01/12/2012 - 13:09

المسؤولية وقلة المسؤولية في مواجهة الفاشية/ جمال زحالقة

لقد وضع التجمع نفسه رأس حربة ضد العنصرية والعنصريين، ودعا إلى فرض عقوبات على إسرائيل لأن في حكومتها افيغدور ليبرمان، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، والتي هي اكثر تطرفًا من مواقف الوزير النمساوي السابق يورك هايدر، والذي فرضت اوروبا العقوبات على النمسا بسبب تواجده في حكومتها.

المسؤولية وقلة المسؤولية في مواجهة الفاشية/ جمال زحالقة

شهدت الساحة السياسية الاسرائيلية في الاسابيع الأخيرة تطورات خطيرة سيكون لها اثر بعيد المدى على جماهيرنا العربية الفلسطينية في الداخل.  لعل اخطر هذه التطورات هو توحيد قائمتي الليكود وإسرائيل بيتنا في قائمة واحدة هي "الليكود بيتنا"، وما تلاه من انتخاب قائمة يمينية متطرفة جدًا في حزب الليكود. في المحصلة عبدت الطريق لحزب يميني فاشي عنصري متطرف للوصول إلى الحكم.

لا أحد يحن إلى حزب العمل أو إلى الليكود بصيغته التقليدية، لكن من الواضح أنّ التركيبة السياسية الجديدة، والتي هي أكبر حزب في اسرائيل بلا منازع، تضع قضية محاصرة الوجود العربي الفلسطيني في الداخل على رأس سلم اولوياتها. حزب "إسرائيل بيتنا" فاز بخمسة عشرة مقعدًا من خلال التحريض على المواطنين العرب وعلى قياداتهم السياسية وهو لم يعد مجرد حزب في الإئتلاف بل مركب مركزي في الحزب الحاكم. 

"إسرائيل بيتنا" ليس وحده المتطرف في الليكود الجديد، بل هناك في الليكود من هو أكثر تطرفًا من ليبرمان ومن هم حول ليبرمان؛ دانون وليفين وحوطوبيلي وفايجلين وريجيف وإلكين هم عنصريون فاشيون، عمل كل واحد منهم على سن قوانين عنصرية معادية للعرب وللديمقراطية، وانضموا إلى نواب "إسرائيل بيتنا"، الذين قدموا جميعًا سلسلة من القوانين الفاشية، بعضها مر في الكنيست وبعضها بانتظار المصادقة عليها.
في هذه الأجواء المشحونة بالمزايدة والتطرف، جاء تحالف ليبرمان نتنياهو، ليفتح المجال أمام تشكيل كتلة موحدة لليكود بيتنا بعد الانتخابات، ومن ثم اندماج الحزبين في حزب واحد، وعندها يتاح المجال لليبرمان للمنافسة على زعامة الليكود، وصولًا إلى كرسي رئيس الوزراء. هذا ليس سيناريو خيالي، بل واقعي جدًا وشديد الواقعية، وهو فيما يبدو ما دفع بالوزير السابق، موشي كحلون للانزواء جانبًا وعدم ترشيح نفسه في الانتخابات القريبة، لأنه غضب على تفضيل نتنياهو لليبرمان عليه، وريثًا في قيادة الليكود.

ما العمل؟
حتى اللذين لا يوافقون على السيناريو آنف الذكر، يعترفون بأن التطورات السياسية والحزبية في اسرائيل زادت من قوة اليمين العنصري الفاشي، وعزّزت مكانة ليبرمان وأمثاله في اليمين الإسرائيلي. حتى لو اعتبرناهم جميعًا عنصريين، فإن ليبرمان أشدّ خطورة لأنه لا يكتفي باستهداف حقوق المواطن العربي، بل مواطنته ذاتها وبالتالي وجوده في الوطن. القضية إذًا مصيرية بالنسبة لجماهيرنا العربية الفلسطينية في الداخل. السؤال كيف نواجه هذا التطور الخطير؟ هل نستطيع أن نمنعه؟ وهل نستطيع على الأقل تخفيف مخاطره؟

