12/12/2010 - 17:43

متى يحل الإسرائيليون السلطة الفلسطينية؟! / عبد اللطيف مهنا

-

متى يحل الإسرائيليون السلطة الفلسطينية؟! / عبد اللطيف مهنا
قبل أسبوعين من الآن، طرحنا سؤالنا القائل: متى تحل "السلطة الفلسطينية" نفسها؟ جاء هذا كعنوان لمقال لنا في حينه عرّجنا فيه متتبعين مسلسل الكوارث التي لحقت بالقضية الفلسطينية بسبب مما دعي عبر العقدين الأخيرين، اللذين هما عمر المصيبة الأوسلوية، بـ"المسيرة السلمية"... الاعتراف بالكيان المحتل الغاصب، وبهذا الاعتراف تم التنازل عن ما يقارب الثمانين في المائة من فلسطين التاريخية، وتحويل ما تبقى، وهو المحتل بعد العام 1967، إلى أراض متنازع عليها. اعتماد نهج "المفاوضات حياة"، بما جرّته هذه العبثية من تنازلات تتالى في ظل موازين قوى لايؤدي اختلالها إلا إلى المزيد من التنازلات. ومن ثم، وعبرها تشكيل غطاء ولا أنسب للعملية الاحتلالية التهويدية المدعوة "الاستيطان" لما تبقى من فلسطين... وأخيراً، تحوّل السلطة ومفاوضاتها، التي غدت شاهد زور على هذا التهويد، إلى ذريعة مطلوبة لعرب التسوية ونافضي اليد من القضية القومية وأصحاب مقولة نقبل ما يقبل به الفلسطينيون، أو لسنا ملكيين أكثر من الملك. فإلى وسيلة تضمن للمحتلين احتلالاً من نوع سبعة نجوم، بمعنى، قيام سلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود في رام الله إلى مجرد مسمى يقوم بدور البلدية لجهة الخدمات فحسب، وبالتالي، وبمساعدة المانحين، إراحة الاحتلال من مسؤولياته تجاه من يحتلهم وفق الأعراف والقوانين الدولية. لكنما الأخطر هو تحويلها عبر التنسيق الأمني مع الاحتلال إلى أداة أمنية في خدمة أمنه... تحدثنا وفصلنا حينها في كل هذا وصولاً إلى استنتاجنا أن "السلطة" ليست في وارد حل نفسها، وحتى لو أرادت فلن يسمحوا لها بذلك قبل استنفاذ دورها الذي شاؤوه منها. وقلنا إنه لولا مثل هذا الدور المراد منها لأقدم الإسرائيليون أنفسهم على حلها...
 
بعد ما يقارب الأسبوع من نشر ذاك المقال، تصادف أن لوّحت السلطة عبر تصريح لرئيسها بما أوحى بأنها قد تلجأ إلى حل نفسها كخيار أخير إذا استمرت الحال التفاوضية على ما هي عليه، بمعنى إن لم يضغط الأمريكان على حليفهم الإسرائيلي لمجرد القبول بالتجميد المؤقت للاستيطان. فتلقّف هذا الإعلام، وقبل الإمعان في التحليلات والاستنتاجات والتوقعات، أي بعد مدة لا تزيد عن الأربع والعشرين ساعة، عادت "السلطة" لتتراجع عبر تفسيراتها وتوضيحاتها المتعددة لما قاله رئيسها... عادت عن مثل هذا التلويح أو شبه التهديد، الذي لم يكن يراد منه، وفق أحوال السلطة ومنطقها، أكثر من مجرد الاحتجاج أو الجأر بالشكوى للفت النظر إلى ما سيؤول له حالها، وبالتالي التنبيه إلى خسارة من تلوّح لهم بمآلها لدورها المنشود منها والذي أشرنا إليه.
 
الموقف الأمريكي الأخير المعلن بتخلي الأمريكان عن معلن مساعيهم لإقناع الحليف الإسرائيلي بتجميد "الاستيطان" مؤقتاً ولمرة أخيرة يعود بعدها لمواصلته، مع عرضها كافة المحفزات المعروضة المعروفة... المقاتلات فائقة التطور، والتغطية السياسية الكاملة لكل السياسات أو الجرائم الإسرائيلية على الصعيد الدولي، والحؤول دون طرح المسألة في هيئة الأمم المتحدة كما لوّح بمثل هذا العرب... هذا الموقف يعيد طرح ذات السؤال الذي كنا قد طرحناه، ومدعاة لأن يطرحه من الآن فصاعداً الكثيرون، كما لا يبقى من سبيل لتجاهل ضرورة الإجابة عليه، لكنما، ومن أسف، تظل الإجابة على ذات السؤال المتجدد هي هي، أو تلك التي استنتجناها في مقالنا السابق وأيدتها مواقف السلطة حتى صدور هذا الموقف، الذي لم يدع مجالاً لها ولا لعرب "التسوية" التي تلجأ الآن لهم، عذراً أو ذريعةً لمواصلة تعليق أوهامهم الخلبية على مشحب الأريحية الأمريكية.
 
