كتبت صحيفة "هآرتس" الصادرة صباح الجمعة، أن مقربين من رئيس الليكود بنيامين نتانياهو يناقشون فكرة "تسوية مؤقتة" بين إسرائيل وسورية، تعلن بموجبها الدولتان عن "وضع لا حرب"، مقابل انسحاب إسرائيل من منطقة صغيرة في الجولان السوري المحتل.

وجاء أنه بالنسبة لإسرائيل فإن الهدف هو تقليص إمكانية حصول مواجهات عسكرية في الشمال، وإضعاف التهديد الإيراني، وإظهار أن حكومة نتانياهو على استعداد لتقدم حذر في العملية السياسية. وبموجب التسوية المشار إليها فإن إسرائيل تنسحب من مساحة صغيرة، لتقوم بعد ذلك بدراسة "تصرف السوريين ومدى جاهزيتهم للابتعاد عن إيران وحزب الله وحماس، بدون تحمل أية مخاطر أمنية".

ونقل عن مقربين من نتانياهو أيضا قولهم إن فكرة التسوية المؤقتة مع سورية ملائمة جدا لنتانياهو، وأن هناك إمكانية لحصول ذلك، حيث أنه يأخذ بعين الاعتبار ما يمسى بـ"تشكك اليمين بشأن التسوية"، علاوة على "تفاؤل اليسار الذي سيؤيد أي تقدم سياسي".

وأشارت في هذا السياق إلى أن نتانياهو كان قد صرح عشية الانتخابات بأن الجولان السوري سيبقى تحت السيادة الإسرائيلية. وقال في حينه إن الجولان هي الحدود الآمنة لأن إسرائيل فوق الجولان وليست تحته". كما سبق وأن قال مرارا إن "الانسحاب من الجولان سيجعل المنطقة قاعدة إيرانية". واعتبر المفاوضات غير المباشرة التي أجراها رئيس الحكومة الإسرائيلية المنصرف، إيهود أولمرت، تنازلا بدون مقابل، وأنها خطوة لا حاجة لها ساعدت سورية في الخروج من عزلتها الدولية.

وأضافت الصحيفة أن تسوية تتضمن انسحابا مقلصا فقط، وتبقي إسرائيل في الجولان من الممكن ألا يتناقض مع تصريحات نتانياهو.

وتابعت أن كافة الجهود للتوصل إلى سلام بين سورية وإسرائيل، منذ مؤتمر مدريد في تشرين الثاني/ أوكتوبر 1991، قد استندت إلى نفس المعادلة: انسحاب إسرائيلي من كل هضبة الجولان، مقابل تطبيع وعلاقات سلام كاملة وترتيبات أمنية تبعد الجيش السوري عن الحدود، وتمنح إسرائيل إنذارات استخبارية.

وأضافت أن هذه التسوية تبدو بسيطة بالمقارنة مع المفاوضات المركبة مع الفلسطينيين. حيث أنه لا شك أنه "يوجد شريك" قادر على اتخاذ القرارات وتنفيذها، ولا يوجد مشاكل حساسة ودينية مركبة مثل القدس أو اللاجئين. ومع ذلك فإن كافة الجهود قد أخفقت ولم يتحقق شيئا. فقد أدار المفاوضات المباشرة وغير المباشرة مع سورية ستة رؤساء حكومة إسرائيليين؛ يتسحاك شمير ويتسحاك رابين وشمعون بيرس ونتانياهو وإيهود باراك وأولمرت. وفقط أرئيل شارون لم يرغب بذلك. وفيما عدا شمير فإن جميعهم وافقوا على الانسحاب المبدئي من الجولان. وفي فترة باراك فقد تقلص الخلاف إلى حزام بعرض 200 متر، بيد أنه لم يتم إغلاق الفجوة.

وكان المشترك لكافة هذه الإخفاقات أن إسرائيل رفضت الانسحاب إلى الخطوط التي طلبها السوريون، والتي تعيد لهم السيطرة على الشاطئ الشمالي الشرقي لبحيرة طبرية، في حين رفضت سورية التطبيع والدبلوماسية.

وبحسب الصحيفة فإن نتانياهو أجرى مفاوضات سرية، غير مباشرة بواسطة رجل أعمال أمريكي، مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، عام 1998، عندما بحث عن مسار يتجاوز فيه المحادثات مع الفلسطينيين. وفيما ادعى نتانياهو أن هناك موافقة سورية على إبقاء محطة إنذار في حرمون، والتزام إسرائيل بإخلاء كافة المستوطنات، فإن مقربين من باراك قالوا إن نتانياهو كان "سخيا جدا"، وعرض أن يتم ترسيم الحدود بناء على خط الحدود الدولي وخطوط العام 1967. كما ادعت أن الرئيس السوري في حينه أصر على رؤية خريطة مفصلة إلا أن نتانياهو رفض، وبذلك انتهت المفاوضات بدون نتائج.

وفي فترة ولاية أولمرت لم يتم الوصول إلى مرحلة المفاوضات المباشرة، بل توقفت عند تبادل الرسائل غير المباشرة بواسطة تركيا، ووصلت الاتصالات أوجها لدى وصول أولمرت إلى أنقرة عشية شن الحرب على قطاع غزة.

