بعد إحكام النظام السوري سيطرته على حلب (شمالًا) ودرعا (جنوبًا) وسيطرة المقاتلين الأكراد على معقل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الرقّة... تبدو المعركة المقبل في إدلب، آخر معاقل المعارضة... وعليها.


يترقب أحمد جابر الأنباء التي تبث يوميًا من دمشق، عن عملية عسكرية سيخوضها النظام السوري مدعومًا بحلفائه باتجاه مناطق ريف إدلب حيث يعيش، ويقول لـ"عرب 48" إنه قلق من احتمال حدوث ذلك، رغم الكلام الذي قاله رئيس الوفد الروسي في اجتماع أستانة الأخير، ألكسندر لافرينتيف، واستبعاده عملا عسكريًا من هذا النّوع.

جابر، كما الكثير من المدنيين بريف إدلب، لا يثق بالتصريحات الرسمية الروسية، سواء كانت تستبعد عملًا عسكريًا ضد المنطقة التي تضم أكثر من 3 ملايين ونصف مليون سوري من المهجرين قسريًا أو من السكان الأصليين: "العامل الحاسم بالنسبة لي هو طائرة ’السوخوي’ التي لا تغادر الأجواء، والتي تسبقها طائرات الاستطلاع".

منذ أن باتت محافظة إدلب ضمن مناطق خفض التصعيد المتفق عليها بين الدولة الضامنة، أي إيران وروسيا وتركيا، قتل أكثر من 500 مدني بغارات جوية روسية وسورية، طالت عدة مدن وبلدات بريف إدلب، فيما انتشر الجيش التركي ببطء في 12 نقطة، تسمى بنقاط المراقبة، لكن طيران النظام، على الأقل، لم يتوقف عن التحليق في أجواء ريف إدلب.

إدلب: أثر الغارات يرى، أثر الغارات لا يزول (أ ف ب)

رغم خشية جابر، إلا أن عضو مجلس محافظة إدلب، محمد سليم، يبدو أكثر تفاؤلًا بمستقبل مدينة إدلب، مع إقراره بوجود هاجس شعبي من عمل عسكري محتمل ضد المنطقة إلا أنه يعول على الطرف التركي، الذي أعطى، وفق سليم، ضمانات للمسؤولين المحليين في إدلب، في اجتماع جرى قبل أيام.

يقول سليم إنّ "هناك ارتياحا عاما بالنسبة لي بعد أن التقينا بعدد من المسؤولين الأتراك، الذين قدموا لنا تطمينات حول مصير محافظة إدلب، في اجتماعات دائمة معهم".

يتابع سليم: "المسؤولون الأتراك قالوا لنا، بوضوح، إنّهم لن يسمحوا باختراق اتفاقات أستانا السابقة، التي تنصّ على أنّ إدلب هي منطقة خفض تصعيد، كما أن مخرجات مؤتمر أستانا ١٠ توحي بذلك، أيضًا".

لا "إرهاب" في المستقبل

تبسط جبهة النصرة، التي غيّرت اسمها إلى هيئة تحرير الشام سيطرتها على مدينة إدلب وريفها منذ آذار/مارس عام 2015، حين خرجت المحافظة بشكل كامل عن سيطرة النظام السوري، وشكّلت "حكومة" خاصة سمّتها حكومة الإنقاذ في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، رغم وجود شبه فعلي للحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني السوري المعارض.

وتعيش مناطق ريف إدلب حالة أمنية متردية، عملية اغتيال يومية، وفلتان أمني شبه كامل، يعلّق عليها الناشط قيس رشيد لـ"عرب 48" بالقول إنه لا يمر يوم دون نبأ عن جثة جديدة نجدها على الطرقات العامة: "سُجّلت عمليات اغتيال لعدد من عناصر الدفاع المدني وقادة الفصائل المختلفة وبعض التجار ومدنيين ونساء، حوادث القتل تنتشر بشكل بات مرعبًا للسكان".

ورغم أنها تسيطر على كامل إدلب تقريبًا، إلا أن الأشهر الماضية شهدت اشتباكات عنيفة بين هيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) وجبهة تحرير سورية، بهدف تبادل السيطرة على المدن والبلدات، انتهت دائمًا باتفاقات وقف إطلاق نار هشة، ما تلبث أن تنهار لتعود الاشتباكات من جديد بين الطرفين، وتوقع العشرات من الضحايا، بينهم مدنيون.

يقول رشيد: "الفصائل لم تعد تمثل أحدًا منذ سنوات، الاقتتال الدائم بينها بات متعبًا، وعبئًا إضافيًا على السكان المرهقين اقتصاديًا وأمنيًا، علينا اليوم أن نراقب السماء للتحقق من عدم وجود طيران، والأرض للتحقق من عدم وجود ملثمين ينفذون عمليات اغتيال بحق أي ناشط أو مدني".

يتهم الناشطون المحليون النظام، أحيانًا، بالوقوف خلف عمليات الاغتيال، فيما يذهب البعض إلى وقوف تركيا خلف اغتيال قادة في النصرة أو تحرير سورية أو غيرها من الفصائل.

ويتابع سليم الحديث لـ"عرب 48"، متفائلًا بما هو قادم: الاجتماعات مع الجانب التركي خلصت إلى التعاون من أجل وضع هيكلية عمل إداري وحكومي لكامل إدلب بالتعاون مع الحكومة السورية المؤقتة، كما ستتعاون الفصائل العسكرية المنتشرة في المنطقة بهدف هذا الغرض".

يشير سليم إلى اتفاق حول الفصائل المصنفة بالإرهابية "سيتم العمل مع الفصائل العسكرية من أجل حلّ كل الفصائل التي تُصنف إرهابية في إدلب وذلك عن طريق تعاون تركي مع فصائل المعارضة المعتدلة".

جدران الأتراك في إدلب (رويترز)

حدود داخل الحدود

بدأ الجيش التركي، الشّهر الماضي، برفع جدران إسمنتية جديدة حول المناطق التي بسط سيطرته على في داخل الأراضي السورية، أي منبج وعفرين. وتظهر الجدران الإسمنتيّة المرفوعة للأبصار ترافقها حراسة مشددة لا تختلف عن تلك المتواجدة على الشريط الحدودي بين سورية وتركيا، بالتزامن مع أنباء سرّبتها صحف تركية حول اتفاق مع روسيا يسمح لأنقرة ببسط نفوذها على حلب وإدلب مقابل عودة اللاجئين وإعادة الأعمار مع انسحاب قوات النظام.

وللتعليق على ذلك، يقول المحامي عقبة باريش لـ"عرب 48" إنه يعتقد أن سورية ذاهبة للتقسيم، ودليل ذلك ما يتم الحديث عنه عن فيدراليّة في مناطق من البلاد "إدلب هي تجمع سنّي عربي كبير اليوم، ما يجعل تركيا مهتمة بها كثيرًا، المشاهدات التي نراها في ريف إدلب اليوم تدل على أن الطرف التركي لن يكرر ما فعلته واشنطن التي كانت الضامن في درعا جنوبيّ سورية ثم تخلت عنها، لن تفعل أنقرة المثل".

الحديث العلني بين سوريين في شمال سورية عمومًا، وريف إدلب خصوصًا، عن انتشار الجيش التركي وضمانه للأمن في أراضي سورية، لا يرى فيه باريش ما يسميه البعض باستدعاء الأجنبي، أو الاستقواء بالخارج، يقول باريش "أفضل أن أكون في دولة تحترم حقوق الإنسان، وأعيش فيها بكرامة بغض النظر عن الاسم والشكل، هذه أولويتي".