انتفضت الجماهير العربية في الثلاثين آذار/ مارس عام 1976 في مناطق الـ48، وجابت التظاهرات القرى والمدن والبلدات العربية من الجليل إلى النقب، وفرض الإضراب العام، دفاعًا عن الأرض الفلسطينية وردًا على مصادرة آلاف الدّونمات من الأراضي ذات الملكيّة الفلسطينيّة الخاصّة، في حين استنفر الاحتلال قواته وفرض حظر التجول على القرى المحيطة بمثلث يوم الأرض، لتسفر المواجهات عن سقوط ستة شهداء ومئات من الجرحى وآلاف المعتقلين.

كان الاحتقان في ذاك الحين يخيم على مدينة الطيبة في المثلث الجنوبي، استنفرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وعلى رأسها قوات الشرطة والجيش، لقمع المخططات والفعاليات الاحتجاجية ومنعا لانطلاق مظاهرات حاشدة تجوب شوارع المدينة.

توعّدت القوات الإسرائيلية كل من سيشارك في المظاهرات في مدينة الطيبة، إلا أن التهديد والوعيد لم يثنِ المواطنين من الخروج والمشاركة في المظاهرات التي جابت شوارع المدينة، هتافا ودفاعا عن الأرض والمسكن والهوية.

اندلعت المواجهات في مدينة الطيبة، واتسعت رقعة الاحتجاج مما أسفر عن استشهاد الشاب رأفت زهيري من مخيم نور شمس في مدينة طولكرم القريبة، وإصابة واعتقال العشرات من أبناء مدينة الطيبة والمنطقة.

يروي المعتقل في أحداث يوم الأرض، عبد الجبار حاج يحيى (أبو ثائر) من مدينة الطيبة، في حديث لـ"عرب 48"، تفاصيل اعتقاله، ووحشية التعامل التي رافقته خلال فترة الاعتقال حتى أصيب بجروح خطيرة نتيجة للتعذيب.

وأوضح أنه "قبيل يوم الأرض، أي قبل أن تنطلق التظاهرات في شوارع المدينة، كان هنالك توتر شديد من قبل السلطات والشرطة والجيش، لكن هذا لم يمنع الشباب في الطيبة من الخروج عن بكرة أبيهم لمواجهة حتمية مع قوات الشرطة".

وحول تفاصيل الاعتقال، يروي أبو ثائر أنه "في يوم الأرض ذاته، كان الجيش والشرطة يطاردان شباب المدينة خلال المظاهرات، مشهرين سلاحهم مطلقين الرصاص الحي دون أن يأبهوا لأحد، أنا بدوري اختبأت مع اشتداد المواجهات في إحدى البيوت في الحارة القديمة أمام مسجد عمر بن الخطاب، إلا أن ضابط الشرطة أصر على ملاحقتي حتى أني لم أعد قادرًا على الهروب، علمًا بأن الضابط كان قد أصدر أمرا يتيح لعناصره قتل من يهرب من المتظاهرين خلال عملية اعتقاله".

واستطرد حاج يحيى "تم اعتقالي واقتيادي أنا وعدد من الشباب من الطيبة إلى القسم في الشرطة، في هذه الأثناء استشهد رأفت الزهيري. طيلة الطريق ونحن نتلقى الضرب المبرح بالهراوات والسلاح والأرجل، لم يتركوا أي وسيلة وأداة أو آلة إلا وضربونا بها، حتى أنهم أدخلونا إلى سيارة الشرطة الكبيرة، وهاجمونا بقنابل الغاز، في ذلك الوقت شعرت أنني أتلفظ أنفاسي الأخيرة، في اللحظة الأخيرة، قبل أن ينقط بنا السبيل والاختناق، فتحوا لنا الشبابيك".

وتابع "حين مرت دورية الشرطة من أمام مجموعة من شباب الطيبة، وفيها المعتقلين من ضمنهم أنا، كانت الحجارة تنهال على زجاج السيارة كالمطر حتى تكسرت جميع زجاجات السيارة، وبدأت شظايا الزجاج تتطاير على وجوهنا، وبالرغم من ذلك إلا أننا كنا فرحين بهذا العمل، الذي مثّل جليًا، وحدة ولحمة أبناء البلدة دون خوف من المحتل ولا وجل".

وأضاف أنه "بعد أن قضينا فترة في المعتقل تم اقتيادنا إلى السجن، في "بردس حنا" المقامة على أراضي الروحة، حيث استأنفت القوات الضرب والتنكيل بنا، أدخلني الضابط بعد أن تعرضت لضرب مبرح، وكنت على وشك الإغماء، إلى غرفته للتحقيق، شعرت وكأنه حاقد عليّ، وملامح وجهي مخبأة خلف الدماء التي سالت من كل مكن إثر الضرب، ضربني على صدري بقطعة حديدية كانت بيده، أغمي علي، أعادوني إلى المعتقل مرة أخرى".

"في هذه الأثناء، راودني من جديد شعورًا بأنني اتلفظ بأنفاسي الأخيرة وعلى وشك الموت، كتبت وصيتي وأوصلتها إلى صديقي عبد القادر ظاهر، وكتبت بالوصية أن تكون جنازتي مظاهرة، لكن في اليوم التالي استعدت قواي شيئا فشيئا"، قال أبو الثائر واصفًا إجراءات الاعتقال الوحشية.

وعن إصرار الشباب في تلك الفترة قال إنه "رغم الضرب الذي تلقيناه والتعذيب الذي تعرضنا له، والتهديد والوعيد الذي مورس بحقنا، إلا أننا لم نيأس للحظة، وكنا مصرين على أن نستمر في النضال حتى ينتهي الاحتلال من مصادرة الأرض، وهذا ما حصل".

وعن دور النساء أوضح أن "النساء هن النضال والمرأة الفلسطينية لها دور أساسي في النضال، لولا زوجتي التي ساندتني في تلك الأيام لما استطعت الاستمرار في النضال، تربت هي الأخرى على حب الوطن، والنضال من أجل حرية شعبنا الفلسطيني، النساء هن الحياة ولا يوجد نضال ينجح دون أن تكون النساء في المقدمة، جنبا إلى جنب كتفا بكتف مع الرجل".

ووجه أبو ثائر رسالة إلى الشباب، ودعاهم إلى "الكف عن المهاترات والمماحكات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هذا يخون هذا وهذا يشتم ذاك، يكفينا أن نكبّر الهوة بيننا، ونزيد من حجم الفجوة الموجودة، مخجل أحيانا ما نراه من مناكفات تخدم السلطة فقط".

وأضاف أنه "يجب علينا نحن السياسيون والقياديون وأبناء الشعب الواحد، أن نكون يدا واحدة مهما اختلفنا في الآراء، وألا نتفرق وأن نضع نصب أعيننا الهدف الأسمى، وهو تحرير شعبنا من الاحتلال، وما يمارس علينا من قمع هو بسبب عدم وحدتنا، لذلك أيضا فإن السلاح والجريمة ينتشران، من أجل الاقتتال الداخلي، ما يتيح للسلطات الاستمرار في مصادرة الأرض وهم المسكن وأسرلة الشباب".

اقرأ/ي أيضًا | كيف كسرت النساء حاجز الخوف في يوم الأرض؟

وختم بالقول إنه "في هذه الأيام يجب علينا أن نذوت بداخل أبنائنا روح الانتماء والوطنية، وتربيتهم على حب الوطن، وتعليمهم القيم الوطنية من الصغر، عبر إقامة الندوات والمهرجانات الوطنية، لنحرر شعبنا من الاحتلال الذي هو فيه، وأن يأخذ الشباب دوره في هذه المهمة".