16/10/2010 - 09:30

نصيحة للرئيس../ هاني المصري

-

نصيحة للرئيس../ هاني المصري
أفهم تماما الوضع الذي تعيش فيه حالياً يا سيادة الرئيس, فقد وجدت أن طريق المفاوضات الثنائية المباشرة وصل إلى حائط مسدود، بحيث أن مواصلة السير به أصبحت بالحد الأدنى مساساً خطيراً بالحقوق الوطنية الفلسطينية، وبالحد الأقصى تجاوزاً لهذه الحقوق.

كما انك أيها الرئيس تجد أن الخيارات و البدائل، حتى التي طرحتها في قمة سرت ليست سهلة بل صعبة جداً وليست في متناول اليد، وهي لا تخيف إسرائيل لأنها مطمئنة لأن الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تتخلى عنها بحيث تعترف بالدولة الفلسطينية بدون اتفاق معها، وأنها ستستخدم "الفيتو" ضد أي مشروع قرار عربي في مجلس الأمن لا ترضى عنه إسرائيل.

في هذا السياق أنت الآن أيها الرئيس في حيرة شديدة. فأنت تجد من الصعب مواصلة الطريق نفسه الذي جرب عشرين عاماً بدون نجاح، كما تجد من الصعب الارتداد عنه، فآثرت الانتظار حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا..
 
إن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الانتظار بدون وضع الشعب والقوى أمام مسؤولياتها ليس سياسة، خصوصاً إن الوقت لا يعمل لصالح الفلسطينيين، فما تقوم به إسرائيل على الأرض يوميا من فرض حقائق احتلالية يجعل الحل الوطني بعيداً أكثر وأكثر، والوقت من دم والتاريخ لا يرحم، كما أن هناك تفاوضاً حقيقياً جارياً بشكل مكثف بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما، تفاوضا حول شروط الحل للصراع العربي- الإسرائيلي، وليس كما يبدو حول شروط استئناف المفاوضات فقط.

لقد أصبحت الولايات المتحدة الأميركية تريد حلاً للصراع، لأنها تشعر أن مكانتها الدولية تتراجع، ونفوذها في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط يخسر.

كما أنها أصبحت تقتنع أكثر وأكثر أن استمرار الصراع بات يهدد المصالح الأميركية وحياة الجنود الأميركيين في منطقة الشرق الأوسط . إن الحل الذي تبلوره وتفضله الإدارة الأميركية حل جائر للفلسطينيين لأنه يقوم على مقترحات كلينتون زائد أو ناقص، إلا أنه حل مرفوض من الحكومة الإسرائيلية الحالية، التي تريد تحقيق الحد الأقصى من المطالب والمصالح الإسرائيلية بدون إعطاء الفلسطينيين سوى الفتات والبقايا، او تفضل أن يبقى الوضع بدون أي حل أو اعتماد حل انتقالي طويل الأمد متعدد المراحل .

إن العمل من أجل التوصل إلى تسوية مستمر، فالمفاوضات الفعلية دائرة، سواء من خلال عقد اجتماعات فلسطينية – إسرائيلية أو بدونها، أو بمفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، أو بتجميد الاستيطان أو بدون تجميده.
 
أعتقد يا سيادة الرئيس أن ما يدفعك إلى عدم المشاركة بالمفاوضات رغم إيمانك بها ورغم المشاركة بها في ظل استمرار الاستيطان انك تيقنت أكثر و أكثر أنها مفاوضات بدون ضمانات ومرجعيات، وهي تسير وفق الشروط الأميركية- الإسرائيلية، وإن أقصى ما يمكن ان ينجم عنها هو حل لا تستطيع أن توافق عليه. فهو إما حل نهائي يصفي بالجملة القضية الفلسطينية من مختلف أبعادها، أو حل انتقالي طويل الأمد متعدد المراحل يحقق الهدف نفسه بالمفرق.

إنك يا سيادة الرئيس ومعك الفلسطينيون جميعاً أمام لحظة الحقيقة، والانتظار ليس بديلاً، ولا سياسة بل لا سياسة، لأن الوقت ينفد وستصل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في نهاية الأمر إلى اتفاق على حل أميركي – إسرائيلي يكون في نقطة ما بين الحل الإسرائيلي والحل الذي تطرحه إدارة أوباما، وهو سيكون جائراً وتصفوياً للقضية الفلسطينية.

إن الطامة الكبرى تكمن في أننا إذا انتظرنا حتى تتوصل الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل إلى اتفاق حول مضمون الحل، سواء عبر إدارة أوباما وحكومة نتنياهو، أو بعد تغير الائتلاف الحكومي في إسرائيل أو الادارة الأميركية الحالية، فإننا سنجد أنفسنا أمام حل مفروض إمكانية مقاومته و إسقاطه أقل بكثير .
إن الفرصة لإفشال الحل الإسرائيلي، أو الحل الأميركي- الإسرائيلي ستكون أكبر طالما لم يتم الاتفاق الأميركي – الإسرائيلي على معالم الحل.

