اكدت جمعيّة حقوق المواطن، في تقريرها السنوي للعام 2005، والذي نشرته اليوم الإثنين (12.12.2005)، مواصلة اسرائيل انتهاج سياسة اقتصادية تمس بالحقوق الأساسية للانسان وفي مقدمتها حق العيش بكرامة، وتعمق سياسة التمييز ضد المواطنين العرب واستغلال العمال الأجانب.
وجاء في التقرير الذي يتطرق الى أوضاع حقوق الإنسان في إسرائيل وفي المناطق الفلسطينية المحتلة، والذي يحمل عنوان "صورة عن الوضع القائم: 2005"، ان أكثر المتضررين من هذه السياسة هم المسنون الذين يضطرون بغالبيتهم للتنازل عن الدواء والغذاء بسبب وضعهم الإقتصادي الصعب. كما يشير التقرير الى امتداد أيدولوجيّة الخصخصة التي تنفذها الحكومة، إلى مجالات الخدمات الإجتماعيّة كالصحة والتعليم والرفاة والعمل والسجون، حيث يتم سلب حقوق الإنسان الأساسيّة وتحوله بين ليلة وضحاها من صاحب حق إلى مستهلك يخضع لسلطة القوى التجاريّة في السوق.
إلى جانب انتهاكات حقوق الإنسان الإجتماعيّة والإقتصاديّة، يخصص التقرير مساحة واسعة للمس المتواصل بحقوق الأقليّة العربيّة وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني في الأراضي المحتلّة.
وننشر فيما يلي الباب الخاص بأوضاع الأقليّة العربيّة في اسرائيل والانتهاكات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين في المناطق المحتلّة:
بالرغم من مرور خمس سنوات على هبّة أكتوبر التي خرج فيها المواطنون العرب للتظاهر تعبيرًا عن غضبهم ازاء التمييز التاريخي بحقّهم وبالرغم من توصيات لجنة التحقيق الرسميّة في أحداث أكتوبر ("لجنة أور") التي شددت على ضرورة إلغاء التمييز بحق المواطنين العرب في جميع مجالات الحياة، فإنّ التمييز بحق المواطنين العرب ما زال قائمًا، بل هو في تصاعد مستمر في جميع المجالات. لم تقم الدولة باتباع مبدأ التوزيع العادل للأراضي ولم يتم تخصيص الميزانيات لسد الفجوات بين اليهود والعرب في الدولة ولم يتغيّر توجه الشرطة بالنسبة للمواطنين العرب. وأفرغت اللجنة الوزاريّة، التي أقيمت لمتابعة توصيات لجنة أور، التوصيات من مضامينها.
أغلق قسم التحقيق مع الشرطة "ماحاش"، ملفات التحقيق في مقتل الشهداء الـ13 الذين سقطوا في هبّة أكتوبر 2000 بادعاء عدم وجود أدلّة. ويشير التقرير الذي نشرته "ماحاش" بعد إغلاق الملفّات بوضوح إلى أنّ "ماحاش" لم تستخلص العبر ولم تتخذ أي خطوة نحو تغيير توجهها، فبدلاً من تحليل التظاهرات والتحقيق فيها وفق المعايير التي من المفروض أن ترشد الشرطة في عملها، تعاملت "ماحاش" مع المواطنين العرب كـ"محليين" واتبعت اسلوب التحقيق في العمليّات العسكريّة. ولم تقم ماحاش بتقييد أساليب الشرطة في التعامل مع المواطنين العرب.
أكثر ما يثير قلق جمعيّة حقوق المواطن كتنظيم لحقوق الإنسان هو محاولة الدولة تكريس التمييز بحق المواطنين العرب بواسطة سن قوانين مميزة وعنصريّة تسلب منهم الحقوق على أساس انتمائهم القومي. ويتجلى هذا الأمر، بشكل خاص، في القانون الذي صادق عليه البرلمان الإسرائيلي في العام 2003 والذي يمنع لم الشمل بين مواطني الدولة والفلسطينيين من المناطق المحتلّة.
بالرغم من مرور سنتين على الإلتماس الذي قدمته جمعيّة حقوق المواطن لإلغاء القانون العنصري، لم تصدر "محكمة العدل العليا" أي قرار في الإلتماس بعد. في المقابل يصادق البرلمان الإسرائيلي المرّة تلو الأخرى على القانون من جديد مع إضافة بعض التعديلات التجميلية هنا وهناك. وبين هذا وذاك تعاني مئات العوائل من هذا القانون العنصري ويعيش الأطفال بعيدًا عن أمهاتهم أو أبائهم.
إنّ تجميد معاملات لم الشمل هو عقاب جماعي بحق الفلسطينيين جميعًا والسبب الرئيسي من وراء سنّ هذا القانون هو الخوف الديموغرافي وليس "حماية الدولة من الإرهاب" كما تدعي الدولة.

