09/10/2012 - 10:33

ماذا بعد خطاب عباس؟../ د. فايز رشيد

جاء خطاب رئيس السلطة الفلسطينية في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام: حزيناً وإعادة إنتاج لتوصيف الحالة الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967، طيلة السنوات السابقة، وكأن عباس يستجدي استدرار دموع وأسف العالم على أحوال الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال!

ماذا بعد خطاب عباس؟../ د. فايز رشيد

جاء خطاب رئيس السلطة  الفلسطينية في دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام: حزيناً وإعادة إنتاج لتوصيف الحالة الفلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967، طيلة السنوات السابقة، وكأن عباس يستجدي استدرار دموع وأسف العالم على أحوال الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال!

عبّاس لم يقدّم بديلاً في الأمم المتحدة لهذا الوضع الذي عنوانه: انهيار أوسلو. حاول تسليط الأضواء على طلب السلطة بقبول فلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة وذلك في محاولة مكشوفة للهروب من الزاوية الضيقة التي حشرت السلطة الفلسطينية ذاتها فيها. هذا المرة يبدو وكأن الأبواب أغلقت  أمام الحركة السياسية للسلطة.

بداية، فإن منظمة التحرير الفلسطينية شغلت منذ العام 1974 عضوية مراقبة  في الأمم المتحدة. بمعنى أن قبول فلسطين عضواً غير كامل العضوية في المنظمة الدولية لن يأتي بجديد على صعيد الحركة الواقعية للتخلص من الاحتلال، سوى من تحقيق أرضية جديدة لأصحاب نهج المفاوضات لإعادة التفاوض مع إسرائيل بدعوى وتبرير: أن المفاوض الفلسطيني والحالة هذه يمّثل دولة محتلة! لذلك فالمفاوضات بالنسبة للطرف الفلسطيني والحالة هذه ستقوم على أرضية جديدة، مع أن ذلك لا ولن يعني شيئا للإسرائيليين.

نود أن نسأل أصحاب هذا النهج: هل هذا سيجبر إسرائيل على تعديل مواقفها بالنسبة للتسوية؟ واقع الأمر يقول كلا، فخطاب نتنياهو في الأمم المتحدة تناسى الصراع العربي-الصهيوني لصالح حثّ الولايات المتحدة والدول الغربية وإقناعها بتوجيه ضربة للمنشأت النووية الإيرانية، أو تفهم الضربة الإسرائيلية لطهران فيما لو قامت بها إسرائيل منفردة، والتي لن تتجاوز الربيع القادم، وفقاً لمعطيات نتنياهو الذي بدا في خطابه: مسرحياً هزيلاً، أو معلماً في مدرسة ابتدائية يحاول نصح طلابه (الصغار) فيما عليهم اتخاذه من خطوات.

رئيس السلطة لم يغادر مربع نهج المفاوضات مع إسرائيل، والإيمان من جانب واحد بأن الولايات المتحدة ومن خلال الضغط على إسرائيل قادرة على توصيل الحقوق الفلسطينية إلى أصحابها. ذلك بدليل: أنه استجاب للضغوط الأمريكية بتأجيل التصويت على الطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة، لما بعد الانتهاء من نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم. السلطة (وفي حركة مسرحية) أوحت أن الطلب سيجري التصويت عليه في 29 نوفمبر القادم وهو: يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني. لم تشأ السلطة الإيحاء بأنها استجابت للطلب الأمريكي.

أيضاً وكدليل على استمرار عبّاس في نهج المفاوضات نقول: قبل الذهاب إلى الأمم المتحدة وفي اجتماع للقيادة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح، طرح عباس على المجتعمين تمحيص إمكانية إلغاء أوسلو وحلّ السلطة، أو التوجه إلى انتخابات عامة.

في تقديرنا: إن محمود عباس حاول التأثير عاطفياً على من استمع إليه، فهو لن يقوم بإلغاء أوسلو، لأن التوجه إلى انتخابات رئاسية جديدة هو تطبيق لاستمرارية أوسلو، فكيف يطرح الشيء ونقيضه في ذات الوقت؟ أكثر من مرّة حدد عباس خياره الإستراتيجي المتمثل في: لا طريق للحقوق الفلسطينية إلا من خلال التفاوض مع إسرائيل. المقاومة المسلحة هي (إرهاب)، وهي عملية تدمير للشعب الفلسطيني ولن تجلب سوى المزيد من الكوارث عليه. الرئيس عباس يفاخر مجاهرة: بأنه مهندس المفاوضات مع إسرائيل والذي كان له الباع الطويل في الوصول إلى اتفاقيات أوسلو.

ما نقوله للرئيس عباس: إن نهج المفاوضات لم يحقق سوى المزيد من التعنت الإسرائيلي في رفض الحقوق الفلسطينية. إسرائيل تصنع حقائقها على الأرض... في الضفة الغربية الآن ما ينوف عن المليون مستوطن (650 ألفاً في القدس ومنطقتها و 350 ألفاً في المناطق الثانية في الضفة الغربية) العدد مرشح للزيادة مستقبلاً. ما تبقى للفلسطينيين من أراضي الضفة الغربية هو 40% منها، أي أقل بكثير مما يعادل 22% من مساحة فلسطين التاريخية، مع العلم أن قرار التقسيم للأمم المتحدة رقم 181 في عام 1947 أتاح للفلسطينيين إقامة دولتهم على 45% من مساحة فلسطين التاريخية. ما تبقى من أرض في الضفة الغربية مرشح في مساحات جديدة منه للمصادرة والاستيطان بمعنى أن رقم 22% من مساحة فلسطين معرض للتقليص. الشروط الإسرائيلية للتسوية تتضمن جديداً: الاعتراف بيهودية إسرائيل وتأكيد على الحكم الذاتي للفلسطينيين (مهما اختلفت التسمية). هذا غيض من فيض واقع الحساب بعد ما يقارب من مرور 20 سنة من المفاوضات مع إسرائيل، رغم ذلك مازالت هي الإستراتيجية التي يتبناها عباس!

البديل لإستراتيجية التفاوض مع إسرائيل هو: العودة إلى الخيار الجماهيري الفلسطيني الذي تحدد منذ ما يزيد عن القرن الزمني وهو: الكفاح والنضال من أجل نيل الحقوق، وتجاوز الانقسام الفلسطيني والعودة بالوحدة الوطنية الفلسطينية إلى سابق عهدها، وإلغاء أوسلو التي ماتت فعلياً، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتلاحم مع الجماهير العربية، فالخطر الإسرائيلي يطالها أيضاً. إن الإصرار على ذات النهج رغم المآسي والكوارث التي جلبها على القضية الفلسطينية وعلى المشروع الوطني الفلسطيني هو انتحار سياسي، فحتى قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالحقوق الفلسطينية لا يريد عباس ولا السلطة لها أن تشكل مرجعية لبعض الحقوق الفلسطينية، فالتمسك بأوسلو ونهج المفاوضات هو بالمعنى الفعلي استبدال لمرجعية الأمم المتحدة بمرجعية أوسلو، وهذا يصب أيضاً في مجرى الانتحار السياسي الأول. خطاب عباس في الأمم المتحدة صوّر واقعا لكنه لم يطرح البديل لتغيير هذا الواقع والانتصار عليه.

التعليقات