استأنف قادة الحركة الاحتجاجية في السودان، اليوم الثلاثاء، محادثاتهم مع القادة العسكريين، استنادا إلى الاختراق السياسي الذي تحقق قبل يوم، وخيّم عليه إطلاق نار تسبب بمقتل ستة أشخاص في موقع الاعتصام خارج مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم.

وتطالب الحركة الاحتجاجية بانتقال للسلطة يقوده المدنيون بعد 30 عاما من حكم الرئيس عمر البشير، إلا أن القادة العسكريين الذي أطاحوا به يضغطون للمحافظة على دورهم القيادي.

وقتل ضابط برتبة رائد وخمسة متظاهرين في إطلاق نار من قبل مسلحين مجهولين في ساحة الاعتصام وسط الخرطوم في وقت متأخر الإثنين، بعد ساعات من الإعلان عن تحقيق اختراق في المفاوضات بين قادة التظاهرات والعسكر بشأن هيكلية وسلطات الهيئات التي ستشرف على العملية الانتقالية.

واعتبر تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، الذي نظّم الحركة الاحتجاجية، وتفاوض مع المجلس العسكري، أن هدف عمليات إطلاق النار كان التأثير سلبا على الاختراق الذي تحقق، متهما العناصر التي لا تزال موالية للنظام السابق بتدبيرها.

بدوره، أكد المجلس العسكري "لاحظنا وجود مندسّين مسلّحين بين المتظاهرين" في ساحة الاعتصام دون أن يحمّل أي جهة مسؤولية ذلك. وقال رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان، الفريق الأول الركن عبد الفتاح البرهان، إن جهات وصفها بالمندسة تحاول إجهاض الاتفاق الذي تم بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير.

وكشف البرهان في تصريحات له عقب تشييع ضابط في الجيش كان قُتل في محيط الاعتصام، أن تلك الجهات تسعى لإعادة السودانيين إلى ما قبل سقوط النظام السابق، لكنه أكد أن هذا لن يتم، وتعهد بالقبض على الجناة ومحاسبتهم.

وقال أحد قادة التظاهرات إن قادة الحركة الاحتجاجية استأنفوا محادثاتهم مع ممثلي المجلس العسكري بعد الظهر، ويتوقع أن يناقش الطرفان تشكيلة الهيئات الانتقالية، وهو أمر اختلفا عليه خلال الفترة الماضية.

ويطالب قادة الحركة الاحتجاجية بأن يقود المدنيون هذه الهيئات، وبأن يشكلوا الأغلبية فيها مع تمثيل للعسكريين.

وبينما أبدى الجيش استعداده للقبول بحكومة مدنية بمعظمها، إلا أنه طالب بأغلبية للعسكريين في مجلس سيادي مقترح تعود الكلمة الفصل إليه في شؤون الدولة.

ويشمل جدول الأعمال كذلك مدة الفترة الانتقالية، إذ يدعو الجيش لإطار زمني لمدة عامين، بينما يطالب المتظاهرون بأربع سنوات لإتاحة الوقت لإدخال مجموعة من الإصلاحات التمهيدية التي يعتبرونها ضرورية.

ويأتي استئناف المحادثات التي بدأت الإثنين بعد توقف المفاوضات وتهديد قادة الحركة الاحتجاجية بالتصعيد لضمان تولي المدنيين الحكم. ودفع ذلك المتظاهرين لمواصلة اعتصامهم دون انقطاع منذ الإطاحة بالبشير.

وتحولت ساحة الاعتصام إلى مركز للحركة الاحتجاجية بدلا من التظاهرات التي كانت تخرج يوميا في كافة أنحاء البلاد قبل الإطاحة بالبشير.

لكن غداة أعمال العنف التي تخللت الاعتصام في الخرطوم، عبّر المتظاهرون عن غضبهم، الثلاثاء، في مدينة أم درمان المجاورة.

وتجمّع المتظاهرون في حيي العبّاسية والعرضة في أم درمان، حيث هتف كثيرون بشعارات مناهضة للمجلس العسكري، وفق ما أفاد شهود عيان. وهتف المتظاهرون "يا وطنك يا تجهّز كفنك".

وفي العرضة، أغلق بعض المتظاهرين الشوارع باستخدام إطارات مشتعلة، بحسب شهود أشاروا إلى انتشار الجنود في المكان.

وأما في الخرطوم، فعاد الهدوء إلى ساحة الاعتصام بعد أعمال العنف التي شهدتها الليلة السابقة، ونفّذ فنانون رسوما جدارية تصور القتلى على متاريس أقيمت في محيط ساحة الاعتصام.

واحتمت مجموعة من المتظاهرين الشباب من أشعة الشمس الحارقة تحت علم كبير للسودان، بينما رفعوه وجابوا ساحة الاعتصام. وهتف المحتجون "الطلقة لا تقتل ما يقتل هو صمت الناس".

وبدت الساحة نظيفة، بينما تم جمع أكياس القمامة التي امتلأت بفضلات ما حدث من فوضى ليل الإثنين.

وأفاد المتظاهر هشام السيّد "هذا عمل النظام السابق القذر"، مشيرا إلى أن عناصر نظام البشير يتبعون سياسة "فرّق تسد". وأضاف "من يريد حماية الثورة (...) لا عليه إلا أن يحمي متاريس الاعتصام".

بدوره، اتهم المتظاهر عبود حسن (45 عاما) عناصر "قوات الدعم السريع" المساندة للجيش بإطلاق النار. وقال "نحن نتهم قوات الدعم السريع بارتكاب ما حدث (...) هذه قوات غير قانونية".

وقال "لن نثق بهؤلاء بعد الآن. كان من المفترض أن يحرسوا المتظاهرين". يذكر أن قوات الدعم السريع تتكون من ميليشيات سابقة لكنها منضوية تحت لواء الجيش السوداني.

وكثيرا ما يشاهد عناصرها منتشرين عند تقاطعات طرق رئيسية في شاحنات صغيرة مزودة برشاشات. ويشغل قائد المجموعة محمد حمدان دقلو، الملقب حميدتي، منصب نائب رئيس المجلس العسكري.

وأما الأطبّاء الذين لعبوا إلى جانب مهنيين آخرين دورا رئيسيا في تنظيم التظاهرات، فأقاموا عيادات ميدانية في ساحة الاعتصام حيث قاموا بمعالجة الجرحى جراء عمليات إطلاق النار، يوم الإثنين.

وقال أحد الأطباء "جميع الحالات مستقرة حتى الآن، وتم نقل الأشخاص الذين بدت حالاتهم غير مستقرة إلى المستشفى".

السفارة الأميركية تحمّل "العسكري" مسؤولية مقتل محتجين

وفي سياق متصل، حمّلت السفارة الأميركية بالعاصمة السودانية الخرطوم، الثلاثاء، المجلس العسكري بالبلاد، مسؤولية "الهجمات المأساوية" على المحتجين؛ ما أسفر عن مقتل 6 منهم قبل يوم، وذلك في بيان نشرته السفارة على موقعها الرسمي بموقع "فيسبوك".

وقال البيان إن "الهجمات المأساوية على المحتجين التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، سببها محاولات المجلس العسكري فرض إرادته على المتظاهرين وإزالة المتاريس"، وأعربت السفارة عن تعاطفها مع أسر الضحايا الذين يطالبون بمحاسبة كاملة عما حدث لأبنائهم.

وأضافت أنه "لا ينبغي أن يسمح المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغير (التي تقود الحراك الاحتجاجي في الشارع)، أن تمنعهم أحداث الأمس من البناء على التقدم المحرز لإتمام المفاوضات بسرعة، لتشكيل حكومة انتقالية بقيادة مدنية".

وختمت السفارة بيانها بالقول: "نشجع السودانيين على مواصلة الإعراب عن رغبتهم في إقامة سودان مسالم وديمقراطي بطريقة سلمية، وألا يتم استفزازهم بأفعال من يعارضون التغيير".

اقرأ/ي أيضًا | قتلى وجرحى بالخرطوم بعد الاتفاق على هياكل الفترة الانتقالية

اقرأ/ي أيضًا | السودان: "الحرية والتغيير" تطالب "العسكري" بحماية المعتصمين