أشار تقرير نشرته صحيفة هآرتس إلى أنه بالرغم من سبع سنوات من "قرار المحكمة العليا ضد التعذيب في تحقيقات جهاز الأمن العام (الشاباك)"، يبدو أن جهاز الأمن يزحف باتجاه الأساليب "القديمة"، بدءاً باحتجاز المعتقلين معلقين في الهواء بواسطة قيود بأيديهم وأرجلهم، أو قلع شعر الذقون أو إدخال أشياء في المؤخرة، وذلك بحسب "اللجنة الشعبية ضد التعذيب" استناداً إلى ما يقارب 40 شكوى قدمت في السنة الأخيرة من قبل معتقلين كانوا عرضة للتعذيب.

ومن المفارقة أن من يقوم بفحص هذه الشكاوى هو رجل جهاز الأمن العام التابع للنيابة العامة. ولم يجد في أي حالة من الحالات المذكورة سبباً لفتح تحقيق جنائي ضد المحققين في الشاباك.

ويتناول التقرير إحدى حالات التعذيب التي حصلت مؤخراً هي قصة مصطفى أبو معمر. ففي أيار/ يوليو، وقبل 24 ساعة من عملية "الوهم المتبدد" والتي تم فيها أسر الجندي غلعاد شاليط، اقتحم جيش الإحتلال بيت أبو معمر، أحد سكان رفح، وقام جنود وحدة خاصة في الجيش باعتقاله، كما تم اعتقاله شقيقه. وبعد عدة أسابيع روى أبو معمر لمحامي اللجنة ضد التعذيب ما حصل له.

يقول أبو معمر أن ثلاثة من المحققين وصلوا إلى بيته في الساعة السادسة صباحاً، بعد ساعة من تنفيذ عملية الوهم المتبدد، وانهالوا عليه بالضرب، في حين أمسك المحقق "موطي" بخناقه حتى أوشك على الموت اختناقاً، وقاموا بإخراجه بالقوة من البيت.

بعد ذلك انتقل المحققون إلى ما يسمى "تمارين رياضية"، بحسب أبو معمر. فقد أجبروه على الجلوس على الكرسي بحيث يكون المتكأ على يمينه لا خلف ظهره، وبدأوا بدفعه إلى الوراء وأرجله مقيدة بالكرسي، الأمر الذي أدى إلى شد عضلات البطن لفترة طويلة وسبب له بالآلام المبرحة التي لا تطاق.

سأله المحققون عن أنفاق، تشير لائحة الإتهام واعترافه إلى أنه كان شريكاً في حفرها، ورافق ذلك شتمه وشتم والده وأمه، وتهديده بهدم البيت في حال رفض التعاون. كما أخبروه بأنهم اعتقلوا شقيقه وانه يتعرض للتعذيب.

بعد ذلك أجبره المحققون على الوقوف على أطراف أصابع قدميه، ثم ثني رجليه ("القمبزة" بلغة الأسرى- أو ما يشبه جلوس القرفصاء) ، وهي تسبب آلاماً شديدة، خاصة وأن المحققين أجبروه على الوقوف بهذه الوضعية ساعات طويلة، وفي كل مرة كانت تنزل كفة قدمه إلى الأرض، أو يتحرك قليلاً، يتلقى الضرب الشديد.

وينضاف تصريح أبو معمر هذا إلى سلسلة تستمر في التطاول من الشكاوى من التعذيب الذي يمارسه محققو الشاباك تجاه المعتقلين الفلسطينيين. وبحسب اللجنة ضد التعذيب، فإن أساليب التحقيق التي يتبعها الشاباك تزحف باتجاه العودة إلى الفترة التي سبقت عام 1999، حين منعت المحكمة العليا مواصلة التعذيب.

أما في حالة أبو معمر فكان بإمكان الشاباك الإدعاء بأنه يمثل حالة واضحة مما يسمى "القنبلة الموقوتة"، حيث أنه وبموجب لائحة الإتهام فقد كان له دور صغير في التخطيط لأسر الجندي، وأن التحقيق معه قد يقود إلى مكان الجندي الأسير، إلا أنه وبالرغم من أن التعذيب قد بدأ قبل أسر الجندي، وتواصل بعد أسره، فمن الواضح أنه ليس لديه أدنى فكرة عن مكان وجوده.

وبحسب المحامية ليئا تسيمل، والتي تمثل أيضاً المعتقل أبو معمر، فإن الشاباك يستخدم التعذيب في ما يقارب 20% من حالات الإعتقال، أما الباقون فيجري التحقيق معهم بطرق محكمة أكثر عن طريق استخدام العصافير (العملاء داخل السجون) أو الإغراء أو التهديد.

وفي السنة الماضية وحدها أرسل من اللجنة ومنظمات حقوق الإنسان المختلفة إلى المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز، ما يقارب 40 شكوى تتصل بتعذيب خطير. وتقول مديرة اللجنة ضد التعذيب، حانا فريدمان، أن اللجنة تشدد على صدقية الشكوى، وفي المقابل فإن المستشار القضائي للحكومة لم يجد في أي من الشكاوى سبباً لفتح تحقيق ضد المحققين.

تجدر الإشارة إلى أن إجراءات معالجة الشكاوى هي إجراءات ثابتة ومعروفة، فالشكاوى تنقل من المستشار القضائي إلى المسؤول عن فحص شكاوى المعتقلين، وهو من عناصر جهاز الأمن العام (الشاباك) والذي يعمل تحت سلطة النيابة. وبعد مدة زمنية تصل رسالة تشير إلى أن المسؤول قام بفحص الشكوى والتقى مع المعتقل والمحقق. وهنا توجد إجابتان متوقعتان، الأولى أن لا أساس للحقائق الواردة في الشكوى.

