'لا يزال السكان متمسكين ببلدتهم التي صار عمر حصارها أربع سنوات'، يقول داني قباني لـ'عرب 48' من قلب البلدة الواقعة في غرب دمشق التي أنهكها الجوع والقتال، وأضعفها ترحيل جارتها داريا منذ أيام، في إطار اتفاق مع النظام، في ذات الليلة التي نتحدث فيها مع قباني، كان وفد من أهالي المعضمية قد توجه نحو دمشق لاستئناف المفاوضات مع النظام، والتي لا تبشر بخير قادم على البلدة، وفق قباني.

أكثر من 45 ألف مدني لا زالوا يعيشون في المعضمية ذات الطابع الريفي، والتي اختفت الكثير من معالمها جراء عمليات قصف مستمرة شنها النظام عليها منذ عام 2012، قبل أن توقع البلدة هدنة في 25- 12- 2013، اتفاق نص آن ذاك على إخراج المعتقلين وقف العمليات القتالية والسماح للمدنيين بالتنقل من وإلى دمشق، وإدخال المساعدات الغذائية والطبية إلى البلدة، لكن الاتفاق سرعان ما انهار وعاد القصف على البلدة إلى سابق عهده.

وبعد آذار 2011، كان جامع الزيتونة القديم في المعضمية مركزًا لانطلاق المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام السوري، لم يكن شبان المعضمية فقط هم من يقصدون الجامع في نهاية الأسبوع، البلدة كانت محج شبان من دمشق وريفها، بغرض التظاهر.

كانت المظاهرات تقصد ساحة البلدة، ومنها نحو الحي الشرقي ذو الطبيعة الموالية للنظام، عبر طريق يصل البلدة بجارتها داريا، حيث تلتقي مظاهرة المعضمية بمظاهرة داريا، تماما عند مبنى قيادة أركان جيش التحرير الفلسطيني.

داني غير متفائل، فقد عرف اليوم أن النظام لن يقبل تسوية وضعه، الشاب الناشط الإعلامي مطلوب من قبل النظام، وعليه أن يرحل باتجاه الشمال في حال تم الاتفاق بين الجانبين، فيما يخص المدنيين يرى قباني أن النظام لا يريد إخلاء البلدة كما فعل في داريا، فهو يريد أن يكمل 'المشهد'، يقول قباني إن 'النظام يريد أن يظهر أنه نجح في توقيع اتفاق يسميه المصالحة الوطنية، من خلال إظهار المعضمية كبلدة مهادنة لا يزال سكانها فيها بعد أن يخرج المقاتلين منها باتجاه شمال البلاد، يريد أن يقول للعالم إنه قادر على عقد الاتفاقات على الأراضي السورية وبالتالي حل كل الأزمة بجهوده فقط'.

ويدور الحديث اليوم عن أن النظام يريد من البلدة أن تشكل لجان عسكرية ستسمى 'الشرطة الداخلية'، تتولى السيطرة على المعضمية وحفظ الأمن فيها، أعضاء هذا الجهاز الجديد سيكونون من مقاتلي البلدة الموافقين على الاتفاق، أما الرافضين له فالنظام جاهز مع منظمات محلية ودولية، لنقلهم باتجاه إدلب مع ما يحملون من أسلحة.

لا يفاوض النظام السوري بلدة المعضمية ومقاتليها، إلا مع تهديدات مستمرة بقصف مستمر وطويل، كذلك الذي عرفته داريا قبل أسبوع واحد من إخلائها، ويقول أعضاء في لجنة المفاوضات إن النظام واضح 'ليس هناك الكثير من الوقت، إما أن تقبلوا بشروط الاتفاق الالتزام بتنفيذه، وإلا سيكون الرد قاسيًا'.

