التنمر قد يؤدي إلى حالات صعبة كالانتحار

السيدة رويدة منصور قسيس

 

 

 

مستشارة تربوية 

وأخصائية بالعلاج المعرفي السلوكي (CBT)

 

 

 

 

 

 

التنمّر المدرسيّ هو نوع من أنواع العنف المدرسي وهو ظاهرة اجتماعية منتشرة والتي تؤثر سلبًا على العديد من الأطفال والمراهقين.

يُعرِّف الباحث النرويجي "دان أولويس (1991)" بأن التنمر المدرسي: هو سلوك عُدواني متكرِّر، مستمر ومُتَعمَّد من قبل طالب أو مجموعة طلاب على طالب آخر بهدف إلحاق الضرر به وإيذائه، وغالبًا ما يكون تفاوت بالقوة بين الطالب المتنَمِّر والمتنمَّر عليه، أي يتنمر الطلاب الأقوى على الأضعف منهم بدنيًا ونفسيًا.

- تجدر الإشارة هنا بأنه من المهم التمييز بين التنمر المدرسي وبين باقي حالات العنف والمشاجرات الأخرى التي تحدث بين الطلاب، بناءً على ثلاثة عوامل أساسية:

* التنمر يجب أن يكون متعَمَدًاَ، ويمارَس بين نفس الطلاب، ولفترة زمنية معينة، وليس حدثا عابرا،  ويجب أن يكون به تفاوت للقوى بين المعتدِي والضحية كما ذُكر سابقًا.

أنواع التنمر المدرسي:

- التنمر الجسدي: ممارسة عنف جسدي متكرر بهدف الإيذاء وإلحاق الضرر مثل الضرب، الدفع، أخذ ممتلكات الاخرين عنوة أو إلحاق الضرر بممتلكات الآخرين.

- التنمر الكلامي : الإهانة والسخرية المتكررة والتفوه بتعليقات سلبية على مظهر وممتلكات طالب معين واستخدام الألفاظ النابية عند التحدث معه.

- التنمر الاجتماعي: نشر الشائعات بغرض تشويه سمعة طالب معين أو الانفراد ببعض الأصدقاء واستبعاد آخرين من المجموعات ومقاطعتهم اجتماعيًا، غالبًا ما يكون هذا النوع من التنمر منتشر لدى الطالبات أكثر من الطلاب.

- التنمر الإلكتروني: استخدام الطلاب المتنمرين لوسائل التواصل الاجتماعي بغرض إيذاء زملائهم أو مضايقتهم أو نشر معلومات مسيئة عنهم، وأحيانًا يقومون بإخفاء هويتهم مما يخيف الطالب المُتنمَّر عليه ويسبب له الشعور بعدم الأمان. 

الأدوار التي يلعبها الطلاب في عملية التنمر: 

 تشير الدراسات المختلفة على أن التنمر المدرسي يشمل أدوارًا مختلفة يمكن أن يلعبها الطلاب، وتتفاعل هذه الأدوار مع بعضها البعض لتشكيل ديناميكية التنمر داخل البيئة المدرسية وأيضُا خلال التنمر الإلكتروني. 

المتنمِّر (المعتدي) : الطالب الذي يبادر إلى السلوك التنمري يقوم باستخدام القوة الجسدية والعنف الكلامي لإيذاء الآخرين والسيطرة عليهم .

المساعد (المعاون) : يدعم ويساعد  المتنمِّر ويقوم بتنفيذ السلوك التنمري (على سبيل المثال الإمساك بالضحية).

المشجع : يقوم بالتشجيع والهتاف للسلوك التنمري ويقوم بالسخرية من الضحية ولكنه لا يؤذي جسديًا؟.

المشاهد : يشاهد أو يعلم بحدوث التنمر ولكن لا يتدخل لوقفه أو منعه.

الضحية : هو الشخص الذي يتعرض للتنمُّر. 

المدافع : يتدخل للدفاع عن الضحايا أو للتصدي للمتنمرين، يحاول إقناعهم بالتوقف عن التنمر ويقف إلى جانب الضحية.

تأثير التنمر على الضحية  نفسيًا، اجتماعيًا وسلوكيًا : 

تشير الدراسات المختلفة إلى وجود علاقة بين التعرض للتنمر ومتغيرات شخصية ونفسية عديدة، والتورط بسلوكيات خطرة مثل الخوف، القلق، فقدان الشعور بالأمان، تصور ذاتي متدنٍ، الإرهاق، شرب الكحول، تعاطي المخدرات، هرب من البيت، اكتئاب وأفكار انتحارية ومحاولات انتحارية.

دور الأهل في رفع الوعي، الكشف والتعامل مع ظاهرة التنمر :

يلعب الأهل دورًا اساسيًا في تربية وصقل شخصية أبنائهم، بناء على ذلك وعليهم، توفير الأمان والحماية، الإرشاد، الدعم والتوجيه لأبنائهم، وفهمهم وهذا يكون بمثابة البوصلة، المنارة والمِرساة التي تساعد السفينة على الإبحار بأمان وتحدي العواصف والمخاطر ومواجهة الأزمات للأولاد.

الأهل كالبوصلة: من أجل الكشف عن التعرض للتنمر علينا توجيه وإرشاد أبنائنا للطريق الآمن، فعلينا أن نرفع لديهم الوعي لظاهرة التنمر وعواقبها من جيل صغير، ونغرز بهم قيم الاحترام والشعور مع الآخرين والمسؤولية الذاتية والاجتماعية، وعدم المَسِّ بالآخرين والسخرية منهم، ونعلمهم كيف يحمون ويدافعون عن أنفسهم وعن الآخرين في حال تعرضوا للتنمر، حيث يقومون بالتبليغ وطلب المساعدة، ففي هذه الحالة اذا قام الأبناء بمشاركة أولياء أمورهم عند تعرضهم للتنمر المدرسي، فسوف يسهل علينا الكشف المبكر ومعالجة الموضوع بسرعة، والحد من تفاقم المشكلة. 

الأهل كالمنارة: من الممكن أن يقوم بعض الطلاب بإخفاء تعرضهم للتنمر عن أولياء أمورهم، ربما خجلا أو ضعفا وعدم الشعور بالأمان، أوخوفا من ردة فعلهم، لذا فعلينا كأهل أن نكون كالمنارة التي تكشف عن الأضواء الحمراء والعلامات التي تشير إلى حالات تنمر عليهم: 

• عودة الأبناء من المدرسة مع علامات عنف متكررة مثل كدمات، خدوش، ملابس ممزقة وما شابه. 

• ظهور علامات التوتر والقلق على الأبناء.

• فقدان الاهتمام والرغبة بالذهاب إلى المدرسة وعدم المشاركة بفعاليات مدرسيّة.

• تجنب أماكن معينة في المدرسة.

• تدني في التحصيل الدراسي.

• صعوبة النوم.

• العزلة والاكتئاب.

الأهل كالمرساة :  المرساة الهادفة لتوفير الشعور بالأمان للأبناء وتعزيز ثقتهم بأنفسهم وتقديرهم لذواتهم، من خلال تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية في شخصيتهم وتعليمهم كيفية حماية أنفسهم. توفير بيئة داعمة ومصغيّة  للابناء وإعطائهم الشرعية بالتعبير عن مشاعرهم، السلبية والإيجابية، وتخصيص الوقت الكافي للتحدث إليهم وتلبية احتياجاتهم العاطفية ودعمهم، كما وعلينا أن نكون نحن بأنفسنا قدوة لهم من خلال تعاملنا مع الآخرين  احتراما لهم ولأنفسنا، وتقبلنا للمختلفين عنا.  

ما هو دور المدرسة في علاج التنمر المدرسي؟

تلعب المدرسة دورًا أساسيًا في الحد من ظاهرة التنمر من خلال الكشف عن حالات التنمر وعلاجها وتمرير برامج توعوية للطلاب، المعلمين والأهل، حيث يتم مكاشفة الطلاب للمخاطر والعواقب التي من الممكن أن تؤثر على ضحايا التنمر، وحثهم على التوجه لطلب المساعدة والتبليغ عن حالات التنمر، في حال شهدوا عليها،

كما ويجب رفع الوعيّ لدى المعلمين لمدى أهمية وجودهم العاطفي في حياة طلابهم بالتعامل معهم "كبالغين ذو أهمية"، وحضورهم الفعليّ من خلال إشرافهم ومراقبتهم للطلاب.

على المدرسة التعامل مع ظاهرة التنمر بشكل مهني وجدي وفقًا للقوانين وبمشاركة أولياء الأمور والجهات المختصة في حال لزم الأمر، مثل الشرطة ومكتب الخدمات الاجتماعية. 

وأخيرًا..

أود التأكيد على أنه، كما هو معروف، فإن مفتاح النجاح في السيرورة التربوية، هو التعاون المشترك ما بين الطلاب، الأهل والمعلمين، هذا الأمر ينطبق ايضًا في تعاملنا مع قضايا العنف بشكل عام والتنمر المدرسيّ بشكلٍ خاص.  

 

(ملاحظة من موقع والدية:

أثناء كتابة المرشدة التربوية رويدة منصور قسيس لمقالها القيم أعلاه،

بلغنا عن قصة انتحار لفتاة في المرحلة الثانوية، وقد عانت من التنمر والسخرية بسبب مرض البُهاق وتغيير في لون جلدها، وقد وصل الحال إلى وضع صعب جدا، والملفت على ما يبدو أن الموضوع لم يتم علاجه بشكل سليم في كل من الهيئات التي كان من المفروض أن تتدخل. وعلى أثر التنمر وجدت الفتاة في منزلها ميتة انتحارا.

ولا يزال التحقيق والقضاء يبحثون في هذا الأمر)

تحرير: سوسن غطاس موقع والدية برعاية موقع عرب 48