30/04/2018 - 13:57

سامي طه قائد لم ينصفه شعبه

قبل أيام قليلة مررت بمحاذاة مقبرة القسام في بلد الشيخ (نيشر حاليًا)، مررت فوق الجسر الذي أقيم فوق المقبرة، استدرت، وعدت، ثم دخلت إلى المقبرة بنيّة قراءة الفاتحة لأرواح من فيها، وقصدت بالذات ضريح النقابي الفلسطيني العريق الشهيد سامي طه.

سامي طه قائد لم ينصفه شعبه

قبل أيام قليلة مررت بمحاذاة مقبرة القسام في بلد الشيخ (نيشر حاليًا)، مررت فوق الجسر الذي أقيم فوق المقبرة، استدرت، وعدت، ثم دخلت إلى المقبرة بنيّة قراءة الفاتحة لأرواح من فيها، وقصدت بالذات ضريح النقابي الفلسطيني العريق الشهيد سامي طه.

كنت قد رأيت اسمه على شاهد أحد الأضرحة قبل بضع سنوات خلال عمل تطوعي، إلا أنني هذه المرة وجدت شواهد القبور كلها وقد طُليت بالكلس الأبيض الكثيف، ولم يعد ممكنا التعرف على الأسماء المنقوشة عليها والمتآكلة، ربما بعد أن يذوب الكلس تعود الأسماء لتظهر من جديد.

سامي طه نقابي فلسطيني كبير، بل أكبرهم، للأسف قلائل من يعرفونه، علمًا أنه لا يقل أهمية في التاريخ الفلسطيني عن عز الدين القسام.

اسمه من المرحوم والدي الذي كان عمره خمسة عشر عامًا عندما اغتيل هذا القائد العمّالي عام 1947.

في الحقيقة، قلائل هم الذين يعرفون من هو سامي طه، فقط بعض الدارسين لتاريخ العمل النقابي في فلسطين، كذلك رأيت مقالا للمختص في الشأن الحيفاوي، المؤرّخ الدكتور جوني منصور تطرق فيه إلى شخصية سامي طه في أحد مقالاته عن وادي الصليب في حيفا حيث كان مقر النقابة.

ولد سامي طه عام 1913 في قرية عرابة جنين، انضم للنقابة في حيفا ونشط فيها، وكان يتقن اللغة الإنجليزية جيدًا، ثم انتخب رئيسًا للنقابة عام 1944 في المؤتمر الذي عقد في يافا، وشغل المنصب حتى اغتياله في أيلول/ سبتمبر عام 1947.

تعرّض طه للاعتقال على يد السلطات البريطانية بين الأعوام 1937 إلى 1938 لفترة ستة أشهر وذلك بسبب مواقفه المناوئة للاستعمار البريطاني.

وكانت "جمعية العمال العرب الفلسطينية" قد تأسست كجمعية خيرية عام 1920، أسسها عمال سكك الحديد، فأقاموا صندوقًا بهدف مساعدة عائلات العمال المرضى ودعم عائلات المتوفّين منهم.

الجمعية عبد الحميد يحمور، وفي عام 1925 أطلقوا عليها اسم "نادي عمال سكك الحديد الخيري". ثم سُجّلت رسميًا كجمعية للعمال بعد موافقة الحكومة البريطانية.

وضم المؤتمر الثالث للجمعية عام 1947 قبيل اغتيال طه، 120 نقابيًا مثّلوا 120 ألف عامل عربي من 65 فرعًا في فلسطين.

سامي طه في الهستدروت الصهيونية خطرًا على فلسطين، ودعا لأن تكون النقابة العربية الفلسطينية هي الممثل الوحيد للعمال العرب في فلسطين.

شارك في مؤتمر النقابات الدولي في لندن، في شباط 1945 ومعه المستشار القانوني للنقابة حنا عصفور.

بذل جهدًا لتفنيد فكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين، وتصدّى لممثل الهستدروت الذي حاول الظهور كممثل للعمال العرب واليهود في فلسطين، علمًا أن الهستدروت لم تضم إليها سوى العمال اليهود في حينه.

