31/10/2010 - 11:02

هل داهمك الموت وأنت تقرأ يا جوزف؟/ يوسف الشرقاوي

-

هل داهمك الموت وأنت تقرأ يا جوزف؟/ يوسف الشرقاوي
كانت يداي على قلبي وانا أتابع سير العمليات الحربية بين المقاومة في لبنان وبين الجيش الإسرائيلي بعد عملية الوعد الصادق في الصيف الماضي, وكنت قلقا على مصير لبنان ,ومصير مقاومتة البطلة,لأن المقاومة هي آخر ما تبقى لهذه الأمة من أمل.

فجأة شاهدت صديقي القديم جوزف سماحة, على فضائية المنار التابعة لحزب الله,شاهدته بقامتة الفارعة, كأنة جنرالا حربيا, يقدم تقديرا لموقف عسكري, لإحدى الوحدات العسكرية, وكان ذلك بعد غارات متواصلة من الطيران الحربي الإسرائيلي على المربع الأمني من الضاحية الجنوبية من بيروت ,عاصمة الأمل العربي, استغرقت في صمت عميق وانا اسمع التحليل الموضوعي من ابو زياد جوزف سماحة,اهم أعلام الصحافة , والكتابة, والثقافة, والتحليل, مفكر ملتزم, ومناضل خلاق, اسهم في إعداد جيل من الصحفيين والإعلاميين.

بدأ تحليلة الموضوعي , بتوجيه التحية للمقاومة البطلة في الجنوب اللبناني, وإلى الصامدين ابناء الضاحية الجنوبية من بيروت, والى عموم الشعب اللبناني بكل طوائفة وتياراته السياسية, ثم قال إن المقاومة البطلة استطاعت أن تفتح ثغرة وإلى الأبد في جدار الجيش الذي (لايقهر) ويجب توسيعها واستغلالها وبشر بهزيمة الجيش الإسرائيلي وانتصار المقاومة, ووجه رسالة للمثقفين من أبناء الأمة أن يتابعوا سير المعارك أليوميه ويوثقوا ما يمكن توثيقه لأن هذا التوثيق سيكون في المستقبل, من حق أبناء هذة الأمة التي تعطشت إلى نصر, له ما بعده, ووجه كلامه بعد ذلك إلى الحكومة اللبنانية بان تباشر بتشكيل حكومة وحدة وطنية لحماية المقاومة وحماية واستغلال هذا الإنجاز التاريخي إلى أبعد مدى, وأن ذلك سيكون الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل, وكأنة استشرف ما يحاك لهذه المقاومة من مؤامرات مستقبلا.

توقف قلب فارس الكلمة, والثقافة, والصحافة, مات احد ابرز المفكرين, والعاملين بالتزام , وصدق, ودماثة أخلاق غادرنا جوزف وترك في قلوبنا غصة إلى الأبد, وكأن قدر هذا الفارس أن يغادرنا وهو في أوج عطائه, استفسرت عن تفاصيل ساعاته الأخيرة, فعلمت أنة كان يغافل محدثيه لينظر إلى ساعته, وكأنه كان على موعد مع موت جميل بانتظاره.

مات من آمن بوحدة لبنان , أرضا وشعبا و ومؤسسات, مات من و قف بوجه التعصب والإنعزال, ومن آمن بهوية لبنان العربي الديمقراطي, لبنان الهوية والانتماء لمحيطه العربي ,لبنان المعادي لعدو العرب أميركا وإسرائيل, لبنان الثقافة الوطنية المقاومة, لبنان العدل والمساواة, بين كل طوائفه وابنائه, لبنان الواحد الموحد, لبنان الذي شكل إثراء وإغناء لمحيطه العربي. مات إبن المتن الشمالي جوزف, مات إبن الخنشارة, وهو يقرا نصوصا من كتاب رأسا على عقب لإبن الارغواي الكاتب المرموق إدوارد غاليانو, وركز على المضمون الاقتصادي والسياسي للكتاب, واشر على صفحه من الكتاب تتضمن مايلي.

هناك دكتاتوريتان تحكمان العالم, دكتاتورية المجتمع الاستهلاكي, ودكتاتورية الظلم السياسي القمعي, فهو يعلم مثل ما يعلم إدوارد غاليانو,أن فاتورة الإستيراد للبنان بلغت 8 مليارات دولار اميركي بالنسبة إلى اقتصاده المتواضع, الاقتصاد العالمي لا يرحم , العالم تحكمة ثقافة الاستيراد , وثقافة الشعوب المتفوقة, والعالم تديرة المصالح الاقتصادية, وليس المثل العليا التي تبشر بها الأديان.

توقف قلب جوزف المفعم بالحيويه عن الخفقان, توقف قلب من أطلق في اوج الحرب الأهلية المشؤومة في لبنان شعار : عاش لبنان سيدا حرا مستقلا ومستقرا, وللثورة الفلسطينية ممرا, وليس بديلا او مستقرا, توقف قلب من ساهم في تعميق مفهوم الوحدة الوطنية بارقى صورها بين كل طوائف لبنان الواحد الموحد, ومن ساهم كذلك في تعميق مفهوم السلم الأهلي, وتطور لبنان الديمقراطي.

جوزف سماحة كنا ولا زلنا وسنبقى نحبك, كنا نصغى اليك, وكنا نصغى جيدا عند سماع تحليلك الموضوعي , او عندما نقرا مقالاتك الرؤيوية.

جوزف سماحة هل داهمك الموت وأنت تقرا وتكتب في ليل لندن البارد؟
جوزف سماحة العربي اللبناني الفلسطيني الديمقراطي, هل كنت تترجم كتابا عن الثورة الروسية, لروزمير الفرد , عن روسيا في ظل لينين القسم الاول والثاني 1921_1924 فقد سبق لي وأن قرأت الجزء الأول من هذة الترجمة
ام كنت تعد قهوتك المفضلة؟
جوزف وانت في ملكوت السموات كيف سنغرق في صمتنا بعد اليوم ونحن نسمع تحليلا لغيرك؟
ومن اين لنا بمقالات رؤيوية غير مقالاتك ياجوزف؟
فانت من انت في عالم الصحافة المميزة , والكتابة المرموقة, والتحليل الموضوعي المعمق؟
ايها السياسي الملتزم , والمثقف الثوري, والمناضل الصوفي, أيها النهضوي , أتعلم أنك سبيكة خالصة تجمع مابين العروبة واللبنانية والفلسطينية والديمقراطية والنهضوية بامتياز؟

جوزف أتعلم أنك خرجت عن المألوف في الصحافة العربية, وخرجت عن ما إعتادوه الصحفيون العرب؟ لانك اعتمدت على تحليل صاف للمعلومات,ومزجت مابين التحليل والمعلومة, وبذلك استطعت أن تكون بمصاف المرموقين من صحفي العالم الأكثر شهرة,لأنك تملك براعة التركيز, وقوة النص, والترابط والتسلسل المنطقي في مقالاتك, لذلك كنت المبدع في المقالات الرؤيوية.

جوزف وأنت في العلياء, وأنت في ملكوت السماء, انت باق بيننا, ونحن في فلسطين, التي أحببت حتى الشغف, لنا موعد معك ومع شعب لبنان الواحد الموحد, مع المتن الشمالي, والخنشارة مسقط رأسك , ومع أحبتك, امية, وزياد, الكل في لبنان ,على موعد مع عصافير الجليل محملة بالياسمين لتنثرة على نعشك الطاهر.
جوزف كيف سنكمل مشوارنا النهضوي بدونك؟
جوزف سماحة, هل تتصور مدى الألم الذي يعتصر قلوب من عرفوك واحبوك من عزمي بشارة , إلي الياس خوري,الى سمير عطالله, والبرتو السفير الكوبي في بيروت, عندما كنا نزورك واياه في صحيفة الوطن, وتصر علينا أن نشرب القهوة على طريقه الكوبي البرتو,
جوزف ... وانت تمتطي صهوة الموت بهدوء و مثلما امتطيت صهوة الكلمة بجرأة ودماثة أخلاق
يحضرنا قول صديقك, الشاعر محمود درويش, وصديق من احبوك الفنان الملتزم مارسيل خليفة ,والفنان المشاغب زياد الرحباني
يحضرنا قوله: ياليت لي قلبك لنموت , حين تموت
ونحن نقول :ياليت لنا قلبك , لنموت حين تموت
وداعا جوزيف


التعليقات