شنّ التعليق الدوري الصادر عن "مركز يافه للدراسات الإستراتيجية" في جامعة تل أبيب هجومًا على أوروبا بسبب ما أسماه "تلكؤها في اتخاذ ما يلزم من أجل فرض عقوبات على إيران" تتعلق بملفها النووي. واجتهد التعليق، الذي جاء تحت عنوان "وهن الإصرار الدولي على مجابهة إيران" وحمل توقيع إميلي لانداو، لكي يدرج وقائع الحرب الإسرائيلية على لبنان في عداد "الأسباب الوجيهة" التي تستوجب تصعيد المواجهة الدولية مع إيران.

وفيما يلي أبرز ما ورد فيه:

في 31 آب الماضي (2006) أوضحت إيران أنه ليس في نيتها التجاوب مع مطلب مجلس الأمن الداعي إلى تجميد أي نشاط يتعلق بتخصيب اليورانيوم، طبقًا لما نصّ عليه القرار رقم 1696 من أواخر تموز. ورغم رفض إيران هذا لم تفتح الأبواب أمام بحث فوري بشأن فرض عقوبات عليها، حسبما كان متوقعًا. وعمليًا فإن النية المعلنة للأسرة الدولية بأن تجبر إيران في نهاية المطاف على التعاون معها أو الانكشاف كما لو أنها تعمل بإصرار على تحصيل سلاح نووي، لم تتحقق، وبقيت الولايات المتحدة وحيدة في مواصلة المطالبة بفرض عقوبات.

الزعماء الأوروبيون، الذين كانوا بحسب تقارير الأشهر الأخيرة مصرين على عدم السماح لإيران بمواصلة عدم الانصياع لمطالب الأسرة الدولية، يردون الآن على رفض إيران بالبحث عن طريق يفضي إلى مواصلة المفاوضات. وعليه، يبدو أن الصرامة المعلنة للأوروبيين كانت أقرب إلى الاستعراض من كونها تنطوي على نية حقيقية. لقد أفلحوا في الحفاظ على صورتهم الصارمة طالما كانت العقوبات بمثابة إمكانية نظرية نائية، لكن عندما حانت لحظة الحقيقة تبخر إصرارهم. ويفضل الأوروبيون، كما الروس والصينيون، الامتناع عن المس المحتمل بمصالحهم الاقتصادية، الذي يمكن أن يتسبب به فرض العقوبات على إيران.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تفشل فيها الأسرة الدولية في محاولاتها الرامية إلى إجبار إيران على الاختيار بين بديلي التعاون أو عدم الانصياع. وفي كل مرة من الحالات السابقة، التي لم تفلح فيها الدول في تطبيق الإنذار الذي وجهته إلى إيران، فقد بحثت عن تفسير ذلك في مكان آخر، إما بانعدام قرائن قاطعة على أن إيران تمارس نشاطات أو برامج نووية عسكرية، أو بحقيقة أنه لم يكن هناك التزام أميركي كاف بمنح ضمانات أمنية لإيران، أو بالخوف من أن يؤدي ضغط زائد على إيران إلى أن تردّ بقوة، وهذا يشجع عدم الاستقرار والتصعيد الخطير. لكن هذه المحاولات لتفسير انعدام النجاح تتغاضى عن الواقع الفجّ الذي لا تفلح فيه الأسرة الدولية، طوال أكثر من ثلاث سنوات، في لجم إيران، وأي فشل إنما يعزز طريق الرفض الإيرانية. المشكلة الأساسية هي الإصرار المثابر لإيران، من جهة، والمصالح المختلفة ومدى الالتزام المتغير بين دول العالم الواقفة في وجه إيران، من جهة أخرى. وفي هذا الواقع فإن لإيران أفضلية بنيوية تستنفدها بالدرجة القصوى.
الحرب في لبنان شدّدت على دلالة التهديد الخطيرة المرتبطة بمطامع الهيمنة الإيرانية، وأوضحت الدور الذي تقوم به العناصر الخاضعة للحماية الإيرانية في هذا السياق. نتيجة لذلك كان يفترض بالحرب في لبنان، من ناحية منطقية، أن تحرّك عناصر دولية في وجهة معالجة المطامع الإيرانية النووية بإصرار أقوى. بدل ذلك فإن هذه العناصر تطرح تفسيرات معروفة للأسباب التي يمتنع لأجلها لاعبون دوليون هامون، بما في ذلك دول أوروبية، عن المواجهة المباشرة مع إيران ولا يدرسون بجدية ردًا قاسيًا عن طريق فرض العقوبات. وهم يطرحون محفزات إضافية لمواصلة المفاوضات، بما في ذلك ضمانات أمنية أميركية أكثر وضوحًا والاعتراف بمكانة إيران كقوة هيمنة في المنطقة. والتوقع على ما يبدو هو أن توافق إيران، مقابل ذلك، على عدم محاربة الولايات المتحدة وإسرائيل بواسطة العناصر الموالية لها، وأن تتنازل عن برامجها النووية العسكرية.

إذا كانت الأسرة الدولية جادة في نيتها محاولة إيقاف إيران وعدم تمكينها من التقدم في المسار النووي العسكري، يتعين عليها أن تقلع عن التفسيرات المعروفة لعدم نجاحها وأن تجبر إيران على تجميد نشاطات تخصيب اليورانيوم. يجب استبدال هذه التفسيرات بنشاط حازم ودؤوب. في العادة تتم الإشارة إلى روسيا والصين كدولتين تشكلان العقبة الرئيسة أمام الاتفاق في مجلس الأمن على فرض عقوبات. ولا شك أن معارضة هاتين الدولتين هي عامل مركزي في هذا السياق. لكن تردّد أوروبا بالنسبة للعقوبات يثير القلق بالقدر نفسه، وربما أكثر بسبب الدور المركزي الذي يتوجب على أوروبا أن تؤديه في أية محاولة لدفع قرار بشأن عقوبات تتخذه دول خارج إطار الأمم المتحدة.

عندما يتضح أنه لا يوجد احتمال لقرار بفرض عقوبات عبر مجلس الأمن بسبب معارضة روسيا والصين وأنه سيكون من الصعب خارج إطار مجلس الأمن التوصل إلى قرار باتخاذ خطوات فاعلة بسبب عدم استعداد أوروبا لتعريض علاقات اقتصادية مع إيران للخطر، عندها ستتقدم إيران خطوة هامة نحو تحقيق المقدرة النووية العسكرية. وفي هذه المرحلة فإن الادعاءات بشأن ضرورة تفعيل قوة عسكرية لإيران ستحظى بمزيد من الاهتمام.

ثمة اتجاه بديل لمواجهة إيران هو دراسة طرق استخلاص الفائدة من دروس الحرب الأخيرة في لبنان، بالنسبة لقسم من دول الشرق الأوسط. فعد أن ذاقت تجربة نتائج سياسة إيران، التي تشجع عدم الاستقرار في المنطقة، باتت عناصر عديدة في الشرق الأوسط تخاف أكثر من السابق من نوايا إيران النووية ومن إمكانية تحولها إلى دولة نووية. ويمكن، في نطاق ذلك، تفحص إمكانية التطرّق إلى هذه المخاوف في إطار جديد وأوسع من الخطاب الأميركي- الأوروبي مع الدول المعنية في المنطقة، بما يشمل التمحور حول أفكار وبرامج جديدة.