31/10/2010 - 11:02

يوميات اردنية.. ولكنها لبنانية.. / أمجد ناصر

يوميات اردنية.. ولكنها لبنانية.. / أمجد ناصر
لانني وصلت الى مطار الملكة علياء الدولي بعد منتصف الليل فلم يكن هناك الكثير من القادمين. عمان، والطائرة تهبط في المطار البعيد عن العاصمة نحو ثلاثين كيلو مترا، كانت نثارا من الاضواء التي تنير مدينة تأوي قرابة مليوني انسان.

الضوء يسطع فجأة في الظلمة الحالكة التي تحيط بالطائرة بعد اضواء متباعدة، متقطعة تعكس خارطة اردنية محورها البشري الكبير عمان.

سألنا احد العاملين في المطار عن حركة السفر هذه الايام، فقال ان حركة المغادرين اكبر من حركة القادمين. لكن كل شيء يسير بشكل منظم. لا ازدحامات ولا اختناقات كما كان عليه المطار بعد الغزو العراقي للكويت. طبيعي ان يكون معظم المغاردين لبنانيين او قادمين من لبنان. فالحرب التي تدور على جبهة الجنوب اللبناني يسمع صداها البشري في عمان.

الطائرات الحربية بعيدة لكن اثرها المأسوي تتلقاه عمان مثلما تتلقاه دمشق على شكل موجات من النزوح.
ومع انني وصلت الى عمان الغربية بعد الواحدة صباحا الا ان الحركة مستمرة في المدينة. السيارات تجوب الشوارع، مطاعم ومحال تجارية مشرعة، ويمكن لك ان تسمع في هذه المحال اصوات مذيعي (الجزيرة) ومراسليها يقدمون شرحا وتفصيلا ليوم اخر دام في لبنان.

عرفت ما ان وصلت بيت صديقي عريب الرنتاوي ان (المنار) كانت تبث لقاء مع حسن نصر الله، هو الثاني له خلال اسبوع. الناس هنا يتابعون قناتين اثنتين بشكل رئيسي الجزيرة والمنار.

الجزيرة لمعرفة ما يجري في جبهة الحرب وماخلفها، والمنار ليطمئنوا الي ان صوت المقاومين مايزال موجودا وقادرا للتحدي. التحدي الذي يكاد لا تراقفه بلاغة الحرب المعهوده. لا بلاغة، لا انشاء، لا دعاوى فارغة في هذه الحرب. الذين يخوضونها يحاولون الابتعاد قدر الامكان عن ذلك المعجم الذي رافق الحروب العربية الخاسرة من قبل.

المعجم الذي تعيد مفرداته، التذكير ان قدر العربي الهزيمة ولا شيء غير الهزيمة، وان ارتجى شيئا، فهو لا يرتجي الا هزيمة اقل اذلالاً. الامر مع هذه المواجهة التي لم تكن متوقعة، بعد، من عرب هذه الايام على الشاشة.

انهض صباحاً على اصوات مذيعي ومراسلي قناة الجزيرة الذين يتلاقون على الشاشة من وراء حدين. اذهب لشراء الصحف من دكان قريب واجد صاحب الدكان الاردني الستيني يتابع هو ايضا الجزيرة على شاشة تلفزيون صغير لا يكاد يلتفت الى زبائنه ولا طلباتهم، تظهر كوندوليزا رايس على الشاشة فيما المذيع يقول انها لا تتوقع وقفا قريبا لا طلاق النار، يتوقف صاحب الدكان عن خدمة زبائنة وينظر الى الشاشة بغضب ويقول: طلق اللي يطلقك!

اسأل البائع الاردني عن رأيه في هذه الحرب يقول: نحن لا نحب الحرب ولا نريدها ولكن هذه اول حرب عربية تضرب فيها عكا وحيفا وتسقط فيها طائرات حقيقية وتغرق بوارج ونرى الاسرائيليين يبكون وينامون في الملاجيء.

بكوفيته وعقاله وشاربيه الرماديين يقول البائع وهو يهتز من الغضب: والله والله لو اني قادر علي الحرب لحاربت هضول (يقصد الاسرائيليين) لازم يتأدبوا نازلين ذبح بها العرب والمسلمين شو مفكرين حالهم لعنة الله عليهم دنيا وآخرة.

اول يوم لي في عمان الكلام كله عن الحرب، الناس تتابع من دون انقطاع من خلال التلفزيون ما يجري لحظة بلحظة كأن الحياة توقفت هنا عن الاهتمام بأي شيء اخر سوى تداول اعداد الصواريخ التي سقطت على حيفا وعكا وبلدات الجليل الاعلي. ويتساءلون عن معنى كلام نصر الله عن مرحلة ما بعد عكا. الجميع يفهم ان المقصود هو تل ابيب.

ربات المنازل، سائقو التاكسي بائعو البقلات، الموظفون الذين يذهبون الى اعمالهم ويحاولون الوصول الى متابعة الجزيرة مبكرا تحولوا الى مذيعي اخبار ومحللين سياسيين من الدرجة الاولى.

