01/10/2012 - 11:51

ارفعوا أيديكم عن عبد الناصر../ فهمي هويدي

أصبحت أخشى على عبد الناصر من الذين يهتفون باسمه هذه الأيام ويتدثرون بعباءته، حتى أزعم بأن الرجل لو بعث حيا لأدهشه وأغضبه أن يزج باسمه في الكثير مما يجري، ولتمنى ألا يأتي البعض على سيرته فيما يقولون ويفعلون

ارفعوا أيديكم عن عبد الناصر../ فهمي هويدي

أصبحت أخشى على عبد الناصر من الذين يهتفون باسمه هذه الأيام ويتدثرون بعباءته، حتى أزعم بأن الرجل لو بعث حيا لأدهشه وأغضبه أن يزج باسمه في الكثير مما يجري، ولتمنى ألا يأتي البعض على سيرته فيما يقولون ويفعلون.

خصوصا أولئك الذين يحاولون تقمص شخصيته والادعاء بأنهم خلفاء له. وكان الرئيس الليبي السابق معمر القذافي أبرز هؤلاء، منذ استغل عبارة قالها الرئيس الراحل بحسن نية ذات مرة أثناء زيارته لليبيا، ووصف فيها صاحبنا بأنه أمين على الثورة العربية والقومية العربية. ومنذ ذلك الحين حولت أبواق القذافي تلك الشهادة إلى نشيد وطني يتردد كل يوم تقريبا. واعتبرها الأخ العقيد صكا أرضى به غروره وطموحه، وأذل به شعبه إلى أن كشفت الثورة الليبية عن حقيقته وعاقبته بما يستحقه.

أستغرب تمسح بعض الفلول فى اسم عبدالناصر وزعمهم بأنهم امتداد له. وجنود أوفياء لثورة 23 يوليو، في حين أنهم بقايا نظام كان بمثابة انقضاض على أهم ما مثله عبدالناصر، على الصعيدين الوطني والاجتماعي. لقد حاولوا ان يستخدموا اسمه وقبره فى إطلاق المظاهرات المعادية للثورة. وطالعنا رسالة لأحدهم في ذكرى وفاته (28 سبتمبر) حيا فيها "الزعيم الخالد" وأعلن التزامه بمبادئه ونهجه، في حين أنه هو من قال إن مبارك وليس عبد الناصر هو مثله الأعلى، في مراهنة ساذجة على ضعف ذاكرة المصريين. وكان ذلك من قبيل الإفراط في الادعاء والتدليس، إذ لم يجد صاحبه غضاضة ولا فرق بين من كان كنزا إستراتيجيا لإسرائيل، ومن كان عدوا إستراتيجيا لها. تجلت تلك الفجاجة أيضا في أداء نموذج لأحد المهرجين الذين ظهروا في الساحة السياسية مؤخرا. فصاحبنا هذا الذي يتمسح الآن في ثياب عبد الناصر، كان قبل عدة أشهر ضيفا على حزب الكتائب اللبناني، وألقى خطبة اعتبر فيها زعيم الحزب سمير جعجع الذي تلاحقه شبهات واتهامات عديدة تشينه سياسيا ــ سواء في ارتكاب جرائم القتل في الداخل أو في تعامله مع إسرائيل، وغيرها من الدوائر المشبوهة ــ ويعتبر أن ذلك الدور المشبوه كان "ملهما" للثورة المصرية!

خلال السنوات الأخيرة لاحظنا أن إرث عبد الناصر تنافست عليه أربع مجموعات على الأقل ظهرت تحت مسميات هي: الحزب العربي الديمقراطي ــ وحزب المؤتمر الشعبي الناصري ــ وحزب الكرامة ــ وحزب الوفاق. وداخل كل واحدة من تلك المجموعات أجنحة كان التنافس بينها أشخاص بالدرجة الأولى وليس حول مبادئ وأفكار. صحيح أنه كان بينهم متطرفون يصرون على استنساخ التجربة الناصرية كما كانت، ومعتدلون فضلوا اخضاع التجربة للنقد والتطوير، كما ان بعضهم ظل ملتزما بإطار التنظيم الطليعي، في حين أن جيلا آخر من الشباب انخرطوا فيما عرف باسم أندية الفكر الناصري، إلا أن القاسم المشترك الأعظم بين الجميع كان شخص عبديالناصر.

قبل أيام قليلة ــ في ذكرى وفاة عبد الناصر يوم 28/9 ــ أعلنت تلك الأحزاب اندماجها في حزب واحد قيل إنه سيحمل اسم الحزب الناصري. ولم يعد سرا أن تجاوز تلك المجموعات لخلافاتها لا يرجع إلى تقارب في الأفكار وتنازل عن الحسابات الشخصية بقدر ما إنه ينطلق أساسا من الاحتشاد لمواجهة الإخوان والسلفيين في الانتخابات القادمة. الأمر الذي قد يعني انه تحالف مؤقت معرض للانفراط بمجرد انتهاء الظرف الذي استدعاه.

من ناحية ثانية فإن الأسئلة يمكن أن تثار حول مدى قدرة الائتلاف الجديد على جذب أصوات الجماهير، خصوصا الشرائح التي ترى أن التجربة الناصرية تمثل خبرة ماضوية بأكثر من كونها مشروعا مستقبليا. وفيما فهمت فإن الداعين إلى إقامة الحزب أو الائتلاف الجديد يتطلعون إلى الحفاظ في الانتخابات القادمة على الأصوات التى حصلها المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحى (مؤسس حزب الكرامة) إضافة إلى الأصوات التي أعطيت للفريق أحمد شفيق عن غير اقتناع به، ولكن تعبيرا عن معارضة المرشح الآخر الدكتور محمد مرسي. كما أنهم يأملون أيضا في جذب أصوات الخائفين من نفوذ الإخوان المسلمين.

الأمر الجدير بالتسجيل في هذا السياق أن جمال عبد الناصر كان من أوائل الذين عارضوا تداول مصطلح الناصرية، حين برز في أوساط بعض الجماعات الوطنية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، وكان من رأيه أن هناك أناسا يتعاطفون مع تجربته وهؤلاء يمكن وصفهم بالناصريين حقا، ولكن من الخطأ أن تختزل التجربة في شخصه بحيث تصبح  المبادئ والقيم الوطنية والاجتماعية التي دافع عنها مشروعا ناصريا، وهي ليست كذلك بالأساس. وقد سجل هذه الفكرة الأستاذ محمد حسنين هيكل في بعض كتاباته، وعلى موقع السيد سامى شرف مدير مكتب الرئيس الراحل شهادة له بذات المعنى.

أدعو الجميع لأن يرفعوا أيديهم عن عبد الناصر. سواء كانوا انتهازيين يتمسحون فيه لإيهامنا بانتماءاتهم ونسبهم الوطني، أو حواريين يدغدغون مشاعر الناس بأحلامهم سنوات خلت وعالم انقلب رأسا على عقب. لذلك أزعم أن الوفاء الحقيقي لعبد الناصر يكون بتجنب ابتذال اسمه. وبنقد تجربته بنزاهة ومسؤولية، وبالدفاع عن القيم الإيجابية التي ناضل من أجلها وتمثلت في تمسكه بالاستقلال الوطني والعدل الاجتماعي والانتماء إلى الأمة العربية ــ لأن الشخص زائل والأمة باقية.

"الشروق"

التعليقات