دافع طه عن حقوق عمال فلسطين، الذين عمل معظمهم في الموانئ والمستشفيات والقطارات ومخازن السلاح وغيرها تحت الإدارة البريطانية.

أعلنت النقابة إضرابًا في العاشر من نيسان عام 1946، مطالبة بحقوق العمال العرب حتى رضخت حكومة الانتداب لكل مطالبها، الأمر الذي أكسب النقابة شعبية هائلة.

النقابة على دعم الفلاح الفلسطيني، وشراء الأرض الفلسطينية ممن يريد بيعها عن طريق الجامعة العربية لمنع تسرّبها لليهود.

في العام 1947 اعترفت (الهيئة العربية العليا) برئاسة الحاج أمين الحسيني بأهمية الجمعية واختارت سامي طه ضمن وفدها إلى لندن لبحث قضية فلسطين، وقد نشرت النقابة بيانًا لعمال العالم وهيئة الأمم المتحدة تطالب بإلغاء الانتداب وإعلان استقلال فلسطين.

في تاريخ 12-9-1947، اغتيل سامي طه بينما كان متوجّها إلى بيته في عمارة الحاج خليل طه في شارع صلاح الدين في الحليصة في حيفا، حيث أطلق عليه مجهولٌ ثماني رصاصات أصابته في الرأس ففارق الحياة.

وشيع عشرات الآلاف جثمانه، ودفن في مقبرة بلد الشيخ، لا يبعد ضريحه عن ضريح القسام سوى بضع عشرات من الأمتار.

إلى جانب جمعية العمال العرب الفلسطينية، كان هناك حراك نقابي فلسطيني عربي واسع، فقد أسس ميشيل متري (جمعية العمال العرب) في يافا، ولكنها استمر ت من 1934 – 1937 فقط.

دعت هذه الجمعية لإقامة حاميات مسلّحة للمدن العربية على غرار الحاميات اليهودية، قُتل ميشيل متري عام 1936. وتوقّف نشاط الجمعية عام 1937.

كذلك أسس بولس فرح عام 1942 اتحاد نقابات العمال العرب في حيفا، ومعه عدد من الشيوعيين، ثم انضم إلى مؤتمر نقابة العمال العربية الفلسطينية.

كذلك تأسست عصبة التحرر الوطني عام 1944 من شبان مثقفين فلسطينيين. وفي العام 1945 تأسس مؤتمر العمال العرب.

لن نخوض هنا في الخلافات وأسبابها بين مختلف الجمعيات والنقابات ونشطائها، التي تعلقت بالموقف من الهجرة اليهودية ثم العلاقة بالهيئة العربية العليا والموقف من التقسيم، ومن العلاقة مع الاتحاد السوفييتي، ولكن مهما كانت الخلافات بين مركبات الحركة العمالية الفلسطينية، كيف يمكن إهمال شخصية مثل سامي طه ونقابته التي انضوى عشرات الآلاف تحت لوائها؟؟ ماذا يعرف شيوعيو بلادنا وخصوصًا أبناء الشبيبة الشيوعية عن الحركة النقابية في فلسطين قبل النكبة؟ ومن الذي يحول دون إطلاع الجماهير على التاريخ النقابي الفلسطيني؟

على الأرجح أن هناك سياسة منهجية حاولت وتحاول طمس ومحو المختلفين بالرأي والموقف، وإبقاء رواية أحادية الجانب عن دور الحزب الشيوعي الإسرائيلي وقبله الحزب الشيوعي الفلسطيني (حزب المهاجرين اليهود) وعصبة التحرر الوطني، وطمس كل ما عدا ذلك.

سامي طه أقرب إلينا بكثير من نقابيي وعمال شيكاغو الذين نمشي في ذكرى إضرابهم في الأول من أيار عام 1886؟.

اقرأ/ي أيضًا | الأفضل تأجيل المجلس..

التعليقات