06/05/2016 - 15:51

الحكم الذاتي الثقافي .. من الشعار إلى التنفيذ

تهدف المؤسسة الإسرائيليّة إلى تشويه الهوية الفلسطينية، ما ينعكس على الحقل التربوي، حيث ترمي، من خلال فرض منهاج ملوث، إلى تنشئة جيل بمعايير مشوّهة، ذات نمط خاضع ومطيع، لا تمتلك أبسط المقومات للتحدي والتغيير، فتنشأ الأجيال المتعاقبة خاضعة و

الحكم الذاتي الثقافي .. من الشعار إلى التنفيذ

 

قام المشروع الكولونيالي الصهيوني في فلسطين، بالمقام الأوّل، على النيل من هوية الأرض والمكان ومحاولة تغيير معالم، ومنها وضوح ارتباط هذه الأرض بشعب له هوية واضحة. وما زال هذا المشروع يسعى للنيل من هوية الإنسان الفلسطيني ومحاولة تشويه هذه الهوية وانتزاعها من جذورها، إذ انعكس ذلك، على وجه الخصوص، في أوساط الشباب.

تهدف المؤسسة الإسرائيليّة إلى تشويه الهوية الفلسطينية، ما ينعكس على الحقل التربوي، حيث ترمي، من خلال فرض منهاج ملوث، إلى تنشئة جيل بمعايير مشوّهة، ذات نمط خاضع ومطيع، لا تمتلك أبسط المقومات للتحدي والتغيير، فتنشأ الأجيال المتعاقبة خاضعة ومستضعفة.

مطبقو هذه السياسة هم معلمون فلسطينيون تتنافى هويتهم القومية والمبادئ التي ترعرعوا عليها مع هذه السياسة، فوعي المعلم الفلسطيني بهويته القومية ورغبته في صقل وتعزيز هذه الهوية لدى طلابه، يتناقض مع المطلوب منه في خدمة الأهداف التي حددتها وزارة التربية والتعليم؛ ما يزيد من الضغوطات عليه ويقلل من فعاليته، حيث يعيش تناقضًا مستمرًا يشدّه تارة نحو التشديد والتأكيد على انتمائه القومي والهوية القومية الجمعية التي تجمع بينه وبين طلابه؛ وتارة أخرى نحو تربية 'مواطنين صالحين'. حقيقة الأمر أن المؤسسة الإسرائيلية تعي القوة التي يتمتع بها المعلم وقدرته على التأثير السياسي في طلابه، لذلك تضيّق المساحات المعطاة له للتعبير، وتفرض عليه شروطًا تقيّدُه .

نَشْهَدُ في الآونة الأخيرة تضييقًا على المعلم الفلسطيني ونشاطه السياسي الاجتماعي ومحاولة محاصرته والضغط عليه بلقمة عيشه، ومن جهة أخرى، هناك شريحة من المعلمين اختارت بوعي أو بدونه، أن لا تتفاعل مع ما يطرح خارج المنهاج، وأخد دور المحايد السلبي، الذي لا يمكنه تمرير قيم ومضامين وطنية خارج المنهاج المعطى، لذلك، نحن نحتاج إلى معلم تقوده بوصلة وطنية يتعامل مع مهنة التدريس من باب المسؤولية الوطنية إلى جانب المهنية، معلم مدرك لأهمية شخصه وتأثيره على طلابه، معلم يتعامل مع الكتب التدريسية بمسؤولية وبنظرة ناقدة مستقلة.

في ظل هذه المعطيات والوضع العام الذي يميز مدارسنا، أصبح  الحديث عن مشروع الحكم الذاتي الثقافي على المستوى التربوي التعليمي ضرورة قصوى، ولكن يبقى المطلب الآن تحويله إلى مشروع تنفيذي متكامل، يحمل مضامين تؤسس لمرحلة بناء المؤسسات والاستقلالية الثقافية، ما يجعلنا نحافظ على هوية طلابنا ومدارسنا من أي تشويه.

