29/08/2012 - 09:47

"الإخوان" وسياسة مصر الخارجية../ علي جرادات

بخطوة إلغاء "الإعلان الدستوري المكمل"، وإحالة رؤوس الأجهزة العسكرية والأمنية على التقاعد، وتعيين آخرين في مناصبهم، حسم الرئيس المصري الجديد، مرسي، الإخواني" النشأة والتربية والقناعات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ازدواجية السلطة وأصبح رئيساً فعلياً لدولة مصر يتحكم بصلاحيات سلطتها التنفيذية كاملة، بل، ويتحكم "مؤقتاً" بصلاحيات سلطتها التشريعية ريثما يتم انتخاب "مجلس شعب" جديد وفقاً لدستور جديد، (يُفترض إنهاء إعداد مسودته قريباً لعرضها على استفتاء شعبي)، يحدد صلاحيات سلطات الدولة المصرية، (التشريعية والقضائية والتنفيذية) وضوابط العلاقة في ما بينها

 بخطوة إلغاء "الإعلان الدستوري المكمل"، وإحالة رؤوس الأجهزة العسكرية والأمنية على التقاعد، وتعيين آخرين في مناصبهم، حسم الرئيس المصري الجديد، مرسي، الإخواني" النشأة والتربية والقناعات الفكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ازدواجية السلطة وأصبح رئيساً فعلياً لدولة مصر يتحكم بصلاحيات سلطتها التنفيذية كاملة، بل، ويتحكم "مؤقتاً" بصلاحيات سلطتها التشريعية ريثما يتم انتخاب "مجلس شعب" جديد وفقاً لدستور جديد، (يُفترض إنهاء إعداد مسودته قريباً لعرضها على استفتاء شعبي)، يحدد صلاحيات سلطات الدولة المصرية، (التشريعية والقضائية والتنفيذية) وضوابط العلاقة في ما بينها.

بهذا استتبت سلطة الدولة المصرية لـ"الإخوان"، وأصبح برنامجهم للتغيير الموعود في إدارة هذه السلطة ورسم سياستها الداخلية والخارجية على المحك، حيث لم يعد بمقدورهم التذرع بممانعة قوى "الدولة العميقة" لتنفيذ هذا البرنامج الذي سيكون تقييمه والحكم عليه بوصفه برنامجاً لقوة سياسية تولت الحكم باسم انتفاضة شعبية تمكنت من إطاحة نظام استبدادي فاسد وتابع، ولها مطالب وطنية ثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية محددة، جوهرها استعادة الشعب المصري لسيادته ولحقوقه الطبيعية في الحرية والديمقراطية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية.   

هنا، وباعتماد مقولات علميْ الاجتماع والاقتصاد السياسيين، (دون تبسيط بوعي أو بجهالة)، وبوصفها أدوات تحليل علمي لانعكاسات الترابط الموضوعي بين السياسة والمجتمع والاقتصاد، فإن السياسة الخارجية لسلطة "الإخوان"، ( كأية سلطة أخرى)، إنما تشكل مرآة لسياستها الاجتماعية، لأنها، (السياسة الخارجية)، تعكس، (عملياً وجوهراً)، رؤى مصالح الفئات والطبقات والشرائح الاجتماعية التي تتكئ عليها دون أو أكثر من غيرها. يؤكد هذا الاستنتاج، (عدا تنوع السياسة الخارجية للأنظمة العربية)، تقلبات سياسة مصر الخارجية منذ نيلها للاستقلال الوطني ارتباطاً بتغير الطبقات التي اتكأ عليها وعبر عن مصالحها كل نظام من أنظمتها المتعاقبة، بدءاً بالنظام الملكي الإقطاعي الفاسد والتابع ما بعد ثورة 1919، واتكائه على طبقة كبار ملاك الأرض التي دعمت سياسة خارجية تابعة تلتزم بمعاهدات تجيز التواجد الأجنبي وتدخلاته، مروراً بنظام ما بعد ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة عبد الناصر، واتكائه على الطبقات الشعبية، (العمال وصغار الفلاحين) التي استفادت من إطاحة كبار ملاك الأرض واعتماد سياسة "القطاع العام"، والإصلاح الزراعي، ودعمت سياسة خارجية وطنية مستقلة وقومية فاعلة، ألغت المعاهدات الاستعمارية، وأممت قناة السويس، وساهمت في إسقاط "حلف بغداد"، وفي تأسيس منظمة "دول عدم الانحياز"، ودعمت حركات التحرر العربية في الجزائر واليمن وفلسطين التي اتخذت من قضيتها موقفا قومياً جادا وتحملت تبعاته، تعريجاً على نظام ما بعد الارتداد عن مبادئ ثورة 1952 الذي قاده السادات بعد رحيل عبد الناصر، وبدأه بسياسة الانفتاح الاقتصادي التي فتحت الطريق لإلغاء "القطاع العام" وتدميره، ما ضرب مصالح الطبقات الشعبية ومكتسباتها، ونمى مصالح طبقة "القطط السمان" الكومبرادورية الطفيلية التي دعمت سياسة خارجية قادت إلى توقيع اتفاقية كامب ديفيد بشروطها السياسية والأمنية التي ربطت مصر في إسار تبعية، (سياسية واقتصادية ومجتمعية وعسكرية)، للولايات المتحدة، لم تحول السيادة والاستقلال الوطنيين إلى شكل بلا مضمون فحسب، بل، وأدت أيضاً إلى ضرب الأمن القومي المصري، وإخضاعه للشروط الأمريكية الإسرائيلية، بعد التخلي عن السياسة القومية لمصر التي عمق نظام مبارك تبعيتها وتقزيم دورها ومكانتها عبر إعادة تشكيل بنى الدولة بما يديم سطوته كحاكم مستبد لعب دور الناطور لمصالح الاحتكارات الرأسمالية الغربية المعولمة، وابتزل الريع من عائدات الاقتصاد الوطني لحسابه الشخصي والعائلي والزبائني، متكئاً على طبقات ريعية طفيلية وكومبرادورية متحالفة مع بيروقراطية منتفعة، دعمت سياسة تدمير القطاع العام وبيعه للمتسلقين بأبخس الأثمان، وإطلاق غول السوق الحرة وقوانينها، وإدراج مصر في دواليب الليبرالية الجديدة واملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، عبر الخصخصة، وتخليع أبواب البلاد وفتحها أمام الاستثمارات الغربية ورأس المال الاحتكاري المعولم، والتغاضي عن الرشوات ونهب المال العام والاستيلاء على الأصول الوطنية السيادية كالأراضي ومناجم المعادن وغيرها من الموارد، ما أدخل مصر في آلية جهنمية من التبعية والفساد والإفساد والثراء الفاحش والقمع والإفقار والبطالة والحط من الكرامة...الخ

