06/06/2019 - 18:00

مصوّرون عند خط النار: حكايات عدساتٍ غزيّة

لعدسات المُصورين الفلسطينيين التي ترصد جرائم الاحتلال الإسرائيلي نصيبًا كبيرًا من هذه المُلاحقات والاعتداءات المستمرة طوال مسيرتهم الصحفية، برزت هذه الملاحقات مؤخرًا ضد الصحفيين الذين ترصد عدساتهم أحداث مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة: نرصد في هذا التقرير تجارب

مصوّرون عند خط النار: حكايات عدساتٍ غزيّة

(أرشيفية - أ ف ب)

لعبت الصورة الصحفية دورا بارزا في نقل الهم الإنساني على مدار الصراعات والحروب في جميع أماكن النضال حول العالم. إيقاف لحظة من الزمن لتبقى شاهدة على حدث للأبد، هكذا بدت الأمور، ومن هنا قدسية الصورة، وعن ذلك يقول الكاتب الروسي إيفان تورغينيف إن "ما يمكن أن تقوله صورة ما، لا يمكن أن يقوله كتاب في ألف كلمة"، وهذا ما يجعل عدسة الكاميرا هدفًا لمن تُوثَّق مجازرهم في أماكن النزاعات والحروب.

ولعدسات المُصورين الفلسطينيين التي ترصد جرائم الاحتلال الإسرائيلي نصيب كبير من هذه المُلاحقات والاعتداءات المستمرة طوال مسيرتهم الصحفية، برزت هذه الملاحقات مؤخرًا ضد الصحفيين الذين ترصد عدساتهم أحداث مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، بعد أن وصلت صورهم إلى العالم أجمع وحصدت جوائز عالمية، نرصد في هذا التقرير تجارب بعضهم.

عدسة مُصابة

ياسر قديح

عمل المصور الصحافي ياسر قديح (35 عامًا) خلال مسيرته الإعلامية على تغطية الحروب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة ويوميات الناس في المدينة لصالح العديد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية منذ العام 2004، إلى أن أطلق عليه جندي إسرائيلي رصاصة متفجرة أصابت منطقة البطن في إصابة وصفتها الجهات الطبية في حينها بالخطيرة، لتبدأ رحلته الطويلة مع العلاج أملًا بالعودة إلى ممارسة "مهنة المتاعب" التي يُحبها من جديد.

يقول قديح في حديثه لـ"عرب 48": "تمر علينا الكثير من اللحظات الصعبة خلال تغطيتنا الصحفية للأحداث، ونكون معرضين فيها للإصابة والخطر طوال الوقت، حيث تبدو المسافة ما بين الحياة والموت قصيرة، وعبورها يستغرق وقتًا أسرع من حركة تلقائية تقوم خلالها بإغلاق فتحة عدسة الكاميرا".

بعدسة قديح

وعن إصابته الأخيرة يقول: "كانت إصابتي في مسيرات العودة من أصعب المواقف التي تعرضت إليها خلال حياتي المهنية، حيث كان الموت على مقربة مني، في لحظة استذكرت فيها مشهد استشهاد الصديق فضل شناعة، مصور وكالة ‘رويترز‘ في غزة في نيسان/ أبريل 2008".

أن تكون مصورًا صحافيًا في غزة، يعني أن تضع إصبعك على زر التصوير في مقابل من يضع إصبعه على زناد السلاح، ويتملكه شعور بأنك أقوى منه، يعني أن تخسر الكثير من تفاصيل حياتك مقابل انتظار التقاط اللحظة التي سيخلدها التاريخ، لكن الشغف بالصورة يجعل التخلي عنها أمرًا مستحيلًا وعن ذلك يقول قديح: "لو أردت التخلي عن عدستي لكان ذلك مع أول إصابة تعرضت لها وأول زميل فقدناه، لكن التصوير في دمي".

بعدسة قديح

واستطرد "أنا أعمل من أجل رسالة واحدة وهي نشر الحقيقة للعالم، فالصورة تروي حكاية شعب بأكمله، والاحتلال يخشى الحقيقة ويحاربها، لأنه يدرك تماما أن الصورة هي التي تفضح ممارساته، ويجند كل طاقاته الإعلامية في كل أنحاء العالم لتحسين صورته ومحاربتنا".

رصاصة متفجرة

مع بداية الانتفاضة الثانية في العام 2000 بدأ الصحافي الغزّي محمد البابا (50 عامًا) العمل في جريدة "الأيام" المحلية، برصد قصص الفلسطينيين جنوب قطاع غزة، واقتنى كاميرا صغيرة لتساعده في توثيق القصص التي يكتبها، وسرعان ما تطور الأمر معه ليبدأ بالعمل مصورًا لصالح "الوكالة الفرنسية للأنباء" (أ ف ب) عام 2001. ليصبح المصور الرئيسي لها في القطاع بحلول عام 2003، يدور بين أحياء وشوارع غزة ليرصد أوجاع الناس، بيوت مدمرة، جنازات، مسيرات تشييع، قصف مستمر، انتظار أمام المعابر، وتفاصيل أخرى.

محمد البابا

حياة مهنية طويلة عاشها البابا مع عدسته قبل أن تُصيبه هذه الرصاصة الغادرة، فيستذكر في حديثه لـ"عرب 48"، لحظات مفصلية أثناء عمله الصحافي، خاصة في عام 2008، حينما استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي قطاع غزة بالقنابل الفسفورية المُحرمة دوليًا. تمكّن البابا من تصويرها وهي تسقط على النازحين المحتمين بمدرسة الفاخورة في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، ويذكر كم كانت هذه اللحظات مؤثرة ومهمة في نفس الوقت لتوثيق اللحظة التي تسقط فيها قنابل الفسفور على الناس العُزّل دفعات متتالية.

في حزيران/ يونيو 2018، وخلال تغطية البابا لأحداث مسيرات العودة، وبالرغم من ارتدائه بزّته الصحفية، اخترقت رصاصة إسرائيلية قدمه اليُمنى لتصيبه إصابة مباشرة، وعن هذه اللحظة يقول: "كانت الإصابة بالنسبة لي موقفًا مدهشًا وصادمًا، بعد حوالي عقدين من العمل بحذر خلال التغطيات الصحافية، وارتداء كل ما يتعلق باحتياطات الأمن والسلامة أثناء العمل الصحافي، إلا أنّ هذا العمل يبقى محاطًا بالمخاطر التي تنال من الكثير من رواده".

الصورة التي عناها البابا في حديثه لـ"عرب 48"

"تمسني الصورة من الجانب الحسي، أتعايش معها باستمرار لدرجة أني بت مقتنعًا أن الصورة الصامتة قد تكون أقوى من ألف تقرير، ورغم أن العمل الصحافي في بلادنا أمر يعرضك للخطر، إلا أنه يجعلك أكثر إيمانا برسالتك، وأكثر قوة في الميدان، وتشعر بقيمتك الإنسانية وأنت تخاطر بنفسك، من أجل تجسيد التاريخ الذي سيشهد له العالم"، بهذه العبارات تحدث البابا عن علاقته بالصحافة، بعد عام على إصابته وتمكنه مؤخرًا من العودة لممارسة عمله بشكل جزئي، إلا أنه يحتاج لسنوات حتى يتعافى كليًا من آثار الإصابة التي قيدت حركته.

بعدسة محمد أديب البابا (أ ف ب)

دور عظيم هذا الذي يقوم به المصورون الصحفيون في فلسطين لرصد الجرائم الإسرائيلية بعدساتهم التي تسعى بكل قوة إلى ردعهم عن ذلك، غير أن المحتل لا يزال يطمع حتى بأن يمارس احتلاله بعيدًا عن عين الحقيقة، وهذا ما رصدته الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي عن حرية الصحافة في فلسطين لعام 2018، حيث بلغ مجموع انتهاكات الاحتلال ضد الصحافيين حوالي 679 انتهاكا، بارتفاع مقداره 10% تقريبا عنها في العام 2017.

بعدسة البابا (أ ف ب)

وسجل شهر أيار/ مايو، الشهر الذي نقلت فيها الإدارة الأميركية سفارتها لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، أعلى نسبة لانتهاكات الاحتلال بحق الإعلاميين الفلسطينيين والمؤسسات والحريات الإعلامية بواقع 106 انتهاكات، يليه شهر نيسان/ أبريل بواقع 81 انتهاكًا، واستشهد خلال العام الماضي صحافيان اثنان، هما ياسر مرتجى وأحمد أبو حسين، فيما أصيب العشرات بإصابات مختلفة. وبالرغم من التحذيرات والمطالبات المستمرة التي تُطلقها المؤسسات الدولية لحماية الصحافيين في فلسطين إلا أن إسرائيل تستمر في اللامبالاة لذلك.

بعدسة قديح
بعدسة البابا
بعدسة قديح
بعدسة البابا

التعليقات