الاردنيون لا يفهمون الكلام الذي يسمعونه في الفضائيات، وعلى الراديو حول السنة والشيعة ولا يعرفون الفارق ربما بسبب عدم وجود مشكلة مذهبية في الاردن اصلا، لا يوجد شيعة هنا، لا مذاهب اخري غير المذهب السني، اللهم باستثناء بعض الدروز. انهم يعرفون شيئا واحدا حزب الله عربي لبناني ومسلم، هذا هو المهم واظن ان موضوع عروبة هذا الحزب والجنوبيين اللبنانيين عموما، هو الذي يحرك مشاعر الناس هنا اكثر من موضوع الدين، لكن الموقف الديني مهم ايضا، وهذا امر تكفل به الاخوان المسلمون الذين اتخذوا موقفا سريعا ومباشرا في دعم حزب الله ومواجهته للالة العسكرية الاسرائيلية، على عكس ما فعل السلفيون في بعض دول الخليج العربية حيث تماهي خطابهم مع الانظمة العربية الاكثر التصاقا بالموقف الامريكي والاسرائيلي.

الناس في بلادنا غلابا هدهم ثقل العيش وامضهم انتظار الشارة، لم تعد هناك جهة يمكن التطلع اليها لانتظار الشارة، السماء وحدها هي الحل، فما دام لا حل يأتي من جهات الارض، فعلى الاقل هناك السماء. هناك وعد الغيب، السماء هي الحل وهناك من لا تعوزه الجرأة للنطق باسم الغيب انهم كثر، ولكن اكثرهم صخب هم الذين استلوا الاحزمة الناسفة واحتكروا حق قطاف الرؤوس في بلاد العرب والغرب.

لم يكن ممكناً لـ القاعدة ان توجد لولا غياب كل حل ارضي. من القنوط التام يطلع الويل التام والثبور التام والرد التام. لاقت هجرة حياة بشر اليوم وتكفيرهم بعض الصدى في المناطق التي عشش فيها الظلم والذل والافقارالمرعب، وهنا في الاردن طلع الزرقاوي من حي اكثر فقرا من الاحياء التي ولد فيها بن لادن والظواهري وسيف العدل،جاء الزرقاوي كان اكثر تطرفا واشد فتكا من معلميه. التلميذ بز معلمه في استخدام عنف وتكفير غير مسبوقين في (الظاهرة الافغانية) وجد الزرقاوي صدى لدعوته في معازل الفقراء انضم اليه البعض. اغرى الوجود الامريكي في العراق شبابا رضعوا المذلة مع حليب الامهات (الطاغوت الاكبر) يجمع في كرهه كل ماقت للظلم. يمكن له ان يجمع اليساري، العلماني، قارئ كتب اباء الثورات الكبرى بقاريء (معالم على الطريق) واتباع فقهاء ظلام طلعوا في الازقة والسجون. لكن ليست طرق مقاتي الظلم الثائرين على الطاغوت الاكبر واحدة، فنحن لا هؤلاء الماقتون للظلم ولكننا من محبي الحياة، من الساعين الى تحسين شروطها.

الارض مكاننا ولا هجرة لنا منها الا اليها. ستنتهي هذه الاقامة ذات يوم، واذا كان لا بد من استعجالها فذلك من اجل ان تكون اقامة القادمين افضل. ليس هكذا يفكر التكفيريون . الارض مكان اقامة مؤقت موبوء. العالم الاخر هو المبتغى. وللوصول اليه ينبغي ان تجز اعناق وتتناثر اجساد ويكفر القريب قبل الغريب. فجر الزرقاوي فنادق في عمان فانحسر اعجاب شبيبة المعازل به.قتل على ايدي الامريكيين عاد اليه بعض الاعتبار الاعتبار. جاءت معركة حزب الله مع اسرائيل فانكشفت القاعدة وتعرت كما تعري النظام العربي.

طلع الظواهري علي التلفزيون، فتلقي من الجالسين في بيت اهلي بالمفرق نصيبه من السباب. قال واحد: لم نعد نطيق هذه الطلة، لماذا يطلع علينا من كهف. المعركة واضحة والعدو واضح، فلماذا لم يقاتلوا في فلسطين او جنوب لبنان. افغانستان بعيدة، العدو هنا اقرب. لم يفت اناس لا علاقة لهم بالسياسة المحاولة البائسة التي اراد الظواهري من خلالها ان يركب موجة المواجهة اللبنانية الجنوبية مع اسرائيل، تحدث عن المستضعفين وهذا تعبير شيعي لبناني جنوبي يذكر بموسى الصدر ولكن منتديات الانترنت القريبة من القاعدة وتلك التي تعبر عن السلفيين المتشددين كفرت حزب الله واعتبرت ما يجري في جنوب لبنان مسرحية متفق عليها مسبقا بين حزب الله واسرائيل! انهم لا يريدون ان يصدقوا ان تنظيما (رافضيا) استطاع ان يوجع اسرائيل وان يلحق بها خسائر عسكرية واقتصادية باهظة وان يوقف جيشها الذي لا يقهر عند الحدود.

اذا انتصر حزب الله في المواجهة (والانتصار نسبي وله معايير مختلفة عما هي عند الجيش النظامي) سيسقط خطاب القاعدة نهائيا. البوصلة اتجهت الان الى ما ينبغي ان تتجه اليه. الهدف الذي غاب عن الانظار استعاد وضوحه. الحق حصص والرؤى بانت هل يدوم هذا طويلا؟ لا ادري ولكن حزب الله اعطى (التشيع) معنى اخر غير (المثال العراقي) الذي ربطه بالاحتلال الامريكي و(فرق الموت)، بل اعاد (التشيع) الى اصله الاستشهادي.

الاردنيون السنة في غالبيتهم العظمي (تشيعوا) لحزب الله وتشيع بالعربية يعني (الانحياز)، تشيعوا/ مثل جميع العرب، الى من يقول لا لاسرائيل، لا لامريكا وحزب الله، كمثال للمقاومة، يفعل ما يقول.

التعليقات