31/10/2010 - 11:02

"كرم أبو سالم" خلقت واقعًا آخر../ فراس خطيب

جعلت عملية "كرم أبو سالم" (كيرم شالوم) الحكومة الاسرائيلية تترجل على خيط رقيق وناعم، ففي هذه المرة تحديدًا لن يكون قبول الرد الاسرائيلي على العملية اعتياديًا، لأنَّ عملية "كرم ابو سالم" ليست اعتيادية أصلا. سيكون الرد الاسرائيلي هذه المرة منوطًا بهدف محدد وواضح وهو استعادة الجندي الإسرائيلي الأسير حيًا، ففي حال لم يتحقق هذا الهدف، سيهتز الإجماع الاسرائيلي والدولي ايضًا الذي أيدَّ في السابق سلسلة "الردود" الاسرائيلية والعدائية التي نفذَّتها إسرائيل بعد العمليات التفجيرية الحاصلة داخل الخط الأخضر. ففي هذه المرة، لن تفيد النقمة وحدها، اذ يستيطع أولمرت وجيشه الانتقام إن شاءوا لكن شريطة تحقيق الهدف، ونحن نعلم أنَّ تحقيق مثل هذه الأهداف صعب للغاية وإسرائيل لم تنس بعد تجربة تحريرها للجندي نحشون فاكسمان في العام 1994 الذي قتل اثناء حملة تخليصه من أيدي الفلسطينيين.

لا حاجة لتفكيك رموز المتاهة الاسرائيلية الحاصلة بعد عملية "كرم أبو سالم"، لأنَّ اسرائيل، وفي هذه الخطوة -المفروض منها أن تكون محددة- فعلت كل شيء إلا التحديد، وفتحت جبهات على نفسها غير مبتغاة لا سياسيًا ولا تكتيكيًا.

فلم يحدد أولمرت ولا وزير دفاعه ولا جيشهما الهدف من الحملة. وصرّح أولمرت أنَّ "العملية ليست متعلقة بالجندي فقط ولا جدول زمني لها"، وبيرتس يناقضه قائلا: "إنَّ الهدف هو تحرير الجندي فقط ولا ننوي احتلال غزة" والجيش اقترح اجتياحًا لغزة قبل اختطاف الجندي ضمن معايير مختلفة، ولكن بعد الاختطاف، فاجأ قائد أركان الجيش الاسرائيلي حلوتس بالقول "أمسكونا في وقت لم نكن فيه جاهزين". وهذه المتاهة الاسرائيلية قد نعتبرها وليدة لعملية متقنة مثل عملية "كرم أبو سالم" التي ضربت الصميم/ الجيش، الاسرائيلي.

وفي ظل هذه الجبهات المفتوحة على المحاور الثلاثة (حماس والقسام والجندي المخطوف) يفتح أولمرت جبهة أخرى ضد دمشق. وتحلق الطائرات الاسرائيلية فوق مقر الرئاسة السوري. خطوة وصفها بعض المراقبين السياسيين الاسرائيليين (ممن يهمشوا اعلاميًا في اوقات الإجماع القومي) بأنها "توسيع للفجوة التي تفصل إسرائيل عن تحقيق هدف حملتها".

في ظل هذا أيضًا، يسعى إيهود اولمرت منذ بداية الشهر الحالي إلى تسويق خطته "التجميع"، وزار الاردن ومصر وبريطانيا وفرنسا كي يعود بتأييد دولي للخطة، لكنه لم ينجح. وفي الأيام الخمسة الأخيرة ازدادت العراقيل، فكيف له أن يقنع شعبه بأنّ الانسحاب أحادي الجانب من الضفة أيضًا هو أمر حيوي لاسرائيل في ظل وجود الدبابات في غزة بعد فك الارتباط عنها؟! وحتى لو أراد التفاوض، كيف سيقنع الاسرائيليين بضرورة التفاوض مع أبو مازن الذي كان أول من أدانه أولمرت بالعملية التي وصفها "بالارهابية" في "كرم ابو سالم"؟ وعلينا الا ننسى أن أول تحليل عسكري لعملية "كرم ابو سالم" جاء تحت عنوان "هذا ثمن احادية الجانب" من دون لوم الفلسطينيين (كتبه عوفر شيلح، موقع واينت، 25/6).

لم يدن الرأي العالمي دخول الاحتلال ثانية إلى غزة، لكنّه بالطبع لم يؤيده. تمامًا مثلما لم يؤيد عملية "كرم أبو سالم" لكنه لم يدنها بشكل قاطع عدا تصريحات أميريكة متناثرة هنا وهناك. ويقف وضع اسرائيل دوليًا على حدود المعقول، ففي حال أي خطأ عسكري او تكتيكي (بالمفهوم العالمي طبعًا) ستتعرض اسرائيل لضغط دولي ما لم تتعرض له منذ وقت طويل أحجم فيه العالم عن ادانة الرد الاسرائيلي بعد العمليات التفجيرية في الباصات والمقاهي.

علينا الالتفات لأمور تبدو صغيرة أيضًا. فقناة "البي بي سي" الانجليزية، لم تصف عملية "كرم أبو سالم" بالارهابية بل قالت إنها "هجوم فلسطيني على قاعدة عسكرية اسرائيلة". ما لم يكن من قبل. لأنَّ "كرم ابو سالم" أحيت ما لم تحييه عشرات التفجيرات داخل إسرائيل.

التعليقات