اكتشف الرجل الستيني صالح السيد، الذي يقطن في منطقة السيدة زينب وسط القاهرة، في منتصف أحد أيام حزيران/ يونيو الماضي شديدة الحرارة، إناء ماء بارد يشرب منه في "زير"، وهو فارغ وبلا كوب يسمّى "الكولمان الفخار".

ألهم تسرب الماء وغياب الكوب السيد، إلى تحويل هذا الإناء إلى ما يشبه الثلاجة التي تحافظ على الماء، وكذلك تركيب صنبور لها، برفقة أبنائه في مصنعهم الصغير لإنتاج الأواني المنزلية.

وتقع الورشة في واجهة محطة مترو أنفاق مار جرجس التي تعج بآثار قبطية تشهد على حقبة عريقة، جنوبي القاهرة، وينتج فيها الرجل الستيني "الكولمان الفخار" بأسعار زهيدة ترحم المصريين من نار الطقس والأسعار.

وتعتبر فكرة "الكولمان الفخار" تراثا يألفه المصريون إذ يعتمد على إطلالة "القلة" (إناء فخار يعود للعصر الفرعوني) ويساعد على تبريد المياه دون الحاجة إلى استخدام الكهرباء التي ارتفعت أسعارها مرتين خلال العام الماضي في مصر.

الكولمان الفخار

مراحل التصنيع

أوضح السيد أنّ "الكولمان مصنوع من خامة جيدة من الطين، وهو الطين الأسواني (يأتي من أسوان في الجنوب)، أشبه بالهبو (كحل العين)، يدخل في أحواض، يتم عجنه ودمجه في بعضه البعض، قبل أن يدخل مرحلة التصنيع".

ويتضمن التصنيع مرحلتين، وفق السيد، الأولى يتم صناعته بشكل مبدئي وبه "رايش (بقايا صنع الأدوات المعدنية)"، وفي المرحلة الثانية يتم إزالة الزوائد منه حتى تكون الخامة جيدة ولا تجرح مستخدمها، يدخلونه بعد ذلك إلى الفرن، بدرجة حرارة 1100 درجة، حيث تُحرق الطينة بشكل جيد.

وأضاف "بعد حرق الطينة، يتم وضع مياه عليها، وهنا تصفّي نفسها بنفسها وتصبح نقية تلقائيًّا كما تصبح المياه باردة، وهذه الطينة مختلفة عن غيرها في كونها لا تؤدي إلى رشح المياه، فالطينة الأخرى مساماتها عالية وبالتالي عند وضع مياه بها تتعرض للرشح، مثل القلة المعروفة عند ملئها المياه فإنّها تجف بعد ساعة أو ساعتين، لكن الكولمان تستمر مياهه من الصباح إلى المساء، والأكثر أنّها تكون مياه نقية صالحة للشرب، وهذه فائدة الكولمان".

وتابع "نجري عملية صنفرة (تمليس) للكولمان، ثم بعد ذلك عملية تلميع، وهذا يعطي مظهرًا جذابًا مغايرًا لملمس الطين العادي".

وأشار إلى أنّه "عند ملئه بـ15 لتر مياه يكفي طوال اليوم، ويعطي مياهًا باردة تقي المواطنين من حرارة الطقس الشديدة بدون وضع ثلج، كما أنّ هذه المياه نقية تروي الإنسان بشكل مختلف، وأفضل من الثلاجة المعروفة، لأنّ مياه الكولمان مياه طبيعية ربانية، تروي من يشربها".

الأسعار

ولفت الرجل الستيني إلى أنّ سعر الكولمان في متناول الجميع؛ إذ يتراوح سعره بين 100 جنيه (6 دولارات) إلى 220 جنيها (13 دولارا) حسب الحجم.

ورغم سهولة الفكرة لكنّه يستلزم وقتًا طويلًا في تصنيع الكولمان الواحد، إذ يستغرق 12 يومًا، كما أنّ الأمر يختلف حسب فصول السنة، ففي الصيف يكون "التنشيف" أسرع عن الشتاء إذ يستغرق في الصيف أربعة أيام.

ويلفت إلى أنّه يمكن استخدام "الكولمان" كزينة، لا سيّما أنّ حجمه ليس كبيرًا.

اقرأ/ي أيضًا | المصريون ينتقدون تصريحات وزير النقل حول الانتحار عند المترو