تحت عنوان "في تمثل النكبة فكريا وروائيا"، ناقشت الجلسة الثانية من أعمال اليوم الثاني لمؤتمر "سبعون عامًا على نكبة فلسطين... الذاكرة والتاريخ"، الأدبيّات والتخيّلات التاريخيّة والروائيّة لمشاهد النكبة مثلما تجلت بالأدب والثقافة الفلسطينية والعربية.

والمؤتمر من تنظيم واستضافة المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات في الدّوحة، الذي يديره د. عزمي بشارة، وافتتح أعماله أمس، السبت.

ورَأَسَ الجلسة الثانية الناقد اللبناني، صقر أبو فخر.

وقدّم الباحث الزّائر في كلية الآداب والعلوم في جامعة سيدني، إيهاب شلبك، مداخلة تحت عنوان "في معنى النّكبة: الكارثة والخلاص في فكر قسطنطين زريق"، محاولا توصيف الزمن التاريخي العربي المنكوب وتحليله. لافتا إلى أنّ هذا الكتاب يمثّل وثيقة تاريخية تعبر عن السياق الزماني- المكاني الإشكالي لذلك المعنى.

واجتهد شلبك في تحليل الكتاب ودراسة المرتكزات الفكريّة التي استند إليها زريق في توصيف معنى النكبة، والدور التاريخي الذي أدّاه هذا النص في أوساط نخبٍ عربيّة مثقّفة معيّنة.

وأوضح أنّ صياغة زريق لمعنى النكبة المتمحورة حول الكارثة والخلاص شكّلت حافزا لنمط معيّن من الفعل الفكري والسياسي، الذي ينظر إلى الهزيمة في فلسطين على أنّها صدمة للوعي العربيّ، من الممكن أن تحفزه على الالتحاق بالعصر والتسلح بأسلحته.

الصهيونيّة، في هذا الفكر يقول عنها شلبك إنّها "منتصرة، لأنها منتمية إلى هذا العصر، والعرب مهزومون، لأنهم متخلفون عنه".

وانتهى شلبك إلى القول إن "صياغة زريق شكّلت لمعنى النكبة المتمحورة حول الكارثة والخلاص حافزًا لنمط معيّن من الفعل الفكري والسياسي الذي ينظر إلى الهزيمة في فلسطين على أنها صدمة للوعي العربي، من الممكن أن تحفزه على الالتحاق بالعصر والتسلح بأسلحته"، بالإضافة إلى أن "مؤسسات التعليم الغربيّة لا تقدم فقط تعليمًا متقدمًا، بل تستحضر معها أزماتها السياسية والثقافية والاجتماعية"، لافتًا إلى أن "زريق حاول إنتاج حدث مطلق، ينقل التاريخ ولكن يبحث عن الاستثناء في هذا التاريخ".

وبعيدًا عن الهزيمة، قال النّاقد الأدبي والباحث في الأدبين العربيّ والعالمي، فخري صالح نواهضة، في محاضرته التي جاءت تحت عنوان "النكبة الفلسطينيّة روائيًا" إن "معظم الروائيين الفلسطينيين يسعون إلى كتابة النكبة من خلال التجربة الشخصية لهم، وقد ركّزوا على المناطق المحاذية لمناطقهم، مع إعادة بناء الشخصيات والإبداع، ومع الحفاظ على المادة التاريخية التي تمثل العصب الرئيسي لتلك الروايات. مثل [غسّان] كنفاني و[جبرا إبراهيم] جبرا".

وأضاف أن المتن الروائي العربي عامة، والفلسطيني خاصة، انشغل منذ سقوط فلسطين وقيام الدولة الصهيونية عام 1948، على إنجاز نص سردي متخيّل ينطلق من نكبة فلسطين والأحداث المصاحبة لها، من عمليات تطهير عرقي وتهجير قسري وشتات دفع الفلسطينيين إلى جهات الأرض الأربع".

ويعتقد نواهضة أنه بغض النظر عن مستوى المدوّنة الروائية الفلسطينيّة، وكذلك العربيّة، التي سعت للقبض على لحظة النكبة في الزمان والمكان، أو في ما يسمى ميخائيل باختين الكرونوتوب الروائي، إلا أنّ الرواية العربيّة وكذلك الروايات التي كتبها فلسطينيون بلغات أخرى استطاعت أن تقدّم رواية مختلفة عن الرّواية الصّهيونية لسقوط فلسطين وقيام الدولة العبرية".

وشرح أن المقصود من استعادة حدث النكبة في الروايات الفلسطينية الجديدة، هو إعادة بناء الهوية الفلسطينية انطلاقًا من ذلك الحدث المفصليّ.

وبهذا المعنى يقول الناقد الأدبي "تراكمت لدينا نصوص أساسية، يمكن النظر إليها بوصفها المدوّنة السردية المتخيّلة لسقوط فلسطين ونكبتها التي يمر عليها الآن سبعون عامًا".

وخلص إلى القول إن رواية "باب الشّمس" لإلياس خوري تعدّ روايةً مفصليّةً في التأريخ الفلسطينيّ والحكاية الفلسطينيّة.

أمّا الأستاذ الجامعي في كليّة الآداب بجامعة قطر، رامي أبو شهاب، فقدّم محاضرةً بعنوان "التخيّل والتاريخ: الرّوح الجمعيّة والتجلّيات والوظائف في رواية زمن الخيول البيضاء".

وانطلق أبو شهاب في محاضرته من محورية النكبة، بوصفها حدثا تاريخيا أنتج ما يمكن أن ننعته بـ"الصّدمة"، كما شاعت في الدّراسات الثقافية، والتي خصّصت مجالًا نقديًا واسعًا للبحث في تداعيات الأحداث الكبرى والمآسي على الأفراد والجماعات.

وهدف أبو شهاب من دراسته التي تمثل مفهوم السرد التاريخي في رواية "زمن الخيول البيضاء"، للروائي إبراهيم نصر الله، انطلاقا من فرضية الفعل والأثر لكل التجليات السردية المتخيلة والوظائف التاريخية، وتضافرها ضمن بنية واحدة.

ومن هنا، خلص أبو شهاب إلى القول "إنّنا نقرأ جدليّة العلاقة بين الحدث التاريخي والسّرد المتخيّل ضمن مسارات محددة، مستندين في ذلك إلى هيغل، ومفهومه لروح التاريخ الجمعي، جنبًا إلى جنب مع تنظيرات لوكاش وريكور، ولا سيما في ما يتعلق بالسرد التاريخي".