحديث وما تزال هي مكمن الداء الأعظم في المجتمع اللبناني. عندما كانت ثنائية مارونية سنية كانت سائر الفئات الطائفية تتميّز غيظاً وريبة وتململاً. ومنذ التوقيع على مذكرة تفاهم بين السيد حسن نصر الله والعماد ميشال عون وُلدت ثنائية جديدة تثير المخاوف والريب والتوجسات عند الآخرين. ما كان أحراها أن تكون على الأقل ثلاثية. لعل الشريكين كانا يراهنان على انضمام السيد سعد الحريري إليهما فلم يصح توقعهما. وكان يجب أن تكتمل الثلاثية بالمشاركة المباشرة في صوغ مذكرة التفاهم وليس بالانضمام إليها. ولعل موجة المذهبية التي تجتاح الساحة الوطنية هذه الأيام هي إلى حد ما من مخلفات تلك الثنائية وتداعياتها. من يدري؟
حذار اليوم أن يكون السلوك تحت عنوان المعارضة فيما القرار فعلياً ما زال يرتكز إلى ثنائية تفرّق ولا تجمع.

أخيراً لا آخراً، يؤلمني أن ندعي الحرية والديموقراطية وقد هتكنا أبسط قيم الحرية والديموقراطية وقواعدهما. فنحن نشكو من وفرة الحرية وقلة الديموقراطية. والحرية من الوفرة بحيث بتنا غارقين في فيض من حرية الكذب والمخادعة وازدواج المعايير، وحرية الانفعال والانسياق وراء الإثارة الفئوية والعصبيات الرخيصة، ولم تفتنا حرية الشتم والتحقير والإهانة والتنابذ.

قلت يوماً: أول الثوابت في حياتنا العامة أن لا ثوابت فيها. كل ما يدور على الساحة السياسية العامة يدفعنا دفعاً إلى الكفر بنظامنا، أو بالأحرى بلا نظامنا. ولكن المهم ألا نكفر بما يجب أن يكون من مبررات وجودنا الوطني، وفي المقدمة الوحدة الوطنية والرهان على تطوير الممارسة الديموقراطية الصحيحة مع المحافظة على القيم الوطنية والاجتماعية والإنسانية في ممارسة حرياتنا.


"السفير"

التعليقات