وإذا ما أمعنّا النظر في واقعنا الحالي، نجد أن 'التجمع' هو الحزب الوحيد الذي يطرح رؤية ويقدّم حلًا: مشروع الحكم الذاتي الثقافي، الذي يعني أن ندير شؤوننا التعليمية والثقافية بأنفسنا باستقلالية، حيث يعرض 'التجمع الوطني الديمقراطي' برنامجه، مؤكدًا فيه على أهمية الحكم الذاتي الثقافي للمجتمع الفلسطيني في الداخل، محاولًا، من خلال ذلك، انتزاعَ الحقوق الثقافية والخصوصية في تذويت القيم من خلال بناء مؤسسات ذاتية، وبإدارة ذاتية أيضًا، وعلى رأسها قضايا الثقافة والتعليم. لكن عشية المؤتمر السابع، يبقى هذا السؤال مطروحًا حول تنفيذ هذا المشروع، خصوًصا أن التجمع، حتى الآن، يطرح مشروع الحكم الثقافي على المستوى الشعاراتي، حيث لا توجد أيّة إستراتيجية لبناء هذا المشروع على أرض الواقع.

عشرون عامًا على تأسيس التجمع، وأكثر، تقول إنه قد آن الأوان إلى البدء في تنفيذ مشروع الحكم الذاتي الثقافي، ولربما هناك الكثير من الاقتراحات وكذلك القادرين على تنفيذها، لكن يتبقّى لنا أن نولي أهمية خاصة لهذا الجانب. فأنا أعتقد أن هناك ضرورة ومسؤولية وطنية ديمقراطية جماعية لنا بفرض تحديات لمقارعة المؤسسة الإسرائيلية، نحوَ تغيير جذري في الحقل التربوي، وأبرز ما يمكن البدء الفوري في عمله:

- تأسيس الدائرة التربوية التي تضم معلمين، مستشارين، عاملين جماهريين، مسؤولي النشاط الاجتماعي اللامنهجي (كنت قد بادرت لبداية تأسيسها في اجتماع أولي مع رفاق يعملون في السلك التربوي وسنستمر في ذلك). بإمكان الدائرة أن تكون المرجع الثقافي، وكذلك الداعم الأساسي للمعلم الفلسطيني، كجسم بمقدرته ترشيد المعلم حول كيفية التعامل مع هذا الواقع المركب، بما يتلاءم مع مصلحة الطالب وقيمنا الوطنية، قوانين، حقوق، ووضع سياسة عامة كذلك. فيحتاج المعلم، في معظم الأحيان، إلى جسم داعم يستطيع أن يغير نمط ونهج ما يحدث في الأطر التعليمية، وهذه الدائرة، باعتقادي، من الممكن أن تؤسس ذلك، إلى جانب طرح منهاج بديل، يضم فعاليات لا منهجية، أيضًا، تستطيع أن تأخذ مكانة ومرجعية للمعلم.

- رياض أطفال: تحمل رياض الأطفال مضامينًا ومنهاجًا بديلًا، يرسخ لدى الطفل الفلسطيني قيمًا إنسانية، وطنية وديمقراطية، وما أحوجنا إلى ذلك.

- مدرسة ثانوية نموذجية تحمل فكرًا وطنيًا ديموقراطيًا تطرح منهاجًا بديلًا لما يترتب على المدارس فعله والقيام به.

أعتقد جازمةً أن 'التجمع' قد أحدث تغييرًا كبيرًا على الساحة السياسية وكذلك في سقف الخطاب السياسي، لكن الأوان قد آن لأن يكون المؤتمر السابع رافعة للمفهوم الثقافي، الذي يشكل حجر الزاوية في المشروع الوطني في الداخل وفي مقارعة المؤسسة الإسرائيلية، التي تهدف، في نهاية المطاف، إلى خلق حالة شعبية حول خطابنا السياسي الثقافي.

اقرأ/ي أيضًا للكاتبة| العروبة والإسلام: اتصال أم انفصال؟

التعليقات