30/01/2007 - 10:30

استراتيجية المزيد من الشيء نفسه../ د.غسان العزي

استراتيجية المزيد من الشيء نفسه../ د.غسان العزي
يقول فرنسيس فوكوياما عن الرئيس بوش إن “لديه عجزاً عن الاعتراف بالواقع كما هو” لا كما يتمناه. ويضيف معلقا على الاستراتيجية الجديدة التي كشف عنها الرئيس في خطابه في العاشر من الجاري إنها “الاستراتيجية القديمة تطبق على وضع جديد لذلك لن تنجح. وتبدو كأنها تستند الى فكرة أن لدينا في العراق حكومة ديمقراطية تنأى بنفسها عن كل الانقسامات فتتعرض للاعتداء على أيدي قوى دينية عديدة لذلك من الواجب دعمها عسكريا، هذه السياسة بكل بساطة خاطئة. حكومة المالكي جزء لا يتجزأ من الصراع المذهبي وتمثل احدى الطوائف المتصارعة على السلطة”. ويخلص فوكوياما إلى أن “العراق هو اكبر كارثة في السياسة الخارجية منذ فيتنام”.

هذه الجملة الأخيرة قالها، ولو بصيغ مختلفة، تقريبا كل السياسيين والصحافيين الأمريكيين تعليقا على الاستراتيجية الجديدة في العراق. وهناك من قال كلاما فيه تجريح لشخص جورج بوش، فالاستراتيجية الجديدة ليست جديدة في شيء اذ إن الخطة التي تتضمنها اساسا لبغداد والأنبار هي الثامنة من نوعها منذ أن اعلن بوش في الأول من مايو/ايار 2003 من على ظهر حاملة الطائرات “ابراهام لنكولن” أن “الأعمال العسكرية الأساسية في العراق قد انتهت وانتصرت الولايات المتحدة وحلفاؤها”. وفي 18 ديسمبر/كانون الاول 2005 أي منذ عام بالتمام والكمال اعلن بوش في خطاب استنفاري في البيت الأبيض: “ليس فقط نستطيع كسب الحرب لكننا بصدد تحقيق النصر في العراق”.

ويتساءل المراقبون الأمريكيون قبل غيرهم، بعد اربع سنوات ماذا بقي من هذا “الانتصار”؟ عدد القتلى العراقيين يقترب من سبعمائة ألف (32 الفا في العام 2006 وحده) معظمهم من المدنيين الأبرياء. وتخطى الرقم المعلن لعدد القتلى الأمريكيين حدود الثلاثة آلاف بالإضافة إلى 25 ألف جريح سيبقى المعوقون منهم شهودا على هذه الحرب التي قامت على اكاذيب باطلة ودفعت الولايات المتحدة إلى حبائل مصيدة بات البقاء فيها صعبا والخروج منها اصعب رغم كل الخطط والاستراتيجيات.

الحقيقة أن بوش لم يعد يملك من خيار. فبعد ست سنوات على قيادته للحرب العالمية على الإرهاب واربع سنوات تقريبا على مغامرته العراقية لم يكن منتظرا منه، هو بالذات أن يعلن ركونه إلى ما اوصت به لجنة بيكر-هاملتون والذي يعني بكل بساطة الاعتراف العلني بفشل ذريع في حقل القيادة والسياسة الخارجية، لا سيما في حربه العراقية بالتحديد. لذلك فبوش يجرب إطلاق الرصاصات الأخيرة التي لا تزال في جعبته أي يعطي لنفسه الفرصة الأخيرة بعد أن اعترف بكلمات عامة غامضة باخفاق يتحمل هو شخصيا مسؤوليته. وبما أن الانتخابات الرئاسية المقبلة لا تهمه كثيرا فالأرجح انه يتوجه صوب المؤرخين الذين يحلم بان يكتبوا عنه يوما انه تحدى الجميع ومضى وحيدا في رؤية ثبت انها كانت ثاقبة. ثمة من يوحي للرئيس “المؤمن” بذلك، ثمة من في السماء على ما يتراءى له أو ثمة من في الأرض من بقايا عصابة المحافظين الجدد الذين افل عهدهم بمثل السرعة التي صعد فيها.

تعتمد خطة بوش الجديدة اساسا على ارسال 22500 جندي أمريكي اضافي إلى العراق لفرض الأمن بعد القضاء على المسلحين المتمردين هناك. وراء ذلك القناعة انه اذا نجحت خطة بغداد العاصمة فان كرة الثلج قد تتدحرج عبر نجاحات متتالية في باقي المناطق والمحافظات. وينبغي لذلك وتمهيدا لتسلم العراقيين كامل السلطة من هنا حتى نهاية العام الجاري أو نوفمبر/تشرين الثاني كما تقول الخطة، فيجب انخراط قواتهم العسكرية وحكومتهم بشكل فاعل ومباشر في العمليات الميدانية. لذلك ستتلقى حكومة المالكي كل اشكال العون المادي والعسكري والسياسي الأمريكي، لكنها في الوقت نفسه سوف تخضع لكل الضغوط الممكنة لدفعها إلى العمل بجد وثبات.

لذلك، وماعدا شبه الاجماع في أوساط الضباط الكبار والخبراء العسكريين على أن رقم العشرين ألف جندي اضافي “قليل جدا ومتأخر جدا”، يسجل المنتقدون نقطتي ضعف قاتلتين إن الخطة الجديدة تعتمد كثيرا على حكومة عراقية هي جزء من المشكلة وليست الحل كونها تلعب دور الفريق المتحيز بدل الحكم النزيه، وإن هذه الخطة تبتغي حل مشكلة سياسية عراقية بوسيلة عسكرية أمريكية، وهو ما يصفه ريتشارد هاس ب “الأمركة المتجددة للحرب على العراق”.

بالنسبة للعقبة الأولى لا يثق المراقبون بقدرة (هذا إن ارادت فعلا) حكومة المالكي على محاربة الميليشيات الشيعية بمثل قدرتها(وارادتها)على محاربة الميليشيات السنية. والأمر نفسه ينطبق على مبدأ اشراك السنة في العملية السياسية والتخفيف من اجراءات اجتثاث حزب البعث التي وعدت بها مرارا كما وعدت بسن قوانين حول تقاسم الثروات النفطية كي تحظى كل طائفة بحصتها من الثروة الوطنية.

من ناحية اخرى فان نجاح أي استراتيجية في العراق يتوقف إلى حد كبير على تعاون دول الجوار أو عدمه، وإهمال توصيات لجنة بيكر-هاملتون لا يبشر بنجاح للاستراتيجية الجديدة، بل إن الرئيس بوش قرر مواجهة الدولتين المتهمتين بدعم الإرهابيين وتهريبهم إلى العراق(سوريا وإيران) عبر القضاء على شبكاتهما السرية المنتشرة فيه. وقد باشر للتو استفزاز إيران عبر القاء القبض على خمسة دبلوماسين إيرانيين في اربيل واتهامهم بالانتماء إلى الحرس الثوري. وكان البنتاغون قد شرح اكثر من مرة أن العبوات الناسفة التي تنفجر في المدرعات الأمريكية متطورة جدا وهي مصنوعة في إيران، والإعلان عن نشر بطاريات الباتريوت وإرسال المزيد من القطع البحرية المقاتلة إلى مياه الخليج وما شابه رسائل موجهة إلى إيران التي تتكاثر التحليلات والتسريبات حول امكانية تعرضها لهجوم عسكري “اسرائيلي” و/أو أمريكي مباغت يستهدف القضاء على برنامجها النووي.

وبدل أن تسعى ادارة بوش، دعما لاستراتيجيتها الجديدة على الأقل، إلى حل جدي نهائي للصراع العربي-”الاسرائيلي” الذي بات الجميع في العالم مقتنعا بالحاحيته كمقدمة لحل كل المشاكل المرتبطة بالإرهاب وعدم الاستقرار وغيره، فقد أرسلت وزيرة الخارجية رايس إلى المنطقة لتعلن فور وصولها أن جعبتها خالية من مبادرة في هذا الصدد. وجل ما فعلته هو المزيد من الشيء نفسه الذي اعتادت على فعله: لقاءات ووعود ومشاورات حول السلام بين “المعتدلين” ضد “المتطرفين” وجعجعة دبلوماسية من دون طحين سياسي.


"دار الخليج"

التعليقات