25/08/2012 - 13:20

رفح أم مثلث مصر غزة إسرائيل؟../ ماجد عزام

رفح ليست مدينة عادية، فقد كانت وما زالت نقطة الالتقاء بين مثلث مصر غزة إسرائيل، وتختصر طبيعة العلاقة بين أضلاعه في أوقات الحرب، كما أوقات السلم

رفح أم مثلث مصر غزة إسرائيل؟../ ماجد عزام

رفح ليست مدينة عادية، فقد كانت وما زالت نقطة الالتقاء بين مثلث مصر غزة إسرائيل، وتختصر طبيعة العلاقة بين أضلاعه في أوقات الحرب، كما أوقات السلم.

هذا ما فهمته الجماعة السلفية التي نفذت، بل ارتكبت جريمة رفح الأخيرة وسعت في سياقها، وعن سبق إصرار وترصد إلى التأثير على هذا النسيج المتداخل المركّب والمعقّد بين أضلاع المثلث السالف الذكر، وتحقيق أهداف ذات طابع استراتيجي تتضمن تغيير العلاقة الحالية بينهم، علماً أنني لا أتبنى نظرية المؤامرة وواثق من أن الجريمة أو العملية نفذت بأياد سلفية، وهي في الجوهر مشابهة لعملية جماعة جلجلت السلفية التي حاولت في حزيران 2010 اقتحام معبر إيريز بيت حانون باستخدام الجياد، كما لعملية إيلات آب/أغسطس الماضي التي تم تخطيطها في غزة، بينما نفذت بأياد سلفية مصرية وعربية بعدما منعت حماس أيت من أفراد المقاومة الفلسطينية من المشاركة فيها، ووصل الأمر إلى حد إبلاغ أهلهم وتحذيرهم من نوايا أبنائهم.

الجماعة السلفية المتماثلة فكرياً مع القاعدة استلهمت أساليب هذا التنظيم عبر تنفيذ عملية ضخمة كبيرة ونوعية تخلق حالة من الفوضى، تسمح لها بفرض سيطرتها في سيناء وفي السياق توتير العلاقات بين أضلاع المثلث المصري الغزاوي الإسرائيلي، وإنتاج بيئة مؤاتية تساعدها على فرض أجندتها على الصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي في نقطة تماسّه التاريخية رفح.

اللافت أن الأطراف المعنية الثلاث تعاطت مع الجريمة على قاعدة إفشال أهداف الجهة المنظمة، ولكن كل من وجهة وزواية نظره، وبغرض تحقيق أكبر قدر ممكن من مصالحه.

وهكذا استنتج الرئيس مرسي أنه لا بد من إنهاء حالة الفوضى في سيناء، وتوجيه ضربة قاصمة أو على الأقل قاسية ومؤلمة ضد الحركات السلفية التكفيرية، حتى لو اتخذت الإطار أو الغطاء الإسلامي. وفهم كذلك أنه لا بد من فرض أو استعادة هيبة وهيمنة الدولة على شبه الجزيرة ليس في البعد الأمني فقط، وإنما في إطاراستراتيجي أوسع ذي أبعاد سياسية إعلامية اقتصادية اجتماعية، غير أن الأهم تمثل بقرار الرئيس الإستراتيجي تجاه المؤسسة أو بالأحرى القيادة العسكرية ممثلة أساساً بوزير الدفاع رئيس الأركان ومدير المخابرات العامة وبشكل تلقائي تم تحميلهم المسؤولية المؤسساتية الديموقراطية عن التقصير الذي تبدى في إداء الجيش، ومن ثم  إقالتهم وإرسالهم إلى التقاعد، بل وإعادة الجيش إلى الثكنات، وتكريس فكرة أن مهامهم الرئيسية والمركزية تتمثل بحماية الوطن وليس بالتدخل في السياسة بشؤونها وشجونها.

وبدا الرئيس مرسي بقراره الإستراتيجي وكأنه ينهي الحكم العسكري الذي بدأ مع ثورة يوليو 52 واستمر لستين عاما. الجريمة لم تكن  فقط  فرصة لتكريس هيبته وصورته الزعامية والقيادية، وإنما لدخول التاريخ من أوسع أبوابه كمن أنهى الحقبة العسكرية السوداء ووضع أسس الدولة المدنية الديموقراطية ولو بمرجعية أو إطار إسلامي.

في السياق الخارجي وفي الاتجاه الإسرائيلي ورغم التنسيق الفوري مع تل أبيب تحت وقع الصدمة أو كما كان متبعاً في الماضي من قبل القيادة العسكرية المقالة، إلا أن الرئيس مرسي -وفريقه السياسي والعسكري الجديد - وجد الفرصة سانحة لتجاوز قيود معاهدة "كامب ديفيد" ونشر قوات إضافية من مدرعات ودبابات وحتى طائرات دون التنسيق أو حتى إعلام  تل أبيب وفتح ملف تعديل الملحق الأمني للمعاهدة بالتراضي أو بحكم الأمر الواقع، واستغلال حقيقة أن إنهاء  الفوضى الأمنية وفرض هيبة الدولة المصرية في سيناء يمثل أيضاً مصلحة للدولة الراغبة في استمرار العلاقة مع القاهرة ولو بالحد الأدنى تخفيفاً للعزلة الإقليمية الخانقة التي تعاني منها إثر الربيع العربي وبعد فقدان الحلف الإقليمي الاستراتيجي والمهم مع تركيا.