لسنا ضعفاء في مواجهة العنصرية، وعلينا ان لا نستضعف انفسنا. لدينا كمجتمع اليوم طاقات عالية المستوى في كل المجالات، ولدينا قدرات لم تكن عندنا في الماضي.  بقي بالأساس أن ننظم انفسنا كي ندافع عن وجودنا أولًا وعن حقوقنا ثانيًا. ننظم أنفسنا من خلال بناء المؤسسات ومن خلال تطوير لجنة المتابعة ومن خلال العمل المشترك لقوانا السياسية الوطنية. 

لقد وضع التجمع نفسه رأس حربة ضد العنصرية والعنصريين، وبادر إلى الدعوة لتشكيل قائمة مشتركة واحدة، تزيد من التمثيل العربي في الكنيست، وبالتالي قد تكون عاملًا حاسمًا في سد الطريق على حكومة ليبرمان نتنياهو، أخذا بعين الاعتبار الفارق البسيط بين كتلة الليكود والأحزاب الدينية وبين قوى المعارضة. المسؤولية تقتضي قائمة مشتركة ومن يرفضها يتحمل مسؤولية خطيرة جدًا في عدم العمل لقطع الطريق على ليبرمان الفاشي. أمامنا تجربة عالمية غنية في مواجهة الفاشية، ولعل اهم دروس هذه التجربة هو ضرورة توحيد القوى المعادية وحتى المعارضة للفاشية. فلماذا هناك من يعارض القائمة المشتركة؟ أليست هذه قلة مسؤولية؟!

ولكن حتى لو لم ننجح في منع تشكيل حكومة "بيبرمان"، فإن توحيد الأحزاب العربية يمكننا ان نتوجه إلى العالم موحدين لنقول له معًا، وليس كل على حدة بأننا في حالة "أقلية في خطر" وأننا بحاجة إلى حماية المجتمع الدولي من الممارسات العنصرية ومخاطر الفاشية. بالتأكيد العالم يصغى لنا باهتمام حين نأتيه معًا وموحدين. 

لقد وضع التجمع نفسه رأس حربة ضد العنصرية والعنصريين، ودعا إلى فرض عقوبات على إسرائيل لأن في حكومتها افيغدور ليبرمان، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، والتي هي اكثر تطرفًا من مواقف الوزير النمساوي السابق يورك هايدر، والذي فرضت اوروبا العقوبات على النمسا بسبب تواجده في حكومتها.

لم يعد التصويت في الانتخابات مسألة زيادة قوة للأحزاب العربية فحسب، بل اصبح صوتًا صافيًا ضد العنصرية والعنصريين، صوتًا يساهم في سد الطريق على ليبرمان وعلى سياسات ليبرمان. لقد استطعنا من خلال حشد القوى وإطلاق صرخات الغضب واستغاثة العالم، أن نمنع عددًا كبيرًا من القوانين العنصرية، وكان التجمع سباقًا ومبادرًا لمواجهة التشريعات المعادية للعرب وللديمقراطية.

العنصرية الإسرائيلية اليوم هي اكثر قوة واشد خطورة واوسع انتشارًا من الماضي. لم يعد بالامكان الاستمرار في مواجهتها بالأساليب التقليدية، وهناك حاجة لرفع سقف التصدي لها. في هذه الأوضاع يطرح التجمع مبدأ الوحدة، ويبادر للتوجه للعالم، ويعمل على حشد القوى والطاقات واستغلال كل الامكانيات للتصدي للعنصرية والعنصريين من امثال ليبرمان ومن لف حوله. من هنا فإن زيادة قوة التجمع هي الرد الانتخابي على ليبرمان وأمثاله. كل صوت للتجمع هو اقوى صوت ضد ليبرمان.

التعليقات