وسط مشاورات مكثفة وضغوط خارجية متزايدة، عربيا ودوليا، تتجه الأنظار في لبنان إلى جلسة مجلس النواب المرتقبة يوم غد، الخميس، التي قد تحسم أخيرًا الاستحقاق الرئاسي بعد أكثر من عامين من الشغور.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

وفيما يبرز اسم قائد الجيش، جوزيف عون، كمرشح بارز بدعم غربي وأميركي وسعودي واضح، تثير التطورات تساؤلات حول ما إذا كانت الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل قد أعادت تشكيل ميزان القوى في البلاد، وتمهد لتغيرات في الساحة السياسية.

وتنعقد الجلسة العامة لمجلس النواب يوم غد بدءا من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر لانتخاب خلف لميشال عون الذي انتهت ولايته في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، لكن البرلمان فشل منذ ذلك الحين خلال 12 جلسة في انتخاب رئيس.

وكان حزب الله يتمسك بترشيح سليمان فرنجية الذي أعلن انسحابه اليوم، غير أن الحزب أعلن مؤخرا أنه لا يعترض على ترشيح قائد الجيش، وأن "الفيتو الوحيد بالنسبة له" هو على رئيس حزب "القوات اللبنانية"، سمير جعجع.

وأعلن رئيس "تيار المردة"، سليمان فرنجية انسحابه من سباق الرئاسة ودعم قائد الجيش العماد جوزيف عون. وقال في بيان إنه "وبعد أن توفّرت ظروف انتخاب رئيس للجمهورية يوم غد، وإزاء ما آلت إليه الأمور، فإنني أعلن عن سحب ترشيحي الذي لم يكن يوما هو العائق أمام عملية الانتخاب".

وهناك أسماء أخرى متداولة للمنصب منها: المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، الذي يحظى بدعم رئيس مجلس النواب، نبيه بري، بحسب تقارير لبنانية؛ بالإضافة إلى النائبين نعمة أفرام وإبراهيم كنعان، والوزراء السابقين جهاد أزعور وزياد بارود وجان لوي قرداحي.

وذكرت صحيفة "المدن" الإلكترونية اللبنانية أن جلسة الغد ستكون معركة "كسر عظم"، وبحسب أجواء النواب "فإنّ ساعات المساء ستشهد اتصالات حثيثة سيقوم بها الثنائي الشيعي وقوى المعارضة".

وأشارت إلى أن كل ذلك يضع جلسة الغد أمام مفاجأة كبير، فإمّا "تحصيل حاصل" ينجح عون في الوصول إلى قصر بعبدا، وينتخب رئيسا للجمهورية في ظل الضغوط الخارجية، أو أن "نكون أمام مفاجأة من العيار الثقيل، سواء بتطيير الجلسة أو عنصر ما مفاجئ في نهايتها".

وتعقد كتل نيابية منذ الصباح اجتماعات متلاحقة ومشاورات لحسم اسم مرشحها. ففي بلد متعدّد الطوائف والأحزاب، لا توجد أكثرية واضحة في البرلمان، ويصل الرئيس إجمالا بـ"توافق" وتسويات بين جميع القوى السياسية بناء على نظام المحاصصة الطائفية.

وفي موازاة ذلك، يعقد الموفد الفرنسي الخاص إلى لبنان، جان إيف لودريان، لقاءات مع قوى سياسية عدة بينها حزب الله، تتركّز حول الانتخابات الرئاسية. وكان الموفد الأميركي إلى لبنان عاموس هوكشتاين، قد أجرى الثلاثاء لقاءات مماثلة مع نوّاب وشخصيات سياسية مختلفة.

ونقل نوّاب التقوه انطباعا واضحا بأن واشنطن تعمل على أن يفوز عون بالرئاسة. وذكرت وسائل إعلام لبنانية عدّة أن هوكشتاين أكّد خلال لقاء حصل في منزل النائب فؤاد مخزومي أن "العماد جوزيف عون لديه مواصفات رئيس الجمهورية، وإن كان ليس الوحيد".

في المقابل، نقلت تقارير إعلامية عن رئيس مجلس النواب نبيه بري قوله إن قائد الجيش "لا يحظى بالتوافق"، وإنه لا يحبّذ إجراء تعديل دستوري لانتخابه، إذ إن الدستور لا يسمح بانتخاب موظفين من الفئة الأولى وهم في المنصب.

ويعارض التيار الوطني الحر الذي يتزعمه النائب جبران باسيل، صهر الرئيس السابق ميشال عون، وصول قائد الجيش إلى سدة الرئاسة.

وتعقد كتلة القوات اللبنانية، اجتماعا مع كتل أخرى حليفة ونواب مستقلين، مساء الأربعاء، من أجل إعلان "دعم مرشّح واحد للمعارضة"، وفق ما قال مصدر في الحزب لوكالة "فرانس برس". إلا أنه لم يجزم ما إذا كان قائد الجيش. في المقابل، أعلنت كتل سياسية صغيرة ونوّاب مستقلون علنا دعمهم لقائد الجيش، على رأسهم وليد جنبلاط.

لقاءات الموفدين

واجتمع الموفد الفرنسي، الأربعاء، مع بري ورئيس كتلة حزب الله النيابية محمّد رعد، وعدد من النواب. وفي منشور على منصة "إكس"، قال النائب المعارض ميشال معوض عقب لقاء جمعه وأربعة نواب آخرين مع لودريان، إن هناك توجّها لدى الحاضرين لدعم قائد الجيش.

ونقلت تقارير لبنانية أن السعودية التي عاد موفدها يزيد بن فرحان، الأربعاء، إلى بيروت بعد زيارة أولى قام بها الأسبوع الماضي، تواصل مع فرنسا والولايات المتحدة ومصر، "محاولات إقناع الكتل المترددة بحسم موقفها لمصلحة عون".

ويشدّد الموفدون الدوليون خلال لقاءاتهم في بيروت، وفق مسؤولين لبنانيين، على ضرورة إنجاز الانتخابات الرئاسية. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي إن لودريان أصرّ على "ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، كخطوة أولى على طريق عودة المؤسسات اللبنانية إلى العمل".

وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، في وقت سابق اليوم، إنه "للمرّة الأولى، منذ الفراغ في سدة الرئاسة، أشعر بالسرور لأنه، بإذن الله، سيكون لنا غدا رئيس جديد للجمهورية".

"تغيير المعادلات"

وفي وسط بيروت، على بعد أمتار من مقرّي البرلمان ورئاسة الحكومة، تأمل ميسا قزي أن يُنْجَز الاستحقاق الخميس. وتقول إنه "غالبا ما يُفرض رئيس من الخارج، أو من الداخل، ويكون حاميا للفساد. لكن هذه المرة أتمنى أن يصل رئيس بإرادتنا".

لكن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت، كريم بيطار، يرى أن الأمور لن تتمّ بهذه الطريقة. وقال إنه "كما يحدث غالبا، في اللحظة الأخيرة، تعبّر القوى الإقليمية والدولية الكبرى عن تفضيلاتها، وتمارس الضغط على النواب الذين يتبعون ببساطة، ويلتحقون بالركب، ويرغبون في أن يكونوا في صف الجانب الفائز".

ويرى بيطار أن الحرب التي خاضها حزب الله وإسرائيل على مدى سنة، وانتهت بقبول حزب الله باتفاق لوقف إطلاق النار ينص على انسحابه من المنطقة الحدودية ونزع سلاحه فيها، "غيّرت بالتأكيد المعادلات السياسية في لبنان"، إذ إن حزب الله لم يعد "قادرا على فرض شخصية قريبة جدا من معسكره بعد سقوط النظام السوري وإضعاف الحرب له".