14/02/2014 - 16:41

حركة المُقاطعة الدوليّة وأسئلة الاحتلال.. / خالد بركات

سؤال نزع الشرعية، سؤال لا يعرفه الإيرانيون ولا المصريون. لا يوجد دولة (عادية) تسأل عن شرعية وجودها. نقصد أي دولة طبيعية تنتمي إلى فضاء حضاري وثقافي واحد في محيط جغرافي متجانس. يمكن لدولة واحدة، أو محاور دولية متعددة، أن تخوص صراعا مع دولة أخرى لأسباب اقتصادية وثقافية وقانونية وحدودية، ولكن لن يزعم أي منها أن الأمر يتعلق بـ"نزع الشرعية"، لأن الشعوب والكيانات السياسية لا تخاف من نزع شرعيتها. ربما يمكن الحديث عن شرعية حكومة ما، أو شرعية حزب ما، وشرعية رئيس أو ملك، لكن لا أحد يتحدث عن شرعية الصين أو شرعية السودان مثلا!

حركة المُقاطعة الدوليّة وأسئلة الاحتلال.. / خالد بركات

لماذا لا يوجد حملات مُقاطعة شعبية في العالم - خاصة في الغرب - للبضائع والشركات الإيرانية رغم كل هذا الاعلام المُعادي والمصبوب يومياً فوق رأس إيران؟ لماذا لا يقاطع المواطن الفرنسي أو الطالب الإيرلندي، الجامعات والشركات والبضائع الهندية و الباكستانية أو البضائع السورية؟ ألا يوجد انتهاكات لحقوق الانسان في تلك البلدان؟ لماذا إسرائيل وحدها دون غيرها تتعرض لحملة شعبية دولية لمقاطعتها وسحب الاستثمارات من اقتصادها والمطالبة بفرض العقوبات عليها؟ وأصبحت إسرائيل هدفًا يوميًا معلنًا لمئات النقابات والجمعيات والحركات الطلابية والاجتماعية والأحزاب حول العالم، حملة تنتشر بسرعة، بوتيرة تؤرق قادة الكيان الإسرائيلي وتقلق راحة أنصاره وحُلفائه في العالم، خاصة في الولايات المتحدة.

الأسئلة أعلاه، كُلها، هي أسئلة إسرائيل اليومية بامتياز. الأسئلة التي ترميها مُنظمات الحركة الصهيونية في وجه أنصار فلسطين ومن يدعون لمقاطعة الاحتلال في الجامعات والنقابات والمؤسسات الثقافية والأكاديمية وحتى الشركات. إذ كلما اتسعت دائرة الحملة الدولية الشعبية الداعية لسحب الاستثمارات من اقتصاد إسرائيل، وفرض العقوبات عليها، كلما أكثر الصهاينة من اجترار التُهم الجاهزة والمعروفة سلفًاعن "معاداة السامية" و"محاولات نزع الشرعية عن إسرائيل"، فزّاعات قديمة بالية لم تعد تؤتي ثمارها أمام عالم جديد من التقنية، يرى ويسمع ويتواصل بسرعة ويتفاعل مع الصورة والخبر وأمام عالم يتحول إلى عصر لم تعد فيه الولايات المتحدة الأمريكية القطب الأوحد والمقرر الأول والأخير.

سؤال نزع الشرعية، سؤال لا يعرفه الإيرانيون ولا المصريون. لا يوجد دولة (عادية) تسأل عن شرعية وجودها. نقصد أي دولة طبيعية تنتمي إلى فضاء حضاري وثقافي واحد في محيط جغرافي متجانس. يمكن لدولة واحدة، أو محاور دولية متعددة، أن تخوص صراعا مع دولة أخرى لأسباب اقتصادية وثقافية وقانونية وحدودية، ولكن لن يزعم أي منها أن الأمر يتعلق بـ"نزع الشرعية"، لأن الشعوب والكيانات السياسية لا تخاف من نزع شرعيتها. ربما يمكن الحديث عن شرعية حكومة ما، أو شرعية حزب ما، وشرعية رئيس أو ملك، لكن لا أحد يتحدث عن شرعية الصين أو شرعية السودان مثلا!

