يحدث كثير أن تجد نفسك قد انخرط بجدال ما على الإنترنت، وذلك مع انتشار الإعلام البديل ومواقع التواص الاجتماعي، خاصة مع أيامنا المفعمة بالتوترات السياسية. إنها أداة عظيمة، إلا أنها تشعل الخلافات وتكرس للاختلاف، وتنشر حالة الانقسام.

تشير مقالة كلاسيكية من أحد رواد الإنترنت إلى وجود طريقة للتعامل مع هذه الطاقة الإيجابية في العالم الإلكتروني، (الجدال والمناقشة) والاختلاف مع الناس من دون إثارة الغضب، وهو درس يتسع ليشمل أساليب المحاجة والنقاش خارج حدود الشبكة.

بول غراهام هو مبرمج حاسوب إنجليزي حاصل على شهادة من جامعة هارفارد، وهو رائد أعمال ناجح، وممول مشاريع وكاتب أيضًا. قام بإعداد أول برنامج "متجر إلكتروني"، والذي باعه لموقع "ياهوو" وكان أحد مؤسسي Y Combinator المشهورة، وهي حاضنة مولت أكثر من 1500 مشروع مثل "دروب بوكس" و"إيربنب" و"ريديت" و"كوينبيس". درس غراهام أيضًا الرسم في أكاديمية "دي بيلي أرتي" في فلورنسا، ومعهد جزيرة رود للتصميم، بالإضافة للفلسفة في جامعة كورنيل.

أطلق عليه الصحفي التقني ستيفن ليفي لقب "قرصان الفلسفة"، وكتب غراهام في عددٍ من المواضيع على مدونته " paulgraham.com"، والتي حصلت على 34 مليون زيارة في عام 2015. وأحد أهم مقالاته الراسخة، المقالة الكلاسيكية المعنونة بـ "كيف تختلف؟" حيث وضع غراهام هرمًا للاختلاف، لا تزال تحظى براهنية إلى اليوم كما كانت عليه عندما نشرت أول مرة في عام 2008.

في مقالته هذه، أشار غراهام إلى أن "الشبكة باتت تحول الكتابة إلى حوار"، معتبرًا أن الإنترنت قد أصبح مساحةً غير مسبوقة للحوار. وبشكل خاص، إنه يسمح للناس بالاستجابة للآخرين عبر التعليقات وفي المنتديات وبأزرار الإعجاب. ويخلص إلى أنه عندما نرد على الشبكة، فإننا نميل للاختلاف.

ويقول إن هذا الميل نحو الاختلاف مترسخ جدًا في التجربة الإلكترونية لأنه عند حصول الاختلاف، يميل الناس لقول الكثير من الكلام في مقابل ما يحدث عندما يكونوا في حالة اتفاق. ومن الأمور المثيرة للاهتمام، يشير غراهام إلى أنه بالرغم مما نشعر به عندما نمضي وقتًا طويلًا في قسم التعليقات، فإن العالم لا يزداد غضبًا واحتقانا بالضرورة. لكن يمكن أن يحدث ذلك إذا لم نمارس ضبطًا للنفس عندما نختلف.

ونصح بأن نختلف بشكل أفضل، وهو ما سيؤدي إلى حوارات أفضل ونتائج أكثر سعادة؛ وفي هذا السياق، يقدم غراهام هذه المستويات السبعة لهرم الاختلاف:

المستوى 0: المناداة

ويعتبر غراهام هذا أقل مستوى من الجدال. يأتي هذا عندما تنادي بالأسماء. قد يكون ذلك فظًا عندما تقول أشياءً بطريقة مستفزة مثل "أيها الـ!!!!!" أو بطريقة ملفتة (لكن مع ذات التأثير) مثل، "الكاتب مهووس ومتمركز حول ذاته"، بحسب ما كتب عالم الحاسوب.

المستوى 1: الشخصنة

إن جدالاً من هذا النوع يهاجم الشخص بدلًا من النقطة التي يتحدث عنها. إنها تعمل بطريقة ما على الحط من رأي شخص ما عبر الحط من قيمة الشخص الذي يعبر عن هذا الرأي، من دون الإشارة المباشر إلى ما يقولونه. ويشير غراهام إلى أن "السؤال هو ما إذا كان الكاتب صائبًا أم لا".

المستوى 2: الاستجابة للنغمة

هذا مستوى أعلى بقليل في الاختلاف، عندما يتحول الجدال من الهجوم الشخصي إلى مناقشة مضمون الحجة. إن أقل أشكال الاستجابة للكتابة هو الاختلاف مع نغمة الكاتب، وذلك بحسب غراهام. فعلى سبيل المثال، قد يشير أحدهم إلى الأسلوب "المتعجرف" أو "الوقح" في طريقة صياغة الرأي. لكن لماذا يعد هذا شيئًا مهمًا أصلًا، خاصة وأن الحكم على النغمة قد يكون ذاتيًا بعض الشيء؟ ركز على المضمون، ويقول غراهام ناصحًا: "إن الأمر الأهم هو ما إذا كان المؤلف يقول الخطأ أم الصواب وليس نغمة حديثه".

المستوى 3: المعارضة

هذا شكل أرقى في تحديد المضمون الفعلي للحجة. في هذا النوع من الاختلاف، تقوم بتقديم حالة معارضة لكن مع دليل ضعيف جدًا. حيث تشير بكل بساطة إلى ما تعتقد أنه صحيح، بالتناقض مع موقف الشخص الذي تجادله. يعطي غراهام هذا المثال:

"لا أستطيع تصديق أن الكاتب يرفض نظرية التصميم الذكي في مثل هذا الأسلوب المتعجرف. إن نظرية التصميم الذكي نظرية ذات أصالة علمية".

المستوى 4: الحجة المضادة

يرتفع المستوى في النقاش نحو الوصول إلى اختلافات أكثر إنتاجية. إن الحجة المضادة هي معارضة مدعمة بالدليل والمنطق. عندما "تتوجه مباشرة للحجة الأصلية، يمكن أن تكون مقنعًا"، بحسب ما كتب غراهام. ولكن ومع الأسف، عادة ما تنتهي الجدالات المفعمة بالعواطف إلى قيام كلا الطرفين بالجدال حول أمور خارج السياق.

المستوى 5: التفنيد

هذه أفضل أشكال الإقناع عند الاختلاف، من وجهة نظر غراهام. لكنها تتطلب طريقةً معينة من العمل لا يؤديها الناس عادةً. وبشكل عام، كلما صعدت أكثر في هرم الاختلاف، "كلما قلت الأمثلة عليها".

أحد الطرق الجيدة لتفنيد حجة شخص ما هو اقتباس شيءٍ من كلامهم واختيار ثغرة فيه لتظهر وجود فجوة. من المهم إيجاد اقتباس فعلي يُختلف عليه وتحديد طبيعته.

المستوى 6: تفنيد النقطة المركزية

يعد هذا التكتيك من "أقوى أشكال الاختلاف"، بحسب غراهام. فهو يعتمد على ما تتحدث عنه لكنه يتضمن وبشكل كبير تفنيدًا لنقطة مركزية في حجة شخصٍ ما. هذا يتعارض مع تفنيد نقطة جزئية من حجةٍ ما، وهو نوعٌ من "التضليل المتعمد" في الجدالات. أحد الأمثلة على ذلك هو تصحيح خطأ لغوي عند شخصٍ ما (وهو سيعيدك للمستوى رقم 1) أو الإشارة إلى خطأ في الحقائق في أرقام أو أسماء. باستثناء تفنيد التفاصيل الجوهرية، فإن توجيه مثل هذه الحجج لا يخدم إلا في الحط من قيمة الخصم، لا فكرته الرئيسية.

إن أفضل طريقة لتفنيد حجة شخص ما هو اكتشاف النقطة المركزية، أو إحدى النقاط في حال كان يدور النقاش حول عددٍ من القضايا.

هكذا يصف غراهام "التفنيد الصحيح والفعال":

حجة الكاتب الرئيسي هي X

<اقتباس>

لكن هذا خطأ للأسباب التالية...

إن وجود مثل هذه الأدوات في تقييم طريقة محاججتنا مع بعضنا البعض، يمكن أن تمضي بنا نحو طريق طويل لاستعادة بعض التحضر في خطابنا عبر تجنب الأشكال الدنيا وغير المنتجة من الاختلاف.

سواءً كان ذلك يندرج مع مفاهيم خاصة ومختلفة توافقت عليها دول أخرى أو خرافاتنا الذاتية والداخلية، سيحقق النقاش على الإنترنت ما ينشد منه. من الصعب عدم رؤية ذلك كمرض اجتماعي.

يعتبر غراهام أيضًا هرمه كطريقة لنزع الحجج المضللة أو "الأخبار الكاذبة" في لغتنا الحديثة. إن الكلمات القوية هي مجرد "تحديد قيمة للغوغائية". وعبر فهم الأشكال المختلفة للاختلاف، "نكون قد قدمنا للقراء الناقدين إبرة لتفجير مثل هذه البالونات"، بحسب ما كتب غراهام.

(ترجمة خاصة: عرب 48)