24/07/2010 - 10:20

النخب المتآكلة../ خالد خليل

النخب المتآكلة../ خالد خليل
عندما نتحدث عن النخب نعني تلك المجموعة أو المجموعات التي لها دور في المجتمع وتساهم في إدارته وتطويره، أي أنها تمارس هذا الدور فعليا، وتؤثر بشكل فعال في إحداث التغيير وقيادة المجتمع. وإذا كانت النخب تابعة للسلطة كما الحال في معظم الأقطار العربية فهي تفقد صفتها كنخب، وتصبح مجموعة من الموظفين أو المنتفعين تأتمر بأمر الحاكم وتزول بزواله.

كثير من النخب العربية داخل الخط الأخضر وعلى وجه الخصوص تلك المحسوبة على الحركة الوطنية لا تختلف ملامح أزمتها العامة عن تلك الموجودة في المحيط العربي، وتحديدا فيما يتعلق بجو الإحباط والتشاؤم المزمن الذي يهيمن عليها، إضافة إلى ارتهانها الدائم لقوى خارجية في السراء والضراء.

من الملاحظ أن هذه النخب بغالبيتها الساحقة موجودة في المرحلة الراهنة في حالة من النكوص والتراجع وتستنكف عن أخذ دور فعال ومؤثر في قيادة الأحزاب والحركات السياسية الفاعلة في ساحتنا، ويكاد يكون دورها النضالي معدوما.

ومن الملفت أن انخراط قسم منها في العمل السياسي مرتبط إلى حد كبير في الجانب المصلحي لها الذي بات يتغلب على جانب التضحية والعطاء الذي من المفروض أن يميز عملها.

ولكي تبرر لذاتها هذا النكوص والاستنكاف وتخرج نفسها من دائرة النقد، تلجأ هذه المجموعة إلى التنظير التبريري المليء بالإحباط والتشاؤم والذي يعلق على شماعة الظروف الموضوعية والعوامل الخارجية جميع أسباب التراجع والفشل. وكلما اشتد الصراع مع السلطة وتفاقمت حدة القمع وشراسته تبتعد هذه المجموعة عن النضال لا بل تطالب بخفض سقفه بادعاء حماية الحركة الوطنية من نير القمع السلطوي.

الحركة الوطنية راكمت خبرات غنية في مواجهة السلطات وظلمها وتجاوزت أزمات معقدة جدا من ضمنها محاولات الإخراج عن القانون. وقد تم هذا التجاوز بالأصل بسبب صلابة مواقف الحركة الوطنية والتمسك ببرنامجها وبخطابها الواضح وذي السقف المرتفع.

الغريب أن هذه التخب طالما حافظت على مسافة بعيدة من مركز الحدث في زمن الأزمات، وقربتها كلما كانت الأمور هادئة. وفي جميع الأحوال كان وراء القرب أهداف شخصية ومصالح ذاتية مرتبطة إما بمكسب مادي أو منصب جماهيري أو حزبي. ومن سمات هؤلاء أنهم على درجة عالية من الخوف والأنانية، ولكنهم أيضا على درجة عالية من الفذلكة والشطارة.

إن توجيه النقد في هذه الحالة لا يهدف إلى قتل روح التنافس من أجل التقدم الشخصي، لكنه يهدف بالأساس إلى منع هذا التقدم على حساب المصلحة الوطنية.

والمقياس الوحيد للتمييز بين الوضعين يكمن في مدى نشاط وفاعلية وانخراط هذه النخب في العمل السياسي الوطني داخل الحركة الوطنية، لأنه من خلال ذلك فقط يمكن التصدي لثقافة المصلحة والانتهازية السياسية التي باتت تشكل خطرا على النسيج السياسي والأخلاقي الوطني، حيث من الملاحظ أن هذه الثقافة تغزو بقوة حتى الأوساط الشبابية داخل الأحزاب والحركات السياسية والتي تتمتع بمخزون هائل من القيادات والنخب الواعدة الملقى على عاتقها الحسم المستقبلي.

يعلم المنخرطون في معترك النضال أن الانتهازية غير مجدية على المدى البعيد، وأن السعي من أجل التموقع المفتعل في المناصب القيادية لن يؤتي ثمارا، وسيؤدي حتما إلى الوقوع أو إلى التآكل الأكيد.

التجمع الوطني الديمقراطي الذي يشكل رأس الحربة في مواجهة العنصرية الإسرائيلية رفع منذ تأسيسه سقف الخطاب السياسي للجماهير العربية وهو ليس مزاجيا بذلك، بل على العكس فان سقفه المرتفع هو ميزته التي لن يتخلى عنها مهما اشتدت وعنفت الهزات، لأن خطابه أيضا تعبير حقيقي عن مشروعه الوطني المعلن على الملأ. وهو مشروع لا يحتمل التلاعب أو التأويل حتى لو سنت إسرائيل قوانين جديدة تستهدفه تحديدا.

التعليقات