وتابعت هآرتس أن المحادثات التي أجراها أولمرت بشكل غير مباشر مع السوريين تميزت بعقبة جديدة، لم تكن قائمة من قبل. حيث أن إسرائيل لم تكتف بطلب جعل الجولان منزوع السلاح، وتحديد انتشار الجيش السوري فيه، وإنما تركزت في قضية التحالفات العسكرية لسورية. وطلب أولمرت أن تقوم سورية بخفض علاقاتها مع إيران ووقف مساندتها لحزب الله وحركة حماس، وبالنتيجة فقد رفض السوريون الاستجابة لهذا الطلب.

وعلى أرض الواقع فإن التسوية المؤقتة المشار إليها تعني أن تنسحب إسرائيل من القرى السورية في شمال الجولان، أو من بعضها، كما من الممكن دراسة إمكانية إخلاء مستوطنة أو إثنتين في الجولان لإضافة مصداقية على الانسحاب الإسرائيلي، وفيما عدا هذا الاتفاق فلن تكون هناك أية خطوة باتجاه التطبيع، مثل تبادل دبلوماسيين في أية مستويات.

إلى ذلك، تشير معطيات الدائرة المركزية للإحصاء والمحتلنة حتى أيلول/ سبتمبر 2008، إلى أنه يسكن الجولان ما يقارب 40 ألف شخص، منهم 21.5 ألف سوري في القرى السورية الأربع (أكبرها مجدل شمس 9700 نسمة)، وما يقارب 18.5 ألف مستوطن يهودي، منهم 6500 مستوطن في "كتسرين"، والباقون موزعون على 31 مستوطنة في المجلس الإقليمي "غولان".

وبحسب "قانون هضبة الجولان"، من العام 1981، فإن الجولان منطقة خاضعة للسيادة الإسرائيلية، إلا أن إسرائيل امتنعت عن وضع خطط تطوير واستيطان واسعة في الجولان. أما قانون "تحصين الجولان" من العام، فهو يلزم بأغلبية 61 عضو كنيست من أجل التنازل عن منطقة تقع تحت السيادة الإسرائيلية ومصادقة على القرار في استفتاء عام، الأمر الذي يضيف عقبة سياسية أمام الانسحاب من الجولان.

وتشير الصحيفة إلى سابقة مشابهة، مثلما حصل في الاتفاق المؤقت مع مصر في العام 1975، حيث التزم الطرفان بعدم حل الصراع القائم بالقوة العسكرية، وإنما بطرق سلمية، وانسحبت إسرائيل من نقاط رئيسية استراتيجية في سيناء مثل معبري المتلا والجدي وحقل النفط أبو رديس، وتم وضع ترتيبات أمنية بضمنها محطة إنذار تقوم طواقم أمريكية بتفعيلها.

وبحسب الصحيفة فإن الأساس في الاتفاق المؤقت مع مصر لم يكن الانسحاب أو التصريحات بإنهاء الصراع بطرق سلمية، وإنما التدخل الأمريكي. حيث أن الاتفاق نقل مصر من الكتلة السوفييتية إلى المعسكر الأمريكي. وبالنسبة لإسرائيل فإن الاتفاق المؤقت قد رفع من مستوى المساعدات العسكرية والتعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، الأمر الذي كان مهما جدا بالنسبة لرابين.

وتشير الصحيفة إلى أن الرئيس الأمريكي في حينه، جيرالد فورد، قد تعهد لإسرائيل آنذاك، من خلال رسالة مشهورة، بأن تعطي الولايات المتحدة وزنا كبيرا للموقف الإسرائيلي بالبقاء في الجولان حتى مع اتفاق سلام مع سورية.

ونقلت الصحيفة عن البروفيسور أيال زيسر، رئيس مركز "ديان" في جامعة تل أبيب والمختص بالشؤون السورية، قوله إن الرئيس السوري بشار الأسد سوف يرفض هذه التسوية الجزئية. وقال إن السوريين لا يرون في سابقة مثلما حصل مع مصر أو الأردن نجاحا كبيرا، وإنما تعبيرا عن تراجع قومي عربي أمام إسرائيل والولايات المتحدة.

كما جاء أن زيسر يعتقد أن الرئيس السوري لن يتخلى عن تحالفه مع إيران، وربما يريد تحسين علاقاته مع الغرب في أحسن تقدير من خلال المحافظة على علاقة وطيدة مع إيران. وبحسبه فإن الأسد لا يرى أية شرعية في تسوية مؤقتة تطيل أمد الاحتلال في الجولان وتمنحه الشرعية. وأن سورية قد توافق على اتخاذ خطوة كبيرة باتجاه إسرائيل فقط في حال انسحاب الأخيرة إلى خطوط الرابع من حزيران 1967.

ونقلت الصحيفة عن الجنرال احتياط، أوري ساغي، الذي أشغل منصب رئيس الاستخبارات العسكرية سابقا، وأدار المفاوضات في فترة ولاية باراك، أنه ليس متحمسا من التسوية المؤقتة. ونقل عنه قوله إنه يعتقد أن السلام ممكن مع سورية اليوم، وأنه من الممكن إيجاد معادلة لحل الخلاف حول الحدود. وبحسبه فإن هناك صعوبة في تحديد ماذا ستربح إسرائيل من التسوية المؤقتة، لكون الجمهور، بحسبه، يؤيد الرزمة الشاملة مع التطبيع.