الاستثناء الموجود لهذه القاعدة هي دول الاستيطان الاستعماري السارقة لأرض وخيرات السكان الأصليين، والتي تحتل أرضهم بالقوة، وهذه الدول معروفة بالاسم، يقف على راسها الكيان الصهيوني في فلسطين، فلا غرابة أن تتحالف "واشنطن" و"أوتاوا" و"كيربري" مع الكيان الاستيطاني العنصري اللاطبيعي، لأنها دول مصطنعة، لا تنتمي للمنطقة، ولا هي جزء من الوعاء الثقافي والحضاري، موجودة بفعل القوة والسلاح من خلال نفي الطرف الآخر، وهو السكان الأصليون. ومن الطبيعي جدا أن تتحالف هذه الكيانات، على قاعدة المثل "إن الطيور على أشكالها تقع". لا غرابة إذن أن تنتصر كندا إلى "قضية إسرائيل" أكثر من انتصار إسرائيل لنفسها!

يبدأ الحديث عن مُقاطعة شركة إسرائيلية، أو شركة فرنسية تدعم الاحتلال وخرق القانون الدولي، ثم يدفع الصهاينة كل مجرى الحديث إلى صراع محموم حول "نزع الشرعية"، ويسردوا من الأساطير والخراريف القديمة والجديدة لكن كلها لم تعد "تخرط " في رأس طالب إيرلندي عمره 17 عاما، في عالم يستطيع أن يبحث فيه هذا الطالب ويعرف بسهولة ما يقوله "الطرف الآخر" ويقرأ الرواية الفلسطينية.

يريد الصهاينة أن يصلوا إلى نتيجة مفادها: حق العودة للاجئين الفلسطينيين يعني تدمير إسرائيل! لكن الطالب الإيرلندي يقرأ أن حق العودة هو حق طبيعي، وقانوني، فردي وجماعي، وعليه سوف يسأل أكثر، هكذا يجد الصهاينة أنفسهم في موقع الدفاع، ومن يبرر أفعاله وجرائمه، ويقفوا عاجزين غير قادرين على تمثيل دور الضحية، التي صنعوها، واعتادوا عليها، و أمام حملات المقاطعة الشعبية التي تستند إلى قوة الحق وإلى الحقائق الدامغة – الحقائق التي يصنعها العدو بنفسه ويديه - يتغير الموقع. لم يعد بإمكانهم أن يجلسوا في كرسي القاضي والجلاد والضحية، كرسي من يسرق ويقتل ويحتل ويتهم ويحاكم ويصدر الحكم ثم يذرف دموع التماسيح في وقت واحد!


وتسأل إسرائيل أيضا:

لماذا لا يرضى العالم علينا ويريد أن يقاطعنا؟ يقول إن العرب في إسرائيل يتمتعون بحقوق متساوية كمواطنين، ويقول وافقنا أن يتقرر مصير المناطق في "يهودا والسامرة" على طاولة المفاوضات، انسحبنا من غزة، فماذا يريد العالم منا أكثر مما قدمناه؟ ثم يعودون ويخلصون إلى نتيجة "منطقية" واحدة: المقاطعة الدولية تهدف إلى نزع الشرعية عن إسرائيل. ولا يوجد أي سبب منطقي آخر!

هذا الموقف الصهيوني يمكن دحضه بسهولة، أمام حقائق الواقع كما أسلفنا، ولكنه موقف يقصر الطريق علينا، حتى تشق الأسئلة الفلسطينية المشروعة طريقها، وهي أسئلة الضحية، وهي الأسئلة ألاهم :

لماذا ترفض إسرائيل الاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم؟ لماذا يقف العالم عاجزا أمام تطبيق قرارات الشرعية الدولية؟ لماذا تكون إسرائيل فوق مبادئ القانون الدولي، ولا تُحاسب ولا تُسائل؟ ثم تعالوا نبحث في طبيعية هذه الدولة وشرعيتها. ونطرح سؤالا على العالم: ما هو مستقبل إسرائيل؟ وهل نجحت في مشروعها العنصري الاستيطاني بعد 65 عاما؟ هل استطاعت شطب الشعب الفلسطيني وإلغاء وجوده؟ هل جلبت السلام لليهود وللعرب وللمنطقة؟ إن الحقائق الأكيدة تقول إن وجودها في المنطقة كان، ولا يزال، بفعل قوى استعمارية كبرى، أرادت الهيمنة على المنطقة وخيراتها، إن إسرائيل صناعة استعمارية، وهي ليست مثل مصر وإيران وسوريا واليمن، بل ظاهرة استعمارية غربية، لا تنتمي للمنطقة. دولة لنظام قائم على الاحتلال والقهر ولاستيطان والتمييز العنصري. إسرائيل باختصار شديد: دولة فاشلة.

