29/09/2009 - 06:49

تجارة وسياسة.. مقايضة قد تجد من يستجيب!../ ناصر السهلي*

تجارة وسياسة.. مقايضة قد تجد من يستجيب!../ ناصر السهلي*
السؤال لا علاقة له بالفقه.. ولا إن كان هذا المذهبي في رواية كتاب الأنظمة العربية يُقر، إدعاءا، بأن "مذهب السنة مُهدد" من "إيران الفارسية..والصفوية". ولعل أكثر انشغالات مروجي ما تريده السياسة الغربية من هذه الأنظمة تحت عنوان: مواجهة الخطر النووي الإيراني.. هو إشغال عقل الإنسان العربي، المنهك بالأصل من طبيعة هذه النظم وممارساتها الانتهازية، عن حقيقة طعم العلقم الذي يتجرعه الشعب الفلسطيني وهو يراقب.. نعم يُراقب.. كل هذا الوهن العربي.. بشقيه الرسمي والحزبي، ونضيف إليهما الفقهي عند مشايخ تمجيد زعامات لا طائل من جيوشها وسياساتها سوى حماية عروشها من وهم تصنعه عقلية قائمة على إقصاء الشعب كله. وربما هذه المأساة المتكررة صارت مثل رواية "إبريق الزيت"، وقد مللنا جميعا تكرار البديهي فيها.. فالقدس ليست أكثر من شعار كان.. في فعل ماض لم يعد يخجل من نفي وجوده فقهاء الدين والسياسة وهم يرددون ترهات المذهبية ودغدغة مشاعر مخترعة، فأصبحت حقا لا تعير الشعب الفلسطيني سوى مدامعها وهي تفطر على مدافع رمضانية زائفة، والزيف يعود على المدافع، قبل أن يتصيد كلامنا شطار تكرار الشعارات.

وإذا كنا نعيد الرواية المملة إلى بداياتها، فهذا لأننا لم نعد في غياب المدامع والشعارات العربية والإسلامية في لا اكتراث إسرائيلي واضح بكل هؤلاء من مطلقيها. القدس التي تشكلت لأجلها لجنة خاصة بعد محاولة الإحراق قبل 30 سنة، هي ذاتها القدس التي لم يبق لأهلها سوى 12 % حسب تقرير ذات اللجنة. والقدس التي تغنت وغنت لها هذه الأنظمة والأحزاب التي تدور في فلكها هي ذات القدس التي يشرد سكانها على الأرصفة في 2009. وقد صدق حين سأل السيد حسن نصر الله عمن يفعل شيئا لتلك العوائل التي تفترش الأرصفة وتصير فرجة لسائح "يعشق جمع الصور".

ليس غريبا أن تكون الرواية هي ذاتها وإن تغير لون الحبر الذي تُكتب فيه فصولها بعد ثلاثين عاما. أنفاق وتهويد وتشريد.. والرد 5 مليون دولار.. رد فظيع وجهنمي يهدد التهويد!.. تُرى هل تجنى مظفر النواب يوما حين سأل عما تفعله هذه الأنظمة للقدس وقد دخل عليها كل زناة الليل وهم يستلون خناجرهم لتصمت هذه القدس؟.. بالتأكيد لم يرتكب النواب سوى جناية واحدة، لم يتصور ولا الكثيرين معه أن يكون زمن الردة بهذه القسوة وهذه الوحشة في "تيه التياسة الرسمية" وهي تسمي ما تمارسه "سياسة".. ما جرى في باحات القدس يوم الأحد 27 أيلول/ سبتمبر يدل وبوضوح شديد أن ما يحضر له ليس فقط محاولة لاستباحة الأقصى. فما يجري في كل المدينة يشكل حالة أخطر. وما هي ردود الفعل على ما جرى من اقتحام "جس النبض" أثبت أن التحول من الذاكرة والوعي الجمعي تم استبداله بفردية وفئوية يرى فيها السياسي فرصة لعقد مؤتمر صحفي وبيان تنديد بعد أيام قليلة من كذبة نوايا أوباما الذي لحس عقول الكثيرين، فباتت الصور وتصديق الوعود والنوايا بدائل، بينما تترك الجماهير أهالي القدس وفلسطينيي الداخل عرضة للاستفراد بهم.

شيء يثير حيرة البعض.. فكل هذا التهويد الذي يصل مشارف رام الله ربما لم يستحق هذه المرة ولا حتى بعض الشموع وقرع "الطناجر".. ويا عيني عليك يا وطن..
الاقتراح الإسرائيلي الرسمي (العلني والمبطن ) بمقايضة الدعاوى القضائية بحق دولة الاحتلال وجرائم قادتها في غزة بـ "الترخيص" لشركة الهاتف النقال الفلسطينية "الوطنية موبايل" تعبر عن الذهنية الصهيونية في اعتبار كل شيء قابل للصرف المادي عبر مقايضات مشينة. والمنطلق هو الفساد بعينه الذي تناقلته ونفته ثم عادت وتناقلته من جديد بعض الأقلام الفلسطينية عن رشاوى تصل قمة الهرم الوزاري الإسرائيلي منذ عهد أولمرت.

