06/01/2010 - 09:46

زرع قلب../ نجوى فكري

زرع قلب../ نجوى فكري
مصر قلب العروبة النابض، هذه المقولة كانت صحيحة في الزمان الغابر، بل وكانت مصر قبلة الشعوب الآسوية والإفريقية، ولم يكن هذا من باب الفخر أو حب الزعامة، بل لأن حماية حدودنا الاستراتيجية توجب علينا هذا التعامل العربي و الإقليمي، ومصالحنا المادية المتمثلة في النيل كشريان رئيسي للماء والحياة في مصر توجب علينا هذا التعامل الإفريقي.

لكن هذا القلب النابض استبدله نظام السادات بقلب صناعي مزروع لا يضخ الدم نحو العرب أو الشعوب الإفريقية، بل كان كل همه ضخ علاقات مع الغرب وأمريكا التي بيدها 99% من أوراق اللعبة كما كان يردد، ومن ثم جاء مبارك و ضخ الغاز لإسرائيل، وقد يكون الماء قريبا، وقد ماتت تقريبا علاقاتنا بدول حوض النيل، التي لم تمل إسرائيل من السعي إلى توطيد علاقتها بها، وذلك طبعا لهدف استراتيجي، حتى تضمن استمرار خضوع مصر لو تغيرت الأنظمة الصديقة لها.

عندما كانت مصر قلب العروبة النابض كانت تعطي ولا تمن، ولذلك لم يكن يبخل العرب عليها في الأزمات كمواقف سوريا إبان العدوان الثلاثي، تفجير أنابيب البترول حتى تمنعه عن الغرب، وتشغيل إذاعة دمشق لتذيع هنا القاهرة عند توقف إذاعتنا، وموقف الجزائر أثناء حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر من إرسال متطوعين اختلطت دمائهم مع دماء شهدائنا على أرض سيناء، ومساعدتنا بالمال، حين قدم بومدين شيكا على بياض للاتحاد السوفييتي ليعوضونا عما فقدنا من طائرات إثر هزيمة 67، ثم أخيرا موقف دول الأوبك أثناء حرب أكتوبر، مما كان له أكبر الأثر في تحقيق النصر، الذي خسرناه بالتنازلات التي قدمها السادات في مفاوضاته والتي علق عليها هنري كيسينجر بالاندهاش لمفاجأة السادات لهم في المباحثات بتقديم أكثر من توقعاتهم.

فنحن بعد كامب ديفيد أصبحنا في معسكر آخر، ولم نعد بعد قلب العروبة النابض، والغريب أنه منذ أن توقفنا عن أن نصبح قلب العروبة، لم يتوقف حكامنا عن المن على العرب بما قدمته مصر من أجلهم، وطبعا الأبواق الإعلامية لم تتوقف عن تشويه التاريخ أمام الشباب، حتى أن كثير من الأجيال الجديدة تظن أن كل حروبنا كانت في سبيل فلسطين والعرب حتى حرب 56!!

ونتيجة للغوغائية الإعلامية ظهرت أجيال مطموسة الهوية، ومزيفة الوعي، فقد قالت لي صديقة أن ابنها ذو الخمسة عشر عاما كان منفعلا وذهب مع الشباب الذين حاصروا سفارة الجزائر إثر المباراة الشهيرة، ولما حاولت إفهامه أن هذه مبالغة وأن الموضوع كله مبالغ فيه، بكى وقال لها (ما كنتش أعرف إنك مش وطنية).. أرأيتم كيف أصبح شبابنا يرى الوطن والوطنية؟

لذلك نرى شبابا يعلق على موضوع جدار رفح أن مصر يجب أن تحمي نفسها، وكفاية قومية وكفاية عروبة!! لأن الثقافة التي تربى عليها هذا الجيل زيفت وعيه، وشوهت مفاهيمه، فلم يفهموا معنى الحدود الإستراتيجية، ولم يفهموا المصالح الحقيقية، فقد تربوا على المن بما تعطي مصر، في الوقت الذي توقفت فيه عن أي عطاء، بل هي تشارك في الضرر والحصار، فتجد من يدافعون عن جدار العار الذى يصدقون فعلا أنه يحمى امن مصر القومي!!

هذا الجدار الذي تقيمه مصر بين رفح وغزة تحت الأرض لتخنق المحاصرين فلا يحصلون على ما كانوا يحصلون عليه من فتات من خلال أنفاق قد يموتون في انهياراتها. فنجد من ينبري بالدفاع عن أهمية أمن مصر القومي ويرددون مصر ثم مصر ثم مصر، ما هذه الديماجوجيه؟!

هؤلاء هم الذين لا يعرفون أن الثور الأسود قتل يوم قتل الثور الأبيض.. ألم يفكروا لماذا تتكفل أمريكا بتكاليف تصنيع وتنفيذ مثل هذا الجدار؟ بل وتأمر بتنفيذه، هل ذلك من أجل حماية أمن مصر القومي ومنع تهريب المخدرات؟ هل هذه المخدرات تصنع في غزة ؟ أم تأتي من إسرائيل ؟وهل يمكن أن تساعدنا أمريكا فتمدنا بألواح فولاذية (على حساب صاحب المحل) لننفذ جدارا آخر على الحدود بين مصر وإسرائيل عند منفذ طابا؟ أم أن خطورة غزة أكبر على مصر؟!

أما إسرائيل فأصبحت هي المؤتمنة على أمن مصر القومي، وخصوصا أن سيناء لا يوجد بها سوى وحدات محدودة من الجيش نصت عليها اتفاقية كامب ديفيد، كما أنها مفرغة من الأسلحة الثقيلة. ألا يرى المنصفون أن هذا النظام يجرى غسيل مخ للأجيال بعد أن أجرى ما قبله زرع قلب.

فلا يتساءل أحد بعد الآن لماذا يكره العرب مصر؟ بل السؤال هو لماذا أحب العرب مصر وشعبها وقياداتها في السابق أيام كانت قلب العروبة النابض حقا؟

التعليقات