بعد عامين أوباماويين، حفلا بكثير من الأوهام المتوقعة من هذه الأريحية المأمولة، وحيث يبدو أكثر فأكثر أن صاحبهما، الذي لم يف بوعد واحد من وعوده أو يتمسك به منذ أن جاء إلى البيت الأبيض لا داخلياً ولا خارجياً، لن يبق في البيت الأبيض يوماً واحداً زيادة على عاميه الأخيرين الباقيين فيه، تقول واشنطن لمنتظري أريحيتها:
 
”توصلنا إلى استنتاج أن تمديد وقف الاستيطان لا يشكل الأساس الأمثل لاستئناف المفاوضات المباشرة في الوقت الراهن"... ويفسر هذا المتحدث باسم الخارجية الأمريكية كراولي مبيناً مدعاة هذا التوصل إلى مثل هذا الاستنتاج، قائلاً:
"سعينا للحصول على تجميد لايجاد الظروف للعودة إلى مفاوضات ملموسة ومستمرة. ولكن بعد بذل جهود كبيرة، توصلنا إلى استنتاج أن هذا لن يخلق أساساً قوياً لتحقيق الهدف المشترك في التوصل إلى اتفاق إطار"... ويسارع مستدركاً، أن الأمر لا يتعلق "بتغيير في الاستراتيجية"، وإنما هو "تغيير في التكتيك" نحن فقط "عدلنا مقاربتنا"... كيف؟!
 
إنها باختصار، العودة إلى "مفاوضات غير ملموسة ومستمرة" بالتوازي مع التهويد الملموس والمستمر... وعليه، ميتشل يعود مجدداً إلى المنطقة لبدء المشوار، وقبل وصوله واجتماع لجنة متابعة الجامعة العربية استقبلت واشنطن سلام فياض وعريقات (كل على حدة) وباراك وتسيبي ليفني!
 
والآن، ما هو رد فعل الفلسطينيين الأوسلويين وعرب "المتابعة" على الموقف الأمريكي، أو "المقاربة الأمريكية المعدّلة"؟!
 
قبل الإجابة، لابد من الإشارة إلى أن إسرائيل قد ردت على التحية الأمريكية بأحسن منها. كثفت إجراءاتها التهويدية والعدوانية وصعدتها. أعلنت عن 130 وحدة "استيطانية" جديدة في القدس، أبعدت النائب أبو طير من المدينة، وهدمت قرية خربة طانا للمرة الثالثة خلال عام، بالاضافة إلى الاعتقالات شبه اليومية في الضفة، والعودة إلى شن الغارات الجوية التدميرية المتكررة على أحياء سكنية في غزة. بالتوازي، وحيث لا رادع ولا وازع، مع تصاعد مظاهر الحمى العنصرية ضد أهلنا في المحتل في العام 1948. آخرها، أو ما جاء بعد قوانين الكنيست المعروفة، فتاوي الحاخامات بتحريم بيع وتأجير المنازل للعرب. وحيث تقول الإحصائيات، أن 53% من الإسرائيليين، أو "المستوطنين المحتلين" يعتقدون أن على دولتهم تشجيع هجرة العرب، أو أصحاب الأراض، إلى الخارج. و46% منهم لا يرغبون أن يروا جيراناً عرباً، و 67% هم ضد لم شمل العائلات العربية!
 
... وعودة إلى رد فعل السلطة وعرب المتابعة. هنا، كما يقول المثل الشعبي، يمكن قراءة المكتوب من عنوانه، والذي جاء بالفلسطيني كالتالي، اللجوء إلى المتابعة، لأن المفاوضات وفق توصيف رئيس السلطة قد دخلت "أزمة صعبة"، مع أمله بأن "يحين قريباً الوقت الذي يضطلع فيه الاتحاد الأوروبي بدور مع الولايات المتحدة في عملية السلام"... هنا ما يعني أن "المقاربة" من قبل رام الله، لم تتغير بتغير "مقاربة كراولي" المشار إليها آنفاً، وإن لوحت بخيارات ثمانية ليس من بينها خيار المقاومة، سبعة منها لا معنى عمليا لها والأخير لن تقدم عليه ولن يسمحوا لها به وهو حل نفسها!
 
أما بالعربي، فالمتابعة أجّلت اجتماعها على شرف ميتشل من بداية الأسبوع إلى نهايته... ولعل أكثر ما يدلنا إلى ما قد تتوصل إليه، هو تعقيب أبو الغيط على مجمل الحكاية والقائل: "دعونا نتفق على نهاية اللعبة، وهذه النهاية هي أن تتفق اللجنة الرباعية على معايير للتسوية"!!!
 
إذن، لا رد عربيا متوقعا على جرافات نتنياهو التهويدية، ومقاربات كلينتون التفاوضية "غير الملموسة والمستمرة"، بغير انتظار لجنة المتابعة لجديد ميتشل وأبو الغيط لمعايير الرباعية... وحيث مفهوم المقاومة كبديل للمساومة غير وارد في قاموس السلطة والمتابعة، يمكننا استبدال سؤالنا الذي بدأنا به بالتالي: إذن، متى تحل إسرائيل السلطة؟!
 
ليس بعد... ليس قبل الفروغ نهائياً من تصفية القضية الفلسطينية وإنجاز عملية تهويد كامل فلسطين، وشطب حق العودة، وتخلص اليهود من "جيرانهم" في المحتل العام 1948... ولأنها حتى تحقيق ذلك، في حاجة لشهود زور، ويريحها احتلال السبعة نجوم، وحريصة كل الحرص على دور السلطة الأمني في خدمة هذا الاحتلال... ولهذا، حتى ليبرمان يشدد أكثر من عريقات على ضرورة مواصلة "المفاوضات حياة" للتوصل إلى "اتفاق سلام تاريخي"مع الفلسطينيين!!!

التعليقات