حالة من الترقب يشهدها الشارع العربي والفلسطيني، في أعقاب الأخبار المتداولة، حول خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب المرتقب، خلال دقائق من الآن، الذي من المتوقع أن يعلن فيه القدس عاصمة لإسرائيل، والمترتب عليه نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى مدينة القدس، الأمر الذي أثار حالة غضب عارمة في الشارع العربي.

الأمل معقود على الشعوب

وفي هذا الصدد صرّح النصراوي محمد سليمان لـ"عرب 48" بأنه "على ما يبدو فإن مراوغات ترامب في قضية نقل السفارة الأميركية إلى القدس ستكون حقيقة، وهذا يجعلنا نرجح أن هذه القضية بالذات والتي يعبّر عنها ترامب بأسلوبه الخاص، من ورائها دافع أكبر من مراهقة ترامب السياسية، فكثير من القضايا تغيّر خطابه تجاهها فور توليه منصب رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، لكن على ما يبدو فقضية القدس تحمل أبعادًا عقدية لا نفسية عند ترامب، أميركا هي الدولة المهيمنة اليوم، يمكنها أن تُقدم على فعل أي شيء تقريبًا، لكن الأكيد أنها لن تتحكم في أمرين، ردة الفعل على ما تقوم به، ولن تتحكم بالمستقبل الذي لا تملكه، فالأيام دول بين الناس والأمم. وعلى النخب في الإدارة والمؤسسات الأميركية أن يكبحوا جماح عنجهية رئيسهم، وأن يراجعوا لوائح النظام الانتخابي الذي جعل من هذا الشخص رئيسًا لهم".

وأضاف سليمان أنه "تعرضنا كعرب ومسلمين لأحداث مستفزة جدًا في القرن الأخير، احتلت فلسطين، والقدس وانتهكت حرمة الأقصى، كل هذه الأحداث لم تكفل أن توحد الدول العربية والإسلامية على موقف ولو في قضية واحدة، لكن الأمل معقود على الشعوب، ما دام نبض الحياة فيها يخفق. واقع الأقصى، وواقع القدس وواقع فلسطين مرتبط بمستقبل الأمة العربية والإسلامية، ولا يمكن الحديث عن فلسطين كجزء مفصول عن كل ما يجري من عملية تفكيك وتدمير لمحيطنا".

وختم بالقول إنه "وأخيرًا، فإن كل هذه السياسات تؤكد أن حل الدولتين ورقة ساقطة، استخدمت للمماطلة وتصفية القضية، ولا بد من ثورة وعي تجاه ما ورثناه من قرارات ذليلة عادت بالسلب علينا كفلسطينيين وعلى قضيتنا ككل".

شرعنة الاحتلال

ومن جانبها، قالت الكناوية هبة عواودة لـ"عرب 48"، إنه "باعتقادي أن إسرائيل لا تنتظر الضوء الأخضر ولا الموافقة من أي جهة في العالم حتى تسيطر على القدس، فهي بدأت منذ مدة طويلة بمشاريع التهويد والاستيطان على مرأى من العالم أجمع. لكن اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل ونقل السفارة هو إعطاء شرعية للاحتلال بصورة واضحة جدا".

وتابعت عواودة أنه "لم تأت هذه الخطوة إلا بعد ما بات واضحا وأكيدا أن الدول العربية والإسلامية تغض الطرف عن قضية القدس والمقدسات، لذلك لا يوجد توقعات من هذه الأنظمة أن تتحرك بجرأة وتنصر القضية. يبقى الأمل الوحيد للتأثير على هذه القرارات هو رد فعل الشارع، وهنا نعم لا زال هناك أمل، وأحداث المسجد الأقصى الأخيرة والاعتصامات أمام باب الأسباط هي خير دليل".

القدس عاصمة فلسطين...

وفي ذات السياق، عبّر عبد الله زيدان من كفرمندا لـ"عرب 48" عن موقفه بالقول، إنه "في جميع الأزمان وبكل الأحوال، القدس هي لنا وهي عاصمة فلسطين التاريخية وبيت المقدس وأكنافه، والأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، حتى وإن اعترفت أميركا بالقدس كعاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي بنقل سفارتها للقدس، هي بالنسبة لنا عربية فلسطينية وعاصمة فلسطين، وليس لأحد غير الفلسطينيين حق فيها، وليس لأحد غير المسلمين حق في المسجد الأقصى وكل ذرة تراب على أرضه، وكل حجر هو شاهد على إسلامية القدس وفلسطينيتها، ووجود إسرائيل فيها يعتبر احتلال، على أمل أن يزول قريبًا، وتذهب قرارات ترامب إلى مزابل التاريخ ".

وامتدادًا لموجة الاستنكارات، قالت يقين غرابة، من قرية الرينة، لـ"عرب 48"، إن "تصريح ترامب باتخاذ هذه الخطوة هو قرار مجنونٌ ستكون له عواقب وخيمة بما في ذلك احتمالات التصعيد، فإن تساهل العالم الإسلاميّ والعربيّ مع الوضع، قد نخسر القدس تمامًا، وهذا ما يتم التحضير له والتمهيد له منذ عقود. وإذا ما تدخّلت الدّول العربية والإسلاميّة بصورة صارخة تليق بثقل قضية القدس فإنّ ترامب بخطواته الرعناء يكون قد دخلَ متاهةً لن يخرج منها بسهولة".