هذه هي العوامل السياسة الاجتماعية الضاغطة التي خلقها نظام السادات وعمقها امتداده في عهد مبارك، وأفضت، (بعد اعتمال لعقود)، إلى انفجار انتفاضة 25 يناير 2011 الشعبية، بما يؤكد أن (مقدار وقدْر) اتكاء النظام المصري، (وكل نظام لدولة "نامية")، على الطبقات الشعبية والتعبير عن مصالحها هو العامل الحاسم في صون استقلاله الوطني ووطنية سياسته الخارجية ونجاتها من التبعية، ذلك أن السياسة الخارجية لأي نظام، بمعزل عن لونه واسمه، هي في التحليل الأخير مرآة، ومحصلة، لسياسته الاجتماعية الداخلية المعبرة عن رؤى مصالح طبقات وفئات وشرائح اجتماعية معينة. ماذا يعني هذا الكلام؟

في مصر اليوم التي أحكم "الإخوان"، (باسم الانتفاضة الشعبية ومطالبها)، قبضتهم على إدارة سلطة الدولة فيها، يتضح يوماً بعد يوم ميلهم إلى عدم إجراء تغيير جدي في مضمون معالم السياسة الخارجية المصرية كما أرساها نظام السادات وعمقها امتداده في عهد مبارك، حيث لم يترك الرئيس المصري "الإخواني"، مرسي، مناسبة، إلا واستغلها للتأكيد على أن "رسالتنا رسالة سلام"، وعلى "التزامه بكافة معاهدات الدولة المصرية واتفاقاتها"، وعلى أن "أمن الخليج خط أحمر مصري"، وعلى أن: "إن كانت السعودية هي راعية المذهب الإسلامي السني الوسطي، فإن مصر هي حاميته"، بل، وأوعز لوزير دفاعه الجديد، السيسي، بالاتصال بوزير الدفاع الإسرائيلي، باراك، لتأكيد التزام مصر بشروط الملحق العسكري لاتفاقية كامب ديفيد، بعد احتجاج إسرائيل على إدخال عدد من الدبابات المصرية إلى سيناء دون موافقتها بعد عملية رفح المشبوهة، كاحتجاج حملته الولايات المتحدة ودعمته في تصريح رسمي يقول: "من حق مصر إدخال قوات إلى سيناء، إنما بموافقة إسرائيل"، التي تتمسك بالشروط الأمنية لاتفاقية كامب ديفيد، وكأن قضية الفوضى السائدة في سيناء هي ليست نتيجة لهذه الشروط، أو كأنها ليست قضية سياسية اجتماعية تنموية أمنية مركبة لن يحلها غير استعادة السيادة المصرية الكاملة على سيناء.

قد يقول قائل إن المعالم الأولية لسياسة مصر الخارجية في عهد حكم "الإخوان"، لا تشي باستمرار السياسة الخارجية ذاتها للنظام السابق، بقدر ما تعكس تروياً يهدف إلى تغييرها بتدرج، لكن هذا التفسير لا يصمد أمام اقتران المؤشرات الأولية للسياسة الخارجية المصرية الجديدة، بمعالم استمرار السياسة الاجتماعية ذاتها التي انتهجها نظام السادات فمبارك، وجوهرها الاعتماد على الاقتراض من صندوق النقد الدولي المشروط بالخصخصة وضرب القطاع العام، واستدعاء الاستثمارات الخارجية النهبية، والحرص على استمرار المعونة الأمريكية السياسية المذلة، والاعتماد على الهبات الخليجية، (والقطرية بالذات)، المريبة في أهدافها السياسية، إذ كما أسلفنا القول، فإن السياسة الخارجية المصرية هي في التحليل الأخير، (كأي سياسة خارجية لدولة "نامية")، مرآة لسياسة اجتماعية داخلية تعكس مصالح طبقات وفئات اجتماعية يتكئ عليها النظام الحاكم، بمعزل عن لونه واسمه ووعوده النظرية.                         

التعليقات