بعد أن أعلن العالم كله فى مؤتمر مناهضة العنصرية فى دربن بأيام قليلة خروج الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها إسرائيل عن الشرعية الدولية، وقعت أحداث 11 سبتمبر التى اتخذتها واشنطن ذريعة لتوجيه الاتهام للعرب والمسلمين رغم أن تحقيقاً جاداً لم يتم، ولا يزال معتقلى طالبان فى جوانتيلامو يتعرضون لمعاملة تتعارض مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف الأربعة الخاصة بمعاملة أسرى الحرب دون أى محاكمة عادلة، وفى إطار حربها المزعومة ضد الإرهاب قامت الولايات المتحدة بغزو أفغانستان لتحقيق مكاسب استراتيجية فى آسيا الوسطى، وفرض الهيمنة على ثروات منطقة بحر قزوين، وعلى رأسها النفط والغاز، وفى نفس الإطار ها هى الولايات المتحدة تستعد لشن حرب عدوانية جديدة ضد العراق لتأكيد هيمنتها وفرض سيطرتها المباشرة على نفط الخليج، وتتبجح الإدارة الأمريكية بأنها ستشن هذه الحرب بموافقة مجلس الأمن أو بدونه، ونحن نعلن بوضوح رفضنا وإدانتنا لهذه النوايا العدوانية الأمريكية التى لا تستند على أى شرعية إنسانية أو دولية، بل وتشير هذه النوايا مجدداً إلى خروج الولايات المتحدة عن الشرعية الدولية، ونؤكد نحن من جانبنا على أن وقوفنا ضد الحرب لا يعنى أننا من مؤيدى نظام صدام حسين الاستبدادى، فقد كنا – ولا زلنا – مع القوى الوطنية الديمقراطية العراقية التى قدمت الكثير من التضحيات للإطاحة بهذا النظام، ورفضت فى نفس الوقت أى تحالف مشبوه مع الدوائر الاستعمارية فى الولايات المتحدة.

إن وقوفنا ضد الحرب جنباً إلى جنب مع كل القوى والشعوب المحبة للسلام، والمعادية للهيمنة الأمريكية فى العالم كله بما فيها مناهضى العولمة الرأسمالية المتوحشة داخل أوروبا والولايات المتحدة، إنما يؤكد أن كل ما يشاع حول صراع مزعوم بين غرب مسيحى وشرق إسلامى، إنما هو مزاعم استعمارية ترمى إلى الانحراف بالصراع بين قوى التقدم والقوى الرجعية إلى مسالك عنصرية لا تستفيد منها سوى قوى الاستعمار والفاشية، وتؤكد أصوات ملايين المتظاهرين فى العالم كله أن أحداً لم تنطل عليه هذه الأكاذيب، وأن قوى التقدم فى الغرب نفسه تخوض المعركة ضد الهيمنة الأمريكية بنفس الصلابة التى نخوض بها هذه المعركة فى بلادنا تماماً، كما وأن دوائر حاكمة فى المنطقة تتعاون وتتآمر مع الدوائر الاستعمارية فى واشنطن وتسلم أراضيها وقواعدها العسكرية للقوات الغازية، ونحن لا ندين هذه الأنظمة فحسب ولكننا نعلن بوضوح أنها تفقد بذلك كل شرعيتها، وتصبح هى والأعداء فى كفة واحدة، ونطالب فى هذا الإطار الإدارة المصرية أن لا تتورط فى تقديم أى عون أو تسهيلات عسكرية للغزاة، وتأكيداً لذلك نطالب بمنع مرور السفن العسكرية الأمريكية عبر قناة السويس وهو حق لنا يفرضه عدم دخولنا – بل وعدم موافقتنا على هذه الحرب العدوانية، ويتأسس على سيادتنا الكاملة المفترضة على قناة السويس، كما نطالبها أيضاً بالاستمرار فى إعلان موقف واضح ضد الحرب وعدم التورط بأى درجة فى تحميل النظام العراقى مسئولية ما يمكن أن يتعرض له العراق من عدوان تحت دعاوى عدم التعاون مع المفتشين، ذلك أن عملية التفتيش هذه لا تحظى بأى درجة من درجات الشرعية أو المصداقية، فلا الولايات المتحدة تصلح لدور القاضى بحكم تاريخها وممارستها ولا نزع أسلحة الدمار الشامل من العراق وحده يبدو عادلاً فى ظل وجود ترسانة من هذه الأسلحة فى إسرائيل وفى الولايات المتحدة نفسها وهى الدولة الوحيدة فى العالم التى استخدمت القنابل النووية من قبل ضد الشعب اليابانى، هذا فضلاً عن أن فرق التفتيش قد أعلنت مراراً أنه لا يوجد لدى العراق المحاصر أصلاً أى أسلحة دمار شامل ولن يكون أى موقف آخر لهذه الفرق – لو حدث – إلا نتيجة ضغط الولايات المتحدة التى تمارس التهديد والابتزاز على كل دول العالم لحشد تأييد دولى دون فائدة حتى الآن.

نحن نطالب النظام المصرى بالإفراج فوراً عن كل المعتقلين المتهمين بالتظاهر ضد الحرب وإلغاء حالة الطوارئ والأخذ ببرنامج إصلاح ديمقراطى جاد، ذلك أن ما يحيق بنا من أخطار وتهديدات يتطلب حشد وتعبئة كل الجهود الوطنية، ويقينا فإن مثل هذه التعبئة الوطنية لا يمكن أن تتم دون دفع كل الطاقات لتفاعل سياسى وثقافى واجتماعى يستطيع أن يضمن نهضة وطنية شاملة باتت ضرورية فى ظل كل هذه الأخطار، ونحن نؤكد أن من يريد للوطن – والمواطن – أن يكون ذليل ومهان ومحروم من أبسط الحريات السياسية إنما يسلم الوطن الآن للأعداء ويفتح الباب على مصراعيه أمام الدوائر الاستعمارية.

أخيراً نحن ندعو كل القوى الوطنية فى هذه الظروف الخطيرة إلى الوقوف بصلابة إلى جوار الانتفاضة الفلسطينية الباسلة لاننا نعرف أن الحرب ضد العراق قد تكون اللحظة المناسبة لمجرم الحرب شارون لكى يحاول تصفية القضية الفلسطينية، ونحن نحذر الأنظمة العربية التى ستعقد قمتها القادمة فى أوائل مارس – كما قيل – من أن وجودها قد بات مرهون بموقف واضح من الحرب ضد العراق ومن انتفاضة الشعب الفلسطينى وحقوقه المشروعة، ونحن نطالب هذه القمة أن تتخذ موقف واضح ضد الأنظمة التى تقدم تسهيلات عسكرية للمعتدين الأمريكيين.