إن المطلوب أن تصارح شعبك بما حدث ويحدث، لوضعه أمام المخاطر والتحديات والفرص والخيارات والبدائل، وذلك من خلال المبادرة للدعوة إلى تنظيم حوار وطني شامل يشارك به الجميع، و يرقى فوق المصالح الفردية و الفئوية والجهوية، و يستهدف تحقيق المصلحة الوطنية العليا، من خلال استهداف بلورة بديل إستراتيجي متكامل، بديل عن طريق المفاوضات الثنائية المباشرة وفق الشروط الأميركية والإسرائيلية .

بديل يبدأ بمراجعة شاملة للتجارب الفلسطينية واستخلاص الدروس والعبر من المفاوضات والمقاومة والانقسام، وتجربة السلطة ومكانها في إطار النظام السياسي الفلسطيني، ولماذا وصلت منظمة التحرير إلى ما وصلت إليه من ضعف وشلل . فإذا بدأنا بالمفاوضات نجد أنها شكل من أشكال التحرك السياسي و لا يمكن تقزيمه بالمفاوضات فقط، ولا بشكل معين من المفاوضات ثبت عقمه بالكامل.

كما أن المفاوضات ضرورية شرط أن يتم تحديد أسس ومرجعيات وآليات المشاركة بها وكيف يجب أن تتم في إطار دولي كامل الصلاحيات وفعال وضمن ضمانات حقيقية وآلية تطبيق ملزمة وجداول زمنية قصيرة، وعلى أساس أن مرجعية المفاوضات هي القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وان المفاوضات يجب أن يسبقها وقف الاستيطان وجميع قرارات وإجراءات الاحتلال الممارسة على الأرض.

وحتى تعطي المفاوضات أكلها يجب أن تكون جزءاً من إستراتيجية كفاح متكاملة تضم العودة إلى تفعيل العامل الدولي و العربي للقضية الفلسطينية الذي بدونه لا يمكن تحقيق حل عادل أو متوازن .
أما بالنسبة للمقاومة، فهي حق طبيعي ومقر في القانون الدولي، لكن المقاومة ليست صنماً نعبده، ولا تكون مقاومة من أجل المقاومة، وإنما وسيلة لتحقيق الأهداف الوطنية. لذا يجب أن تخضع المقاومة للبرنامج الوطني والمرجعية الوطنية المتفق عليها.

كما أن المقاومة لا يمكن اقتصارها على شكل واحد، بل هناك إمكانية لممارسة عدة أشكال من المقاومة حتى يصبح الاحتلال مكلفاً لإسرائيل ما يدفعها للاستعداد للانسحاب من الأراضي المحتلة والموافقة على حل متوازن للصراع.

أما بالنسبة للسلطة فيجب أن تعود إلى مكانها الطبيعي كمرحلة على طريق إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، بحيث تكون في خدمة البرنامج الوطني وأداة من أدوات المنظمة. وفي هذا السياق يجب إعادة النظر بشكل ووظيفة السلطة، بحيث تكف عن لعب اي دور سياسي، وبما يكفل إعادة النظر بالاتفاقيات والالتزامات التي عقدتها المنظمة والسلطة مع إسرائيل، وتجاوزتها إسرائيل كلياً في نفس الوقت الذي تصر على التزام الفلسطينيين بها من جانب واحد.

إن م.ت.ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والمرجعية العليا السياسية للنظام السياسي الفلسطيني، ولكن هذا صحيح قولاً وشرعاً و رسميا ولكن ما يجري على الأرض أن المنظمة بصورتها الراهنة لم تعد تمثل حقاً قطاعات سياسية وشعبية واسعة، وأصبحت في خدمة السلطة، وهي في حالة شلل شبه كامل. لذا فان المطلوب تفعيل وإصلاح وإعادة تشكيل م.ت.ف على أساس إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني والشراكة الحقيقية والمضمون الديمقراطي ولمختلف مكونات النظام السياسي الفلسطيني.

إن المصالحة ضرورة وليست خياراً من الخيارات، ويجب أن تعطي الأولوية لأن تحقيقها وحده يمكن الفلسطينيين من التفكير والعمل من اجل بلورة واتباع خيارات وبدائل قادرة على تحقيق الأهداف و الحقوق الفلسطينية .
 
و أخيراً، إن مسألة صيانة الحقوق والحريات للإنسان الفلسطيني وترسيخ مرتكزات النظام الديمقراطي تكتسب أهمية متعاظمة بعد أن تزايدت الانتهاكات للحقوق والحريات في الضفة الغربية و قطاع غزة، متذرعين بالانقسام و الشرعية و المصلحة الوطنية، في حين أنه لا شيء يفسر أو يبرر أو يسامح أي إنسان أو أي سلطة تقوم باعتقال أي شخص او انتهاك الحقوق الفردية والحريات، لأن هذا الطريق يهدم ثقة وقدرة الإنسان الفلسطيني بنفسه و نظامه وقيادته. والإنسان أغلى ما نملك، ويجب أن نحرص دائماً على ان يكون حراً و آمنا و عاملا و فاعلا حتى يمكن أن ندحر الاحتلال و نحقق الحرية و العودة والاستقلال.

التعليقات