لم يعد بوسع إسرائيل أن تظهر في صورة الضحية المسكينة، هذا زمن ولى وانتهى، سقطت كل ذرائعها أمام صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة من النقب والمستمرة. حقائق القوة الاقتصادية والعسكرية التي يملكها العدو لا تمنحه شرعية، بقدر ما تؤكد عدم شرعيته وبقدر ما تؤكد أيضا أنه لا يمكن أن يكون الضحية.

ما هذه الضحية التي تملك 300 رأس نووي؟ كما أن الوحشية والعنصرية الإسرائيلية التي تمارس في وضح النهار وهذه الجرائم التي ارتكبتها آلة الحرب الإسرائيلية في فلسطين، وخاصة في قطاع غزة، وفي لبنان إنما تفضح صورة الاحتلال أمام قطاعات شعبية واسعة في العالم. إن استخدام الأسلحة المحرمة دوليا واستمرار بناء المستوطنات ومصادرة الأرض وسرقة المياه وخنق القرى والمدن الفلسطينية بالجدار والحواجز العسكرية وهدم البيوت واعتقال الأطفال وانتهاك حرمة المقدسات، وسياسة الأسرلة والتمييز العنصري بحق شعبنا في فلسطين المحتلة عام 48، كل هذه السياسات وكل هذه القوانين هي صور ونماذج يومية يراها العالم بوضوح أكثر حتى لو طنشتها الدول والحكومات بفعل الانحياز الأعمى لمصالحها، وبسبب الخلل القائم في موازين القوى، والذي يميل بالكامل تقريبا لصالح معسكر الاحتلال.

كما لم يعد كيان الاحتلال قادرا على إجترار تهمة اللاسامية ضد كل من ينتقد إسرائيل، وتسقط هذه الحجة الواهية أمام المشاركة الواسعة من اليهود في الحملات الشعبية الدولية المناهضة للاحتلال وللتمييز العنصري. وإن أهم الأسماء التي تقود حركة المقاطعة الدولية هم أصلا من اليهود في كندا والولايات المتحدة وإنجلترا وإيرلندا وجنوب أفريقيا وغيرها. ومن وجهة نظر هؤلاء، فإن الهدف من مشاركتهم في حملات المقاطعة ضد الاحتلال ليس فقط من أجل تحقيق العدالة في فلسطين وحسب، بل ولأن هذه الجرائم الصهيونية تمارس باسم يهود العالم أيضا، إن دولة إسرائيل شيء، واليهود شيء آخر تماما، هذه دولة احتلال ولا تمثل اليهود، ويجب أن لا تتحدث باسمهم بل يجب مقاطعتها. ويرفض هؤلاء استغلال الحركة الصهيونية للمذابح التي تعرض لها اليهود في زمن ألمانيا النازية لتبرر جرائم إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وتبرر حروبها المتواصلة ضد شعوب المنطقة.

إن حركة المقاطعة الدولية ليست بديلا عن مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، وليست بديلا عن المشروع القومي العربي الذي يجب أن ينهض ويسند النضال الوطني الفلسطيني، ولكنها بالتاكيد أحد الأسلحة الإستراتيجية الهامة التي سيكون لها دور حاسم في إلحاق الهزيمة بالمشروع الصهيوني في فلسطين. المقاطعة الشعبية الدولية تتسع دائرتها وتاثيراتها وسوف تتواصل وتستمر. ومع مرور الزمن واستمرار مفاعيل الصراع من الطبيعي أن تكثر أسئلة الاحتلال عن شرعيته، هذه ضرورة، ومعها يكبر قلق الاحتلال الإسرائيلي إلى حالة تشبه الهستيريا والخوف من العزلة، وصولا إلى حالة الإنكار، كلها سمات تسبق زوال ورحيل من لا شرعية له ولا قضية ولا مستقبل.

التعليقات