أما الثانية فهي تشرعن أساليب التحقيق التي اتبعت مع المعتقل، ويرد في الإجابة جملة ثابتة تقول:" إن فحص الشكوى قد بين أن المعتقل قد تم اعتقاله للتحقيق بسبب شبهات جدية ضده، والتي تستند على معلومات موثوقة تشير إلى أن له دوراً أو قدم المساعدة في تنفيذ عملية إرهابية خطيرة كان يتوقع تنفيذها في مدى زمني قصير بهدف تعريض حياة أناس للخطر"، وبعبارة أخرى فإن المعتقل يصبح في هذه الحالة "قنبلة موقوتة"..

ولعل في تحقيق الشاباك مع نفسه، أشبه ما يكون بما يسمى "وحدة التحقيقات مع أفراد الشرطة" المسماة "ماحاش"..

يروى المعتقلون الذين جرى التحقيق معهم في الشكاوى عن "وثيقة" يعرضها المحققون، يذكر فيها إمكانية إجراء "تحقيق عسكري" معهم، يأتي بعدها سلسلة من عمليات التعذيب. ويصف المعتقلون عدداً من حالات التعذيب التي يتعرضون لها.
ومن بين حالات التعذيب التي تتكرر كثيراً هي وضعيات جلوس مؤلمة جداً تعرف بإسم "الموزة" و"نصف الموزة" و"الضفدع" و"القمبزة" و"نصف القمبزة"، بالإضافة إلى شد القيود المؤلم، والمنع من النوم، والهز والضرب والصفعات.

كما يصف المعتقلون طرق تحقيق (تعذيب) أخرى جديدة. حيث يقول محمد برجية من قرية معصرة (الإسم بحسب "هآرتس") الذي اعتقل مؤخراً، أنه استخدمت معه طريقة تعذيب جديدة تسمى "الجسر المعلق". وبحسب أقواله فإن ثلاثة محققين قاموا بتعليقه بواسطة القيود في الهواء ووجهه باتجاه الأرض. ويضيف أن هذه الطريقة كانت الأشد إيلاماً، جلعته يكتشف لاحقاً وجود دماء في بوله.

ويقول معتقل آخر، عصام راشد من طولكرم لمحاميه بأن محققي الشاباك قاموا بتقليع الشعر من ذقنه. أما عارف طبنجة من نابلس، فيقول أنه علق من قدميه ورأسه إلى أسفل مدة تزيد عن نصف ساعة، قام المحققون خلالها بضربه على مواضع جنسية حساسة بأيديهم وبعصا ملفوفة بالقماش. إلا أن الأخطر كان التنكيل "الجنسي" بالمعتقل، والذي وصفه أحد المعتقلين في نهاية شهر آب/أغسطس. حيث يقول بأنه محققاً بإسم "الكابتن دانييل" قد سأله إذا كان قد مر بتجربة جنسية مثلية، ولما أجاب بالنفي، قام المحقق بخلع ثياب المعتقل المكبل بالقيود بالقوة وأدخل أشياء إلى مؤخرته..

تجدر الإشارة إلى أن المحكمة العليا كانت قد قررت عام 1999 منع استخدام التعذيب أثناء تحقيقات الشاباك. وكتب القاضي أهارون براك في حينه أن المنع هو مطلق، إلا أن المحكمة تركت "ثغرة" تتيح مواصلة التعذيب، تعتمد على بند في قانون العقوبات، يحدد أن "الإنسان لا يتحمل مسؤولية جنائية إذا لجأ إلى عمل كان مطلوباً بشكل فوري لإنقاذ حياته أو حياة آخرين"، ومن هنا فإن المحكمة العليا قررت عدم إدانة محققي الشاباك الذين استخدموا وسائل عنيفة في التحقيق، إذا تبين بعد ذلك أنه بواسطة التعذيب تم منع مس بالجمهور بشكل فوري.

وبحسب اللجنة ضد التعذيب فإن هذا الشرخ الضيق والمسمى "القنبلة الموقوتة" أو "الوسائل الخاصة" بدأت تتسع بشكل تدريجي منذ العام 1999، وفي السنة الأخيرة يتزايد عدد شكاوى المعتقلين جراء التعذيب.

تجدر الإشارة إلى أنه منذ أن تم تعيين لجنة لنداو في سنوات الثمانينيات لفحص أساليب التحقيق التي يتبعها جهاز الأمن العام، والتي بالنتيجة شرعنت عملية التعذيب بإتاحة ما يسمى "حد معقول من الضغط الجسدي والنفسي"، جرى سن المزيد من القوانين التي تعطي عناصر الشاباك المزيد من الحرية في الإستفراد بالمعتقل لفترة أطول. كان آخرها قبل 5 شهور حين تمت المصادقة في القراءة الثانية والثالثة في الكنيست على أجراء تعديلات في القانون الجنائي، بموجبها يصبح من الممكن إبقاء المعتقل رهن الإعتقال مدة 96 ساعة متواصلة بدون أن يتم إحضاره إلى المحكمة، بدلاً من 48 ساعة، كما تمنح التعديلات المحكمة صلاحية تمديد اعتقال المتهم المشتبه بمخالفات أمنية لمدة تصل إلى 20 يوماً متواصلة بدون إحضاره إلى المحكمة.