في الاتجاه الفلسطيني رفضت القيادة المصرية شيطنة حماس أو التعاطى معها كجزء من الأزمة، وإنما كجزء من الحل، ولكن ورغم العلاقة الوثيقة بين الرئيس مرسي والحركة الإسلامية إلا أنه فهم أنها أو غزة عموماً تتحمل ولو مسؤولية جزئية عن الجريمة، من خلال العلاقة المتاشبكة والمتداخلة بين الحركات السلفية الجهادية في غزة وسيناء، أو عبر مناخ العسكرة الذي خلقته الحركة وكانت له آثار سلبية على سيناء، فيما يتعلق بتهريب السلاح على نطاق واسع أو عبر الأنفاق التي تحولت إلى هدف بحد ذاتها وتركت آثاراً سلبية هائلة على الأمن القومي المصري بتجلياته واتجاهاته المختلفة. ومن هنا كان اتخاذ القرار الاستراتيجي، أيضاً بإغلاق الأنفاق بشكل نهائي، ولكن مع السعي لتخفيف أو إنهاء الحصار عبر إبقاء معبر رفح مفتوحاً والسعي نحو إنهاء الانقسام وتنفيذ اتفاق المصالحة واستغلال حاجة تل أبيب إلى خطوط مفتوحة مع القاهرة لعدم ممانعة أي تسهيلات متوقعة أو للتملص من مسؤولياتها كقوة احتلال لغزة ولو بشكل غير مباشر، هذه السيرورة وبالضرورة ستستغرق وقتاً ولكنها من هذه الزاوية تحديداً تستمد بعدها الاستراتيجي البعيد المدى.

فلسطينياً أيضاً وجدت حماس نفسها في وضع حرج بعد العملية، وهذا ما تبدى في بيانها البائس الذي عددت فيه الخطوات التي قامت بها وتضمنت إقامة صلاة الغائب وخيمة للعزاء في غزة، وشجب وإدانة الجريمة وتقديم التعزية للقيادة المصرية وإبداء الاستعداد للتعاون التام مع السلطة المعنية في القاهرة. حماس التي تعي وتفهم مسؤوليتها عن العملية كونها السلطة الحاكمة في غزة ولأن كل ما يتعلق بالعمل أو البعد العسكري يتم بإشراف رعاية أو على الأقل علم جناحها العسكري ولأنها تعي أيضاً مصدر الأسلحة متنوعة الأشكال والأنواع المدججة التي تمتلكها الحركات التكفيرية، ومن هم زبائن وشركاء البدو وشبكات التهريب وسوق السلاح في سيناء، كما تفهم الحركة الإسلامية أن الأنفاق تحولت بإرادتها أو رغماً عنها من وسيلة لمواجهة الحصار إلى هدف بحد ذاته، وإن العلاقة الجيدة مع القيادة المصرية الجديدة تقتضي مساعدتها على مواجهة الجريمة وتداعياتها بما في ذلك إغلاق الأنفاق وعدم ربط ذلك بفتح المعبر أو إقامة منطقة صناعية على الحدود، بينما نافذة الأمل للحركة تكمن في قناعة القاهرة أنها جزء من الحل؛ وليس الأزمة ولكن موازين القوى المستجدة والوضع الهش في القاهرة، كما الحقائق التاريخية والجغرافية تضعها في موقع الضعيف وغير القادر على فرض إرادته أو تصوراته بشكل فوري وعاجل حيث اللاعب المركزي الآن هو الرئيس مرسي وعلى حماس مساعدته إن أرادت الحصول على مكاسب ذات بال على المديين المتوسط والبعيد.

بدت إسرائيل وعلى عكس ما تبدي من اللحظات والساعات الأولى للجريمة وكأنها الخاسر الأكبر من الجريمة، فقد اتخذت القاهرة القرار الإستراتيجي بالقضاء على الحركات المتطرفة، وفرض هيبتها في سيناء نتيجة لقناعات داخلية وليس لضغوط إسرائيلية، علماً أن تل أبيب تمنت أن يتم الأمر بتفاهم وتنسيق وبما يسمح بتمتين العلاقات الثنائية في بعدها الأمني، لعل وعسى يعود التحالف إلى سابق عهده، كما كان الحال مع النظام السابق، وأبعد من ذلك فقد باتت تل أبيب بين خيارين أحلاهما مرّ؛ غض الطرف عن تجاوز مصر لمعاهدة كامب ديفيد عبر نشر قوات وأسلحة ثقيلة في سيناء أو القبول بتعديل ملحقها الأمني ما يقلص عوائدها ومردوها الاستراتيجي. ورغم إغلاق الأنفاق بدت الجريمة وكأنها المدخل لرفع نهائي للحصار وفتح المعبر بشكل كامل ولو بعد حين بعدما سعت تل أبيب إلى استثمارها لشيطنة حماس وفرض مزيد من العزلة عليها والتواطؤ في حصارها كما كان الحال مع النظام الساقط.

في الأخير وباختصار أدت الجريمة عكس ما أراد منفذوها وخلقت سيرورة إستراتيجية إيجابية في السياق المصري الداخلي، كما السياق المصري الفلسطيني، وبدت إسرائيل معزولة أكثر وأكثر وعاجزة عن فرض إرادتها أو تصوراتها ومصالحها، والأهم أنها أكدت ما كان واضحاً منذ الأيام الأولى للثورة معاهدة كامب ديفيد ميتة إكلينيكياً، وتحولت إلى مجرد ورقة أو تفاهم  لوقف إطلاق النار، وإلغاؤها نهائياً بات مسألة وقت فقط، هو نفسه الذي ستستغرقه مسيرة التعافي لمصر وعودتها إلى ممارسة دورها بشكل ديموقراطي شفاف ونزيه بعد الغيبوبة التي عاشتها خلال العقود الأربعة الماضية.

التعليقات