31/10/2010 - 11:02

ليس مجرد سكّير كان يجع في بارات تكساس، بل "الرئيس الأسوأ في التاريخ.."/ هاشم حمدان

ليس مجرد سكّير كان يجع في بارات تكساس، بل
كانت قد أشارت التقارير الإعلامية الإسرائيلية إلى أن زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت إلى واشنطن، تأتي بهدف إقناع الإدارة الأمريكية بتأييد خطة أولمرت "التجميع" وترسيم الحدود بشكل أحادي الجانب، علاوة على تجنيد الدعم المالي اللازم لتنفيذ الخطة، والذي يصل إلى 10 مليارد دولار بحسب تصريحات أولمرت لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إلا أن التقديرات تشير إلى أن المبلغ يصل إلى أكثر من ضعفي المبلغ المذكور، وكانت قد أشارت تقارير صحفية في وقت سابق إلى أنها تصل إلى 64 مليارد دولار. وعلاوة على ذلك، فقد كان من المخطط أن تتم مناقشة البرنامج النووي الإيراني وحكومة حماس ومنظمة حزب الله.

كما كان من المقرر أن يطرح من جديد مسألة تمويل الإستيطان في الجليل والنقب، والتي تصل تكاليفه إلى أكثر من 2 مليارد دولار، كانت قد تعهدت بها الولايات المتحدة وطلبت معلومات مفصلة عن المشروع، إلا أنها صرفت النظر عنها في أعقاب إعصار كاترينا، واضطرت إسرائيل في حينه إلى الرضوخ وعدم الإلحاح. أما الآن فتعمل الدبلوماسية الإسرائيلية بصمت على إعادة القضية إلى جدول الأعمال من جديد أمام الإدارة الأمريكية.

ولاحقاً طالعتنا التقارير الإسرائيلية بأن البيت الأبيض قد طلب من الإسرائيليين خفض سقف التوقعات المرجوة من زيارة أولمرت للولايات المتحدة، بما في ذلك عدم توقع أن يعلن البيت الأبيض دعمه لخطة أولمرت، خاصة في أعقاب التصريحات الأوروبية بعدم تأييد خطوات أحادية الجانب، كما وجه النصح للإسرائيليين بعدم طلب مساعدات مالية.

لم يأت خفض سقف التوقعات هذا من فراغ، فقد تضافرت جملة من الأسباب كانت كافية لوضع أولمرت أمام رئيس أمريكي ضعيف ومتوتر وممعوط الجناحين.. تتهافت شعبيته من سيء إلى أسوأ ولم ترتطم بالحضيض بعد...

فقد أشار استطلاع أجري قبل أكثر من أسبوع للشبكة التلفزيونية (CNN) إلى وجود فجوة كبيرة تقترب من الضعف لصالح الرئيس الأمريكي السابق بل كلينتون بالمقارنة مع جورج بوش في إدارة شؤون الدولة. فقد منح 63% من المستطلعين علامة جيدة لكلينتون في المجال الإقتصادي مقابل 26% لبوش،62% لصالح كلينتون في معالجة مشاكل الأمريكي المتوسط مقابل 25% لبوش، وعلى مستوى العلاقات الخارجية حصل كلينتون على 56% مقابل 32% لبوش، وفي الضرائب 51% لكلينتون مقابل 35% لبوش، وفي معالجة الكوارث 51% لكلينتون مقابل 30% لبوش.

كما أن عجرفته، التي تدفعه إلى التفكير بأنه يصنع معروفاً مع الولايات المتحدة بكونه رئيساً لها، لا تتيح له أن يصدق نتائج الإستطلاع الذي بين أن 45% من المصوتين الجمهوريين غير راضين عن أداء رئيسهم، و65% منهم غير راضين عن أداء الكونغرس ذي الغالبية الجمهورية..

ومن كان يتخيل أن شعبية بوش لن تتدهور أكثر مما هي عليه، فقد برز في الأسبوع الماضي قضيتان جديدتان أدتا إلى هبوط نسبة التأييد لبوش إلى حضيض نادر في تاريخ الرئاسة الأمريكية.. فقط 29% من الأمريكيين يؤيدون بوش!! وهنا تجدر الإشارة إلى أن نسبة التأييد التي اضطرت الرئيس الأمريكي نيكسون إلى الإستقالة في أوج فضيحة "ووترغيت" كانت أعلى بالمقارنة مع شعبية بوش الآن...