قرأت كما قرأ غيري من الصحفيين الفلسطينيين الكثير عن ملف "الوطنية موبايل" والذي جرى تضخيمه في فترة ما، حتى صار الشغل الشاغل للكثيرين، والمبررات التي كان الجانب الإسرائيلي يسوقها لمنع عمل هذه الشركة في الأراضي الفلسطينية عبر ذبذبات معينة تركزت على " التهديد الأمني" تارة على الطيران وتارة أخرى على اتصالات جيش الاحتلال..

تلك المبررات ما عاد لها وجود في عقلية المقايضة، بل والأنكى من ذلك اعتبار تدمير غزة وقتل وجرح الآلاف من الفلسطينيين يمكن أن يصير ثمنا لعمل شركة هاتف.

المطلوب وبكل بساطة أن تسحب السلطة الفلسطينية القضية المرفوعة بحق قادة جيش الاحتلال لاقترافهم جرائم حرب في غزة، وهو ما تسعى إسرائيل لإفشال هذه الدعوى من خلال تجييش قانونيين دوليين وإيجاد من يتساوق مع هذه السياسات في الجانب الفلسطيني.
من المخجل الاعتراف بأن جدار الفصل العنصري الذي نتباكى على تشييده ليحول المدن الفلسطينية إلى سجون كبيرة، يتطلب الانتقال بينها حفلة من الإذلال والمهانة لا يمكن لبيرجيت باردو أن تقبلها لمن تعتبرهم أكثر قيمة من البشر.. أقول، من المخجل أنه في عام 2004 ، أي قبل 5 سنوات صدر قرار ( قد لا يكون ملزما حسب تنظيرات التبرير العاجز) يعتبر هذا الجدار غير شرعي ويطالب بإزالته. والنتيجة يجب أن تقال، لا الجانب الفلسطيني ولا العربي الخانع استطاعا أن يستثمرا هذا القرار.

صباحا مساءا، يذكرنا الساسة في الجانب العربي والفلسطيني الرسمي باتفاقية جنيف الرابعة والقانون الدولي الذي يمنع تغيير الواقع الجغرافي والديمغرافي للأراضي المحتلة.. وصباحا مساءا تذكرنا المستعمرات الإسرائيلية بأن ما يردده هؤلاء ليس أكثر من كلام أجوف تحت شعار "الأخذ بالمتغيرات الدولية".. فهل نشهد استجابة لمقايضة جرائم الاحتلال بالسماح لشركة هاتف نقال لاستخدام الفضاء الفلسطيني المستخدم من الاحتلال مناورات وعبورا نحو مطارات إسرائيلية مدنية وعسكرية؟

الجواب المخيف في ظل هذا السخف المستمر لمسلسل الانحدار في المواقف والتراجع عنها في التجربة السياسية لا يبشر بصلابة أو التزام حقيقي بما يُقال للشعب الفلسطيني. أليس مثيرا للشفقة أن يقبل السياسي الرسمي الفلسطيني والعربي تبريرات ميتشيل ونتنياهو عن تعرض الأخير لضغوط داخلية؟ بل حتى القبول بمجاهرته بأنه "منتخب على أساس برنامج مختلف عن برنامج كاديما؟".. فأين مسموح في عالمنا العربي وفي الساحة الفلسطينية أن يقول وبكل هذه الجرأة التي تصل حد الوقاحة والاستخفاف: لا نلتزم بما التزمت به الحكومات السابقة!

فبعد 7 أعوام من عبثية المفاوضات مازال العرب يرددون "نحن ملتزمون بمبادرة السلام العربية"، ويمد ساسة إسرائيل ألسنتهم ومشاريعهم ويخترعون "عليكم الاعتراف بيهودية دولتنا"!
صيرورة التاريخ ( وهكذا كان التنظير يوما) تحمل ما قاله ذات يوم "زعيم" فلسطيني: إما أن تقود أوسلو إلى دولة أو إلى كارثة! ببساطة شديدة من قال هذا الكلام ليس سياسيا متقاعدا. ومقدمات الكارثة ليست خفية على أحد. وأستغرب كيف أن "سياسيا" يحذر و"بشدة" بأن ما جرى في القدس قد يقود "إلى انتفاضة ثالثة". فماذا فعل هؤلاء للأولى والثانية؟

ورقة وتوقيع "اعتراف" في الأولى.. وتجريم مقاومة الاحتلال في الثانية.. اللهم سيارات الجيب التي تحمل قياداتـ"نا" نحو بلعين لتلتقط لهم الصور قبل أن تتغبر أحذيتهم وبدلاتهم.

اللعب على مشاعر تم إحباطها وتدمير منهجي لأسمى حالات التكافل الوطني تدفع الشارع الفلسطيني إلى تهكم ليس له مثيل.. ومن يتهكم اليوم قد يفاجئ السماسرة وأصحاب الامتيازات غدا. والعقلية الصهيونية التي تدرك متى ترمي الجزرة لهؤلاء ستكتشف أن صيرورة التاريخ والشعوب لا يمكن أن تتجاوز الشعب الفلسطيني مهما كانت الصورة قاتمة.. فمن يقبل اليوم دويلة بأي ثمن سيكتشف بأنه خارج التاريخ، ونتنياهو ومجموعة التطرف الصهيوني ستكتشف مع المتساوقين مع مشاريعه أنهم ليسوا أكثر من عابرين في مشروع طويل لهذا الشعب الذي يبدو في الظاهر أنه غير مبال..

التعليقات