31/10/2010 - 11:02

هدى لا تعرف شيئًا عن "التجميع".../ فراس خطيب

هدى لا تعرف شيئًا عن
هدى لا تعرف أنَّ عمير بيرتس وزير من دون ماضٍ عسكري وعليه ألا "يخيب أمل" ناخبيه. لا تعرف أنه يصادق في الأيام الأخيرة مرةً تلو المرة على جرائم حرب ضد الانسانية، لترتوي سيرته الذاتية دمًا فيرتقي عندها إلى مستوى وزراء حرب إسرائيل السابقين. هدى، لا تعرف نتائج استطلاع "هآرتس" يوم الخميس الماضي حين قال الاسرائيليون إنهم لا يثقون بعمير بيرتس. ولا تعرف هدى ما قاله الوزير الاسرائيلي ديختر حين هدّد بتحويل غزة إلى مدينة للأشباح في جلسة الحكومة. كلما عرفته هدى أنها تريد أن تبني تلة صغيرة من رمل الشاطئ لتحميها من الموج الهادئ يومها...

هدى، لا تعرف ماذا يعني السبق الصحفي حين يحتدم نقاش الصحفيين الغرباء على باب غرفتها في المستشفى متوسلين مقابلتها لتحكي لهم عن ذلك اليوم. ولا تعرف أنّ الحديث معها أهم من أولمرت في ذلك اليوم، أو أصبحت أهم منه حين وقعت تلك القذيفة التي جرفت معها أرواح اخوتها الخمسة وأمها ووالدها دون أن تعلم. كل ما تعرفه هدى أنّ القذيفة حالت دون بناء حلم التلة الرملية الصغيرة... هدى، لا تعرف أنّ جملة "أريد العودة إلى حضن والدي واخوتي" هي السبق الصحفي في ذلك اليوم!

هدى لا تعرف شيئًا عن "التجميع" ولا عن القسام الذي وقع قريبًا من أحدى البيوت المهجورة في سديروت. هدى لا تعرف سديروت أصلاً. لا تعرف أنَّ الاسرائيليين يتمنون ردًا فلسطينيًا في كل لحظة ليقولوا للعالم إن حكومة حماس "حكومة إرهاب". لا تعرف أن أولمرت يريد من حماس أن تكون حكومة إرهاب، ليقول إن لا شريك فلسطيني لتنفيذ "التجميع". هدى لا تعرف ماذا يعني الشريك الفلسطيني. شريكها الوحيد هي تلة الرمل الصغيرة على ذلك الشاطئ.

سيقولون لهدى إنها فقدت عائلتها في تلك القذيفة، سيقولون لها إنها لا تستطيع العودة إلى والديها. ستسألهم عن أخوتها، سيقولون لها هم أيضًا شهداء، ولم يتبق منهم سوى اختها الصغيرة. ربما تعرف هدى معنى الشهادة لكثرتها، لكنّها لن تعرف ماذا يعني استشهاد أمها ووالدها واخوتها في يوم مشمس على شاطئ غزة قبل أن تريهم تلة الرمل الصغيرة التي بنتها...

هدى واختها ستكونان اختين في اسطورة واحدة في شعب كثرت فيه الأساطير. ستتحدثان عن التاسع من حزيران، كيف وقعت القذيفة في قلب العائلة ومزقتها... ستحدثها اختها (باكية أم لا... لا فرق)، كيف صرخت من أعماق الشاطئ حين شاهدت والدها نازفًا. ولن تحدثها عن "تأسف" وزير الأمن ولا "استنكار" الاتحاد الأوروبي. لن تقول لها إن الأمريكيين دعوا الإسرائيليين للتفكير بنتائج أعمالهم. بالنسبة لهما سيظل اليوم ثقبًا في الذاكرة وثقبًا في التاريخ. لن تلوم هدى أحدًا من العالم، لكنَّ العالم كله سيلومها حين تنفجر في أحد المقاهي في تل أبيب..

التعليقات