القضية الأولى بدأت في الخطاب الخاص الذي عرض فيه بوش خطته لمعالجة الحدود المنتهكة بين الولايات المتحدة والمكسيك. وقال أنه ينوي إرسال 6000 آلاف جندي من الحرس القومي إلى الحدود مع المكسيك. وتوقع بوش أن معالجته "الحازمة" بهذا الشكل ستكون مدعاة للتصفيق ورفع نسبة شعبيته المتهافتة ببضعة أرقام. وبالنتيجة فقد كانت "ضغثاً على إبالة"، حيث نجح في إثارة غضب قطاعين من الجمهور؛ الأول المهاجرون الذين تحولوا إلى قانونيين قلقين على أقاربهم، ورأوا في خطة بوش دافعاً لتنظيم أنفسهم من أجل عدم التصويت للحزب الجمهوري. ومن غير الممكن تجاهل قوتهم خاصة وأن تعدادهم يصل إلى 11 مليون شخص يعيشون اليوم في الولايات المتحدة. أما القطاع الثاني الذي أثار بوش غضبه، فهم أصدقاء بوش من الحزب الجمهوري، الذين رأوا في خطته حلاً متأخراً لا يفي بالمطلوب..

أما القضية الثانية فهي ذات صلة بتعيين الجنرال مايكل هايدن لرئاسة وكالة الإستخبارات المركزية (سي آي إيه). فقد ثارت عاصفة من الإنتقادات، خاصة من قبل الجمهوريين، ولم يرتدع بوش من الإنتقادات، وقال إن هايدن هو الرجل المناسب في المكان المناسب.
وفي الوقت الذي انهمك فيه مجلس السينات في دراسة خلفية هايدن، نشر نبأ جديد هز الجمهور الأمريكي والجهاز السياسي ويتصل بالتعرض لخصوصية الجمهور، حيث كشفت صحيفة "يو أس إيه توديي- الولايات المتحدة اليوم" أن وكالة الأمن القومي قد أقامت أكبر مخزون من المكالمات الهاتفية في العالم. فقد أخذت من ثلاثة شركات للهواتف تسجيلات المكالمات التي أجراها مواطنون أمريكيون في داخل الولايات المتحدة، من أجل فحص من يتصل وبمن تم الإتصال وفحوى الإتصال وبأية وتيرة...

واتضح أن الرئيس قد كذب عندما قال أنه لا يجري أي تنصت على المكالمات الهاتفية في داخل الولايات المتحدة. وليس هذا فقط، بل تبين أن من وقف على رأس الوكالة للأمن القومي عندما جرت متابعة المكالمات الهاتفية، كان الجنرال مايكل هايدن، مرشح الرئيس بوش لرئاسة وكالة الإستخبارات المركزية!

كما تناقلت وسائل الإعلام قبل أسبوعين قضية وضعت بوش في موضع السخرية في برامج الفكاهة. فقد استقبل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل. وفي نهاية زيارتها، وكما هو متبع، أجرى بوش مقابلات مع وسائل الإعلام الألمانية. وبالنسبة له فقد كانت فرصة لتقوية العلاقات مع ألمانيا في إطار حربه على البرنامج النووي الإيراني، كما أن مستشاريه قاموا بتشجيعه على منح المقابلات الإعلامية ولم يروا في ذلك أي إشارة إلى إمكانية وقوع أي ضرر، وإنما العكس.

إلا أنه وكما يتضح، فحتى من خبر بوش جيداً لم يكن على وعي كاف بمدى انغلاقه الذي أخذ شكل طاقة "للتدمير الذاتي"... فعندما وجه إليه أحد الإعلاميين سؤالاً عن قمة لحظاته في فترة رئاسته؟".. لم يحتج بوش لأكثر من دقيقة للتفكير، وقال إنه تمكن في أحدى عطلاته الكثيرة من صيد سمكة يصل وزنها إلى 16 كيلوغراماً....!!
استغلت برامج الفكاهة هذه الإجابة جيداً، في حين ضرب مستشاروه برؤوسهم في الجدار بيأس، فما قاله بوش لم يكن مجرد زلة لسان، وإنما عكس شيئاً حقيقياً من عالمه الداخلي...

بالنسبة للجمهور الأمريكي، فقد كانت هذه نقطة الحضيض. وفي الإستطلاع الذي نشر الأسبوع الماضي، سجل للرئيس بوش "تحطماً" لم يسبق له مثيل، فقط 29% من الأمريكيين راضون عن أدائه. وهذه النسبة لم يحصل عليها أي رئيس أمريكي في الخمسين سنة الأخيرة!

ويتضح أن نسبة خيبة الأمل لدى الأمريكيين من رئيسهم تعود إلى الأسباب الكاذبة التي دعته إلى إعلان الحرب على العراق والشكل الذي أدار فيه الحرب، ونجاحه في إثارة العالمين العربي والإسلامي ضد الولايات المتحدة، ومن أسعار النفط وإدارته الإقتصادية، وطريقة معالجة إعصار كاترينا ومعالجة قضية الهجرة، وقضايا الفساد التي تورط بها جمهوريون، وفضائح التعذيب في سجن أبو غريب ومعتقل غوانتانامو والمعتقلات السرية في أوروبا وعدد من الدول العربية، وبشكل عام من الإتجاه الذي يقود الولايات المتحدة إليه.

الحرب التي لم تنته في أفغانستان والحرب التي لا تنتهي في العراق والتي تزهق يومياً الأرواح بسببها، سواء في وسط جنود الإحتلال الأمريكي أم العراقيين، أصبحت رمزاً لفشل بوش. ليس فقط بسبب الفشل العملياتي وتصاعد ضربات المقاومة العراقية، وإنما بسبب سلسلة من الأكاذيب التي نقلتها الإدارة الأمريكية للجمهور عشية الخروج للحرب.

وقبل أسبوعين، طالبت مجموعة من الجنرالات، بعضهم في الإحتياط وبعضهم في الخدمة النظامية، باستقالة وزير الدفاع دونالد رامسفيلد. وذلك بسبب إدراكه الخاطئ الذي أدى إلى خروج الولايات المتحدة إلى الحرب في العراق بدون إعداد أي خطة لليوم الذي يلي ذلك، وبدون أن يكون هناك العدد الكافي من الجنود للدفاع عن نفسها.
وماذا كان رد بوش على تمرد الجنرالات؟ قال بغطرسة :"أنا فقط من يقرر ما هو الأفضل لأمريكا". وكانت الغطرسة كافية لإثارة غضب المؤيدين القلة ممن تبقوا. ومنذ ذلك الحين، فكل ظهور لرامسفيلد أمام الجمهور يرافقه مجموعات من المتظاهرين الذين يطالبونه بالإستقالة ويصرخون بوجهه "مجرم حرب" ويلوحون بالشعارات ضده! وعندما اقترحت مجموعة من الإستراتيجيين الجمهوريين على الرئيس بوش الإعتذار عن بعض ما قيل حول الحرب، نفى بعجرفته المعهودة التي تثير بعضاً ممن لا يزال ضمن جمهور مؤيديه، قائلاً:" لقد تخلصنا من طاغية، ولا يوجد ما نعتذر عنه"!

بعد 6 سنوات من الرئاسة، لم ينجح بوش في إزالة تعابير العجرفة عن وجهه والتي تقول:" أنظروا إلي جيداً، فأنا لست مجرد سكير يجع (الجعة) في بارات تكساس، وإنما أنا رئيس الولايات المتحدة وزعيم العالم الحر"!!

وربما يكون هذا السبب الذي قرر من أجله بوش، منذ زمن، عدم قراءة الصحف والتقليل من مشاهدة التلفاز، إلا إذا كان يجري بث لعبة "بيسبول" جيدة!
وفي اليوم التالي لقيام أسبوعية "نيوزويك" بالكتابة عن التعذيب الذي يتعرض له المعتقلون في معتقل غوانتانامو في كوبا، أصدرت لورا بوش أمراً بعدم إدخال أسبوعية "نيوزويك" بعد اليوم إلى البيت الأبيض!!

وقبل عدة أسابيع، نشرت "رولينغ ستون" الشهرية، مقالة ضخمة تحت عنوان "جورج بوش – الرئيس الأسوأ في التاريخ"، ومن أجل دعم هذا الموقف أستندت "رولينغ ستون" إلى وجهات نظر كبار المؤرخين. وكان رد الناطقين بلسان بوش أنهم لا يشغلون أنفسهم بالقاذورات!!

من الواضح أن بوش منغلق على نفسه كمن يعيش داخل فقاعة، والمعلومات الوحيدة التي تصله يتلقاها من مستشاريه المقربين، إلا أن هذه الحلقة من المستشارين تفككت في الأسابيع الأخيرة.

أندرو كارد، رئيس طاقم البيت الأبيض، استقال من منصبه بعد خمس سنوات برفقة بوش، من أجل إتاحة المجال لـ"إنعاش" طاقم الرئيس.
المستشار الأسطوري والمقرب للرئيس، كارل روف، استقال من منصبه كمنسق سياسي في البيت الأبيض، بعد أن ظللت رأسه سحابة، ولا تزال، من الشبهات حول تسريب اسم عميلة وكالة الإستخبارات المركزية ، فارلي فلاييم، والتي لم تنته بعد، وكما يبدو سيقدم ضده لائحة إتهام في نهايتها.
لويس ليبي، الذي كان أكبر مستشاري بوش ورئيس طاقم نائبه ريتشارد تشيني، قدم إلى المحاكمة لدوره في تشويش الإجراءات في قضية تسريب اسم عملية الإستخبارات، ومن أجل النجاة بنفسه قال لهيئة المحلفين، أن من أعطاه الضوء الأخضر في هذه القضية هو رئيس الولايات المتحدة!

وكما هو معروف فإن "فلايم" قد تم تسريب اسمها من أجل زعزعة مكانة زوجها، السفير السابق جو ويلسون، الذي سافر إلى أفريقيا في بعثة رسمية من أجل التحقق في قضية قيام النيجر ببيع اليورانيوم إلى العراق. وعندما عاد قال أنه لم تكن هناك أي صفقة من هذا النوع، وأن الوثائق التي قدمت إلى البيت الأبيض هي وثائق مفبركة.
وقرر بوش تجاهل وجهة نظره، وعرض صفقة اليورانيوم لإضفاء المصداقية على حربه في العراق. وفهم ويلسون أن بوش يكذب على شعبه، وكتب مقالة نقدية في ذلك. وكرد فعل تلقى البيت الأبيض ضوءاً أخضر لضرب صدقيته، عندما تم تسريب اسم زوجته، فضلاً عن الإدعاء بأنها قد استغلت منصبها في وكالة الإستخبارات لتمويل سفرته إلى أفريقيا!

جوشوا بولتون، الذي احتل منصب أندرو كارد، كرئيس لطاقم البيت الأبيض، قرر إجراء تغييرات في محيط الرئيس: طلب من الناطق سكوت ماكليلان الإستقالة والذهاب إلى البيت..

ينضاف إلى ذلك كله، تجلي كذب مزاعمه بنشر الديمقراطية في العالم، ولعل خير مثال على ذلك رفض قبول نتائج الإنتخابات الديمقراطية التي جرت في السلطة الفلسطينية، وبالتالي فرض الحصار والتجويع على الشعب الفلسطيني، وكل ذلك يجري أمام أنظار العالم أجمع..

ورغم كل ذلك، فمن غير المستبعد أن يعلن، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، عن تأييده لخطة أولمرت في فرض الحلول أحادية الجانب، كما ليس من المستبعد، خاصة وأننا أمام حالة من التخبط تفتح الخيارات في كل الإتجاهات، أن يكون قد بدأ الإستعداد لتوجيه ضربات عسكرية إلى إيران، بينما يحاول أن يبدو كمن يسعى لحل المسألة الإيرانية دبلوماسياً..

أولمرت يدرك جيداً أن إسرائيل لن تجد في كل مرة رئيساً مثل بوش في الولايات المتحدة، ومن هنا فهو في صراع مع الزمن.. في هذه الأثناء فهو لا يزال ممتعضاً لكون الإعلام الأمريكي لم يحفل بمقدمه إلى واشنطن، وبدل أن يحتل العناوين الرئيسية، لم يكن له مكان سوى في الصفحات الداخلية..

بقي أن نشير، وعلى ضوء معطيات كثيرة، منها بدء ما يبدو وكأنه بداية تفكك الجبهة الدولية والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني، أن لعبة "عض الأصابع" هي اللعبة السائدة في الملعب ... والشجاعة صبر ساعة..

التعليقات