تتواصل معاناة الأقليّة العربيّة في إسرائيل من التمييز بحقها في مجال توزيع الأراضي، فبينما تخصص الدولة أراضي ذات قيمة كبيرة لليهود فقط، يعاني المواطنون العرب من التمييز الممؤسس والتاريخي بحقهم. ويأتي هذا التمييز على أشكال مختلفة: مصادرة الأراضي وتضييق مناطق نفوذ البلدات العربيّة؛ تقييد استعمال الأراضي العربيّة؛ التمييز الممؤسس في مجال المعونات الإقتصاديّة التي تقدمها الحكومة للسكن بواسطة منح امتيازات للاستيطان اليهودي في الجليل وفي النقب؛ منع العرب من شراء البيوت والأراضي في البلدات اليهوديّة؛ التمييز الصارخ في مجال التخطيط. فمن ناحيّة تعمل الدولة جاهدة على إقامة بلدات يهوديّة جديدة بينما لا تعترف بقرى عربيّة حتى تلك التي أقيمت قبل العام 1948.
وتتبع الدولة ودائرة أراضي إسرائيل سياسة مميزة في توزيع الأراضي وترفض تسويق الأراضي المعدة للبناء للمواطنين العرب في البلدات اليهوديّة الصغيرة وفي المدن، مثل كرميئيل، بإدعاء أنّ الأراضي تابعة لصندوق أراضي إسرائيل ("الكيرن كييمت") وعليه فهي معدّة لليهود فقط!.
قدمت جمعيّة حقوق المواطن ومؤسسات حقوقيّة أخرى التماسًا لإلغاء هذه السياسة وادعت أنّ الحق الدستوري في المساواة يُلزم دائرة أراضي إسرائيل، كونها مؤسسة عامة، الامتناع حسب القانون عن استخدام الموارد الخاضعة لسيطرتها لصالح فئة واحدة.

تواصل الدولة سياسة عدم الإعتراف بالأغلبية المطلقة من القرى العربيّة في النقب. هذه القرى سكنها أهلها منذ مئات السنين، وتمّ نقل بعضهم إليها في الخمسينيات والستينيات بحكم أوامر عسكريّة أصدرتها السلطات الإسرائيليّة. تعتبر الدولة هؤلاء المواطنون "غزاة" وتسن القوانين لطردهم من أراضيهم.
استعانت الدولة هذه السنة بقانون صادقت عليه الكنسيت في العام 2005 وهو قانون الأراضي العامة (طرد الغزاة) (2005). كذلك اتحذت الدولة إجراءات متطرفة أخرى مثل هدم البيوت وتدمير المحاصيل الزراعيّة. وفي الوقت الذي تضغط فيه الدولة على المواطنين العرب، سكان القرى غير المعترف بها في النقب، كي يتركوا أماكن سكناهم، من دون إيجاد البدائل التخطيطية الملائمة لهم، تخصص الدولة أراضي واسعة لليهود فقط وتخول المجالس الإقليمية اليهودية "الحفاظ على الأراضي" من سكانها الأصليين من عرب النقب. واتبعت الشرطة نفس الأساليب التي استعملتها في أكتوبر 2000 لقمع مظاهرات المواطنين العرب في النقب فقامت بإطلاق النار لغرض تخويفهم أثناء تصديهم لحملات توزيع وتنفيذ أوامر هدم البيوت.

يصعب تلخيص إنتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الفلسطينيون في المناطق المحتلّة في أسطر، فهي بالتأكيد تطال جميع الحقوق وجميع مجالات حياتهم، من الحق في الحياة إلى الحق في كسب لقمة العيش، ومن الحق في الصحة إلى الحق في التعليم والحق في حياة عائليّة. تقيّد إسرائيل حريّة حركة الفلسطينيين وتشل حركتهم الإنسانيّة والإقتصاديّة. بالرغم من انخفاض عدد القتلة في الأراضي المحتلّة بعد قمّة شرم الشيخ، فقد قتل الجيش الإسرائيلي 118 فلسطينيا منذ شباط 2005 حتى تشرين الثاني 2005 منهم 33 قاصرا.
وأشار التقرير بقلق إلى استمرار سياسة الإغتيالات المناقضة لكل معيار قانوني محلي ودولي أو أخلاقي.
تلقى هجمات المستوطنين على الفلسطينيين تشجيعًا ضمنيًا جراء تقاعس سلطات تطبيق القانون عن اداء واجبها. في الصيف المنصرم صادق الكنيست الإسرائيلي على اقتراح قانون لا يستطيع الفلسطينيون بحسبه تقديم دعاوى للحصول على تعويضات من دولة إسرائيل على الأضرار التي لحقت بهم من قبل قوات الأمن حتى إن كانت تلك الأضرار قد لحقت بهم خارج نطاق عملية عسكرية وحتى إن كانت لحقت بهم نتيجة لعمليات عنف (من المستوطنين مثلا). ويسري القانون بشكل تراجعي منذ بداية الإنتفاضة الحاليّة. وتبث الدولة بواسطة هذا القانون رسالة للفلسطينيين بحسبها لا قيمة لحياتهم ولحقوقهم لأن المحكمة لن تسعفهم ولأن مُغتصب حقوقهم معفي من المسؤوليّة أمام القانون. يلغي هذا القانون عمليًا أية مراقبة على عمليات الجيش في الأراضي المحتلة ويشجع عدم إجراء التحقيقات وعدم محاكمة المسؤولين عن حالات الموت والإصابة التي حصلت بسبب إطلاق نار عشوائي وبسبب التعذيب أو هدم الأملاك المدنيّة.
يخصص التقرير فصل كامل لوصف انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق المحتلّة في أعقاب بناء جدار الفصل العنصري. ومع بناء الجدار وتسييج القرى الفلسطينية وتحويلها لمنطقة معزولة، شرع الجيش الإسرائيلي في استعمال سياسة التصاريح، التي أدت إلى عزل السكان الفلسطينيين كلياً عن العالم الخارجي.
وإلى جانب فقدان مصدر رزقهم وعزلهم الإجتماعي، يتعرض السكان للذل والهوان من قبل الجيش، فيهدد الأخير طلاب المدارس بالسلاح، ويضطر الطلاب إلى قطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام على امتداد مسار الجدار من أجل الوصول إلى مدارسهم. ويمنع الجيش سيارات الإسعاف من دخول منطقة القرى الفلسطينية، ويفرض القيودات على السكان المحتاجين للعلاج الطبي.