23/10/2010 - 07:36

أعدموا الأم، فصرخ الأطفال، وانتصر العار!../ زهير أندراوس

-

أعدموا الأم، فصرخ الأطفال، وانتصر العار!../ زهير أندراوس
حتى مساء الثلاثاء الـ19 من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، كانت عبير أبو قطيفان البالغة من العمر 33 عاماً من اللد، وأم لخمسة أطفال، امرأة عادية و"مجهولة"، ولكن شاء القدر أنْ تقتحم الرأي العام بقوةٍ، قصتها سيطرت لساعات معدودات على الأجندة، بعد أنْ قام "مجهولون" بإعدامها رميًا بالرصاص، أمام أطفالها بالقرب من بيتها.
 
 وكعادتها سارعت الشرطة الإسرائيلية بتعميم بيانٍ رسمي جاء فيه أنّ خلفية الجريمة البشعة والقذرة، وفق جميع المعايير الإنسانية والدينية والأخلاقية، تعود إلى ما اصطلح على تسميته بتدنيس شرف العائلة. بانتقالها إلى جوار ربها، فتحت المرحومة عبير الباب على مصراعيه أمام المجتمع في الداخل الفلسطيني ليسأل نفسه: حتى متى ستبقى المرأة العربيّة ضحية لنزوات هذا أوْ ذاك؟ ثم من حللّ القتل؟ ومن سمح لفلان أوْ علان، بتعيين نفسه محققًا وقاضيًا ومنفذًا للحكم في مجتمع يريد من يريد أنْ يُطبّق شرائع حمورابي، التي أكل الدهر عليها وشرب، ألمْ يقُل السيّد المسيح، عليه السلام: "من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجرٍ".
 
وقبل الخوض في غمار ظاهرة القتل على خلفية ما يُسمى بشرف العائلة وسبر أغوارها، نرى من واجبنا الوطني بالدرجة الأولى، التشديد على أنّ المرأة العربيّة تعاني من كونها ضحية مرتين: أولاً، لأنّها تنتمي للأقلية القومية العربيّة في الداخل الفلسطيني، وتتعرض للممارسات العنصرية التي تُنتجها وتُخرجها إلى النور حكومات إسرائيل المتعاقبة، وثانيًا، كونها تعيش في مجتمع ذكوري ورجولي، تُقمع فيه تحت مسميات لا علاقة لها، لا بالأخلاقيات ولا بالديانات السماوية.
 
 وفي هذه الحالة، من الصعب، إنْ لم يكن مستحيلاً، أنْ يتحوّل مجتمع يقمع نصفه إلى مجتمع راقٍ ومواكبٍ لركب التطورات الحضارية، وبالتالي لا نبالغ إذا قلنا إنّ استمرار قمع المرأة العربيّة من قبل الرجل العربيّ، هو الوصفة الخطيرة، مع أل التعريف، لكي نبقى للأسف الشديد، مجتمعًا رجوليًا، عائليًا، طائفيًا، مذهبيًا، وما إلى ذلك من صفات تُميّز المجتمعات التي تعيش في القرن الـ21، ولكنّ أفكارها وممارساتها لم تتخط الجاهلية القبلية، وطبعًا لكل قاعدة هناك استثناء، وفي لغتنا العربيّة هناك كلمات ممنوعة من الصرف، وهذا الصرف غير الصحيّ ينسحب أيضًا على أفرادٍ في مجتمعنا.
 
وهناك سؤال لا بدّ من طرحه باستقامةٍ فكريةٍ وبجرأة على أمل أنْ يثير نقاشًا حضاريًا داخل معظم روافد ومكونات مجتمعنا العربي في الداخل: إذا أراد كائن من كان أنْ يُطبق شريعة الغاب في المجتمع، فلماذا حتى اليوم لم نسمع عن قيام "شرطة الآداب"، أو من نصّبوا أنفسهم مسؤولين عن شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بقتل رجلٍ على خلفية تدنيسه لما يُسمى بشرف العائلة؟ وهذا السؤال لا يعني بأيّ حال من الأحوال دعوة للجريمة، أوْ تحقيق المساواة المفقودة بين الرجل ونصفه الأخر. إنّ القتل، مهما كانت مبرراته ومهما كانت مسوغاته هو جريمة وفق كل المقاييس والمعايير، ولكن الأخطر من ذلك، أنّ الذي يسكت عن الجريمة هو شيطان أخرس، فما بالكم بأولئك الذين يتباهون ويفتخرون بأنّهم قتلوا تلك المرأة حفاظًا على ما يُسمى بشرف العائلة، ثم، يحق لنا أنْ نسأل من حدد مقاييس الشرف؟ ومن قرر تعاليم شرف العائلة؟ وحتى إذا سلًمنا بأنّ المرأة "أذنبت" فمن خوّل هذا المجرم أوْ ذاك بقتلها؟
 
علاوة على ذلك، الأرض والعرض، هما عاملان مهمان جدًا في مجتمعنا، وبالتالي ماذا يقول حماة ومؤيدو القتل على خلفية ما يُسمى بشرف العائلة عن سماسرة الأرض وعملاء الدونمات، الذين يقومون ببيع أراضيهم وأراضي غيرهم خدمةً لتحقيق المشروع الصهيوني القاضي بالسيطرة الكاملة على أراضي فلسطين التاريخية؟
 
ومرّة أخرى، وكي لا نُفهم خطأً، نؤكد على أننّا لا نُبرر قتل العملاء، الذين يُدنسون ليس شرف العائلة فقط، وإنّما يُدنسون شعبًا بأكمله، ويجمعون المال الحرام من أموال أبناء شعبهم المساكين، عندما باعوا أرضهم لألد أعدائهم.
 
نقولها بصراحةٍ متناهيةٍ وبدون لفٍ أوْ دوران: على المجتمع الطموح الذي يسعى لتحقيق الإنجازات أنْ يُطلق الحريات لجميع أفراده، وفي مقدمتهم، النساء، وبما أننّا على علم ودراية بأنّ مجتمعنا هو مجتمع تقليدي، فإنّ هذه الخطوة يجب أنْ تنطلق من البيت، ولا نُطالب بقفزة نوعية، إنّما نقول إنّ مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فعندما نُطلق الحريات لنسائنا ولبناتنا، فإننّا نكون بذلك، قد حققنا شوطًا كبيرًا من أجل التطور الذي يجب أنْ يكون ملازماً لمجتمعنا، والدعوة لإطلاق الحريات النسائية لا تعني أنْ نتحول بين ليلة وضحاها إلى مجتمع غربي، بل بالعكس، هذه العملية يجب أنْ تكون نتاج تذويت الفكرة في عقولنا الباطنية، فكرة منح المرأة حريتها، لأنّ تقليد المجتمعات الأخرى والسير وفق قوانينها ستكون نتائجه مأساوية وكارثية، علينا أنْ ندرس هذه النقلة النوعيّة بصراحة وبشكل علمي ومدروس، ونترفع عن الآراء المسبقة والمجحفة بحق النساء، لكي لا نندم حين لا ينفع الندم.
 
بالإضافة إلى ما قلناه، نرى أنّ تفشي هذه الظاهرة، ظاهرة إعدام النساء العربيّات على خلفية ما يُسمى بشرف العائلة، تُلزم القيادات السياسية والدينية في مجتمعنا باتخاذ موقف جريء وصريح ونبذ هذه الظاهرة، قولاً وعملاً، ونًنهي بالقول: الشاعر والكاتب المسرحي الإنجليزي، ويليام شكسبير، أطلق مقولته الشهيرة:"عندما تبكي المرأة، تتحطم قوة الرجل"، فما بالكم يا أبناء جلدتي، وتحديدًا الرجال فيكم، عندما تسيل دماء المرأة، عربيّة كانت أمْ أعجمية، وتُحول الإسفلت الأسود إلى شلالٍ أحمر؟ الدم سيختفي عن الإسفلت، ولكنّ العار، عارنا كلنا، لن يختفي، وهذه حقيقة صحيحة ومؤلمة ومؤسفة، ووصمة عار في جبيننا.

التعليقات