موقف البلدة التفاوضية هو الأضعف اليوم، يقول قباني 'إخلاء داريا أضعفنا كثيرًا، بتنا وحدنا الآن في المنطقة، لم يكن سرًا أن نلاقي ذات المصير بعد داريا مباشرة، مع هذا ليس الجميع هنا جاهز لتوقيع الاتفاق'.

هل تركت وحيدة فعلاً؟

ليست المعضمية وحدها من تركت وحيدة في الصراع السوري الحالي، سبقتها داريا التي فاجأت جميع القوى المعارضة السورية بتوقيعها اتفاق مع النظام نص على إزالتها من خاصرة العاصمة، ويؤكد المحلل العسكري، بشر معلوف، لـ'عرب 48' أنه 'لطالما صرخت داريا لكافة القوى الثورية في جنوب سورية وشمالها وحتى غوطتها، بأنها تواجه الموت وحيدة، لكن لم يستجب أحد أبدًا، حتى تلك القوى الكبيرة المنتشرة في جنوب دمشق أو غوطتها'.

وتابع معلوف 'إذا ما تم اتفاق المعضمية في الساعات القليلة المقبلة، سيصبح غرب العاصمة كاملًا آمنًا بالنسبة للنظام السوري، لم يعد هناك أي قوة قريبة من الممكن أن تصنف على أنها معادية، تفتح المعضمية الطريق أمام النظام حتى قطنا في اقصى الغرب، كمنطقة مُسيطر عليها بشكل كامل'.

ولطالما أشار قباني عبر صفحته الشخصية على موقع 'فيسبوك' إلى ما يسميه خلافات داخل المعضمية، تنذر بكارثة قادمة. ويقول قباني 'كنت أرفض حالة التشرذم التي تعيشها المؤسسات الثورية في البلدة التي لا تتجاوز مساحتها 2 كم، فيها ثلاثة فصائل عسكرية ترفض التوحد فيما بينها، لدينا ثلاثة قادة عسكريين، وهذا لم يعد معقولًا أو مفيدًا، ثم أن البلدة تفتقر تمامًا لمحاسبة المخطئين، حتى المجلس المحلي يبدو بلا صلاحيات أو نشاطات تذكر'.

والآن سلم!

بعد اتفاق عام 2013، سجلت البلدة قصفًا بالسلاح الكيماوي وفق ناشطيها، فيما رفعت مقاطع فيديو كثيرة لأطفال ونساء ورجال يتضورون جوعًا بعد أن أغلق النظام الطريق الوحيد للمعضمية، حتى قوافل الأمم المتحدة التي كانت تحمل مساعدات غذائية تعرضت لقصف بالهاون من قبل قوات النظام، كل هذا يجعل معلوف يعتقد أن النظام يريد أن يخلي البلدة تمامًا 'من الواضح أنها ليست مفاوضات من أجل عقد صلح محلي، هو يريد التخلص من كل البلدة ومن أثر جرائمه فيها، وهو ما يخطط له في كل أنحاء العاصمة دمشق وريفها، لا تستغرب إن سمعت بعد أيام أن جوبر وقعت اتفاق مماثل'.

اقرأ/ي أيضًا| سورية: قصف حمص وتهجير كامل لداريا

ولم يعد أحد في سورية يتنتظر موقفًا دوليًا حتى اتجاه مجرزة ترتكبها الطائرات الروسية بالقنابل الفسفورية، الرأي العام العالمي لا ينحاز للمدنيين، على الأقل في المواقف السياسية المعلنة أو الصمت الدولي والاكتفاء ببيانات الإدانة والشجب، لكن المسكوت عنه في الصراع السوري، هو أن السوريين أنفسهم باتوا صامتين على مجازر بعضهم، كل القوى الثورية تقريبًا تراقب جيرانها وكأن الأمر لا يعنيها، فيما ينتشر الفكر المناطقي يومًا بعد يوم، ومجزرة بعد مجزرة، ليكتفي كل بتشكيل حدود آمنة تقيه شر القتال.