وأضافت غرابة أن "المسألة بالمحصّلة تعود إلى تحرّكنا ونصرتنا لمواقفنا وثوابتنا في وجه هذا الطّغيان والعربدة المتفشّي والمتزايد يومًا بعد يوم، لم يكن الأمر مستبعدا أبدا ولكن اتخاذ خطوات عمليّة بقرارات فرديّة، كما حدث بالآونة الأخيرة (قرار البوابات الإلكترونية وكاميرات المراقبة)، هي مجسّات لجس نبض الأمة الإسلاميّة، فإذا خذلناها خذلت وإذا نصرناها فالقضية لن تموت، والكرة الآن بملعب الأمة أجمع".

الوصاية والسيادة الأردنية في مهب الريح

بدوره، قال عزمي دريني لـ"عرب 48"، إن "قرار اعتبار القدس الموحدة عاصمة إسرائيلية، بحسب ما هو متوقع في خطاب ترامب، يمسّ كل فلسطيني، وأهالي القدس والداخل بالدرجة الأولى، وكل عربي ومسلم في العالم. فهو يعني أن كل ما يقع داخل هذه المنطقة سيتبع مباشرة للسيادة الإسرائيلية، وبالتالي فإن أول مكان سيتأثر بذلك القرار هو المسجد الأقصى المبارك، الذي ارتفعت حدة انتهاكات الاحتلال والمستوطنين فيه تزامنا مع الإعلان عن نيّة الإدارة الأميركية باتخاذ هذا القرار، كما ستصبح الوصاية والسيادة الأردنية عليه وعلى باقي المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، في مهبّ الريح".

وأضاف دريني أنه "لا يمكن بأي حال التقليل من أهمية دلالات هذا القرار ومآلاته، فاعتبار القدس الموحدة عاصمة إسرائيل لا يقل عن الاعتراف بيهودية الدولة، لأنه يعني اعترافا بيهودية الأرض وبالتالي إلغاء أي حق إسلامي أو مسيحي عليها، الأمر الذي يهدد بقائهم على أرضهم، خاصة أنه سيكون جزء من شكل ترتيبات الوضع النهائي ووضعية المسجد الأقصى المبارك فيه، مما يعني تصفية القضية الفلسطينية بالدرجة الأولى، أما موضوع نقل السفارة فهو بمثابة ترجمة لقرار الاعتراف، وتأجيله ليس مستغربا، فهو يهدف لامتصاص الغضب الشعبي المتوقع، لأن الطرف الوحيد القادر على ترجمة شعار 'القدس خط أحمر' هم الفلسطينيون في القدس والداخل بالدرجة الأولى، والشعوب العربية والإسلامية في العالم".

وتعقيبًا على سياسة تكميم الأفواه التي مارستها السلطات الإسرائيلية على بعض الأهالي في مدينة القدس، يرى دريني أن "رسائل التهديد التي تلقاها اليوم العديد من الناشطين والأهالي في القدس من مخابرات الاحتلال، تحذرهم من التعليق على القرار في صفحات التواصل الاجتماعي، يفسر القلق الشديد الذي تعيشه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وتخوفها من ردة فعل جماهيرية تفوق بحدتها هبّة باب الأسباط في تموز/ يوليو الماضي".

الحكومات العربية منشغلة بشعوبها

وفي ذات الصدد، عقّب الكناوي براء عواودة، في حديث لـ"عرب 48"، أنه "أولا: مجرد الإعلان عن تلك الخطوة لدليل دامغ على بيع القضية الفلسطينية مقابل لا شيء من قبل السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، بالإضافة إلى حالة الطمأنينة بأن الحكومات العربية منشغلة بشعوبها وحروبها، دون الالتفات إلى القضية الفلسطينية والوطن العربي."

وأضاف عواودة أن "الأمر الآخر والأهم هو جر الحكومة التركية إلى منزلق خطير، يدفع إردوغان وشعبه ثمن الوقوف عكس التيار ومناصرة الأقصى والقدس والقضية الفلسطينية، والوقوف مع المسلمين أينما كانوا، فيبقى أن الذي سيدفع الثمن المباشر هو الشعب الفلسطيني".

أما جواد خمايسي، فقد عبّر عن موقفه بالقول إنه "وسط تخاذل وضعف الموقف عربي، يعتقد الكاوبوي الأميركي أنه بعنجهيته سيُصمت الجميع عن نقل سفارته إلى القدس، موقف حكومات عربية ضعيف سيقابله بالتأكيد برد فعل شعبي عنيف. الشعوب العربية رغم أزماتها لن تسمح بالمساس بقدسيّة القدس ومكانتها. الحكومات العربية قالت كلمتها ككلمة عبد المطلب لأبرهة :أما النوق فأنا ربها، وأما الكعبة فلها ربٌ يحميها. ونحن نقول للقدس رجال تحميها".

وأيده بالرأي المعلم رشدي شحبري، قائلًا لـ"عرب 48"، إنه "حسب رأيي نقل السفارة من تل أبيب للقدس يشكل نقلة نوعية في الموقف الأميركي الإسرائيلي، وخاصة في ظل الظروف التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، الموقف الأميركي الداعم كليا لدولة إسرائيل لا يخفي بل ويدعم بشكل كامل مفهوم تهويد الدولة وطمس الهوية والقومية العربية للأبد".

اقرأ/ي أيضًا | ردود فعل دولية معارضة لخطط ترامب تجاه القدس