ترامب أحبط محاولات نتنياهو لإشعال حرب إقليمية... حتى الآن
بدا من تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، خلال لقائهما في البيت الأبيض، بداية الأسبوع الحالي، أنهما يتحدثان عن قطاع غزة كمكان ضعيف وغير قادر على حماية نفسه، وبالإمكان تهجير سكانه، لكنهما لم يتطرقا إلى احتمال وقف الحرب ولا إلى حجم القتل والدمار في القطاع، وإنما إلى تهجير سكانه وعن أنه عقار تجاري.
هكذا تحدثا، وتجاهلا الرأي العام، أو نصف الرأي العام، في بلديهما الذي يطالب بوقف الحرب، لأسباب مختلفة. فما يهم نصف الرأي العام في إسرائيل هو استعادة الأسرى الذين ما زالوا محتجزين في غزة. وقسم قليل جدا من الإسرائيليين الذين يؤيدون وقف الحرب يستوعبون ما يجري في القطاع، والأغلبية الساحقة لا تستوعب الإبادة الحاصلة ودلالاتها. كأن الحرب على غزة هي ظاهرة طبيعية مدمرة ليس للبشر علاقة بها، وليست كارثة إنسانية أخرى يرتكبها البشر، كتلك التي ارتكبت في القرن الماضي.
إن استيعاب الحرب على غزة بهذا الشكل، وعدم استيعاب المعاناة الرهيبة للسكان ليس محصورا لدى الإسرائيليين، وإنما يبدو أن هكذا هو الحال في أماكن كثيرة قريبة وبعيدة، وخاصة في الدول العربية. إذ لا نكفي المطالبة بوقف الحرب، وإنما يجب العمل والسعي من أجل وقفها، وبأسرع وقت.
في إسرائيل، يدركون أن الحرب استنفدت. وحسب تقديرات الجيش الإسرائيلي، فإنه لدى حماس 40 ألف مقاتل تقريبا، بعد أن تباهى بأنه قضى على كتائب حماس، وتبين الآن أن هذا لم يكن صحيحا، بحسب ما أبلغ الجيش وزير الأمن، يسرائيل كاتس. وأفاد تقرير قدمه الجيش الإسرائيلي للكنيست بأنه تم تدمير 25% من الأنفاق في القطاع. ويبدو، أيضا، أن الجيش الإسرائيلي لا يعرف مكان تواجد مقاتلي حماس.
إلا أن حرب إسرائيل على غزة استهدفت المدنيين بالأساس. وتعترف إسرائيل بأن لا علم لها بعدد المقاتلين الفلسطينيين الذين قُتