26/12/2006 - 15:27

مصلحة إسرائيل في تعميق الأزمة والاقتتال الداخلي/ مصطفى إبراهيم*

مصلحة إسرائيل في تعميق الأزمة والاقتتال الداخلي/ مصطفى إبراهيم*
على رغم ادعاء عدد من المحللين الإسرائيليين أنه لا توجد مصلحة للدولة العبرية باندلاع حرب أهلية فلسطينية، وأن المصلحة الإسرائيلية تتمثل بان يقوم الفلسطينيون بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وعلى رغم أن الحكومة الإسرائيلية تنظر إلى ما يجري في الساحة الفلسطينية من تصاعد لحال الانفلات الأمني، وزيادة الهوة بين حركتي فتح وحماس لدرجة الوصول للاقتتال الداخلي أكثر من مرة ووقوع المزيد من الضحايا، بعين الرضا لأنه يخدم مصالحها بطريقة أو بأخرى.

ومع تفاوت التصريحات الإسرائيلية إلا أن الجزء الأكبر لم يخف تأييده لما يجري، ويعملون على زيادة الهوة بين الفلسطينيين، خاصة رئيس الوزراء إيهود أولمرت، ويعتبرون ذلك كما قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندا ليزا رايس" الفوضى البناءة"، هذا أولا. وأيضا يخدم السياسة الجديدة التي بدأ بتبنيها بدعم وتقوية الرئيس محمود عباس، بعد أن "اعتبره هو والعديد من المسؤولين الإسرائيليين أكثر من مرة انه غير ذي صلة وضعيف"، هذا في وقت يسيطر فيه فقط على نصف حكومته، وبحاجة إلى تقوية موقفه السياسي.

ثانيا: ليستطيع أولمرت الحصول على المزيد من التأييد الدولي لذلك، وخاصة الاستمرار في عزل حكومة حماس، وهذا ما جعله حتى الآن لا يقدم على اتخاذ قرار بالتصعيد العسكري ردا على إطلاق الصواريخ محلية الصنع على المدن الإسرائيلية. مع علم الحكومة الإسرائيلية أن وقف إطلاق النار جاء بعد التوافق بين فصائل المقاومة، بعكس توجه قادة الجيش الذين يطالبون بالرد، وهذا ما حذر منه جهاز الأمن العام المخابرات (شاباك)، بالقول إن عملية عسكرية واسعة في قطاع غزة ستؤدي إلى إعادة اللحمة للصف الوطني الفلسطيني بين فتح وحماس، والفصائل الفلسطينية وتوجيه السلاح ضد إسرائيل، ونصح بعدم القيام بعملية عسكرية.

الخبير الإسرائيلي الجنرال احتياط موشي إلعاد في مقابله له مع الإذاعة العبرية (16/12/2006)، معقبا على خطاب الرئيس عباس، قال إن الفتنة أو الاقتتال الفلسطيني بجري منذ حوالي العام، وذلك بعد الانتخابات الفلسطينية، وان خطوة عباس أحادية الجانب التي اتخذها بالانتخابات المبكرة لن تتم من دون انقلاب، الذي لا بد أن يأتي من العناصر العلمانية في السلطة بإشارة لحركة فتح، والهدف إبعاد حماس عن السلطة.

أما مدير معهد ريئوت للتخطيط السياسي غادي روفيفتش، قال إنه لا مصلحة لإسرائيل بإعادة احتلال قطاع غزة، ولا للاقتتال الداخلي الفلسطيني، ويجب أن تقوم حكومة وحدة وطنية فلسطينية تسيطر على الأرض. ومع ذلك أضاف انه لا يمكن الحديث أو التفاوض مع حماس لأنها لا تزال متمسكة بموقفها عدم الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، لذا يجب تقوية الاتجاه المعتدل في السلطة الفلسطينية، وذلك بالتعاون مع
كل من مصر والسعودية والأردن.

وفي تعقيب لها على لقاء أولمرت عباس خلال مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي (24/12/2006 ). قالت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني إن لقاء أولمرت عباس عزز موقع الأخير و"على الشعب الفلسطيني أن يدرك أن أمامه خيارين: الخيار الموجود حاليا في ظل حكومة إرهابية لا يمكن أن تلبي حاجاته اليومية ولا السياسية، في حين يستطيع القيام بخيار بديل يعالج حاجاته اليومية ويقدم له إفقا سياسيا وأن اللقاء بالغ الأهمية".

فيما قال نائب رئيس الوزراء شيمعون بيرس في مقابلة مع الإذاعة العبرية، انه "تم كسر الجليد" بين المسئولين، مضيفا أن المئة مليون دولار التي التزمت إسرائيل تسديدها للسلطة الفلسطينية تشكل "دعما لعباس ".

جاء اللقاء بين أولمرت وعباس السبت 23/12/2006، بعد سعي الأول ليخدم توجهه على رغم الانتقادات السياسية الموجهة له من أطراف مختلفة من الداخل، وليثبت أنه لا يزال يمسك بزمام المبادرة. وعلى رغم عدم تفاؤل العديد من المحللين الإسرائيليين بنتائج اللقاء، وانه سوف يضعف موقف عباس أكثر من تقويته، ويتضح ذلك من تأكيدات المصادر المقربة من أولمرت التي عملت على أن يكون اللقاء معد له جيدا " وكل شيء مخبوز ومطبوخ جيدا كي يكون اللقاء ناجعا ومجديا". وذلك حسب ما نشرته صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية 22/12/2006.

وحسب بعض المصادر الإسرائيلية فإن اللقاء لم يأت بجديد لعباس إذ تم الاتفاق في العام الماضي في شرم الشيخ على المواضيع نفسها ولم يتحقق شيء، وأن إسرائيل لن توافق على إطلاق أسرى فلسطينيين قبل الإفراج عن الجندي الأسير غلعاد شاليت، وجاءت النتيجة كما رسمها أولمرت، لقاء (علاقات عامة) و لم يتم إطلاق أسرى فلسطينيين بل أن النية كانت لدى أولمرت خلال اللقاء الإعلان عن تشكيل لجنة مشتركة للبحث في الإفراج أسرى، وذلك للإثبات للفلسطينيين أن إسرائيل مستعدة للإفراج عن أسرى، من أجل الضغط على حماس لتحرير الجندي الأسير شاليت، وهذا ما كان إلا انه في اليوم التالي تحدث عن إمكان الإفراج عن عدد قليل من الأسرى.

الصحفي الإسرائيلي بن كاسبيت، في مقاله المنشور في صحيفة معاريف 24/12/2006، قال "إن أهمية اللقاء تكمن في مجرد انعقاده، والإنجاز الأكبر الذي حققه الرئيس عباس من اللقاء في منزل أولمرت في القدس، كان علم فلسطين الذي رُفع على شرفه فوق الباب. والوعود الكثيرة والقليل من المال ".

المتتبع لمجريات الأمور على الساحة الفلسطينية يدرك أن شرخا كبيرا وقع، سواء قبل خطاب الرئيس محمود عباس أو بعده، ويلاحظ أن الأطراف الفلسطينية وعلى رغم التوصل للتهدئة الداخلية بينها التي يشك كثيرون في إمكان استمرارها، لان أسباب تجددها لا تزال قائمة، خاصة أن هناك أطراف مازالت تذكيها، (كل طرف يوصل رسالة للأخر انه مسلح وأنه يستطيع أن يحسم الأمر ) بالأخص الطرف الإسرائيلي الذي يجد مصلحته في تعميق الأزمة واستمرار الاقتتال الداخلي وإشعال فتيل نيران الحرب الأهلية بين الفلسطينيين.

والسؤال ألان: هل جاء لقاء أولمرت عباس ليصب في خدمة الاتجاه المعتدل الذي يمثله الرئيس عباس وتقويته حسب الادعاء الإسرائيلي ؟، أم سوف يزيد من حجم الهوة بين حركتي فتح وحماس ؟ ويعمل على تجدد الاقتتال وزيادة مساحة الخلافات وتعميقها ؟

التجربة السابقة علمت الفلسطينيين، أن الإسرائيليين وهذا واضح من نتائج اللقاء أنهم يسعون لدفع الرئيس عباس في اتجاه المواجهة مع حماس، وبدلا من ردم الهوة يعملون على تعميقها، وحسب وكالة " سما الإخبارية " نقلا عن مصدر فلسطيني فإن أولمرت تعهد للرئيس عباس بأنه سيقوم خلال الأسبوعين القادمين السماح لنقل مئات البنادق الهجومية للحرس الرئاسي في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة.

على جميع الأطراف مجتمعة السعي بالاستمرار في تعميق ثقافة الحوار، لان البديل الاقتتال الداخلي، وإذا فشل الحوار سوف يزيد الاقتتال الداخلي، من اجل ذلك فإن تشكيل حكومة الوحدة الوطنية يجب أن يتم وبسرعة، والالتفات لمصالح الشعب الفلسطيني بدلا من التناحر على سلطة منقوصة لم تستطيع الحفاظ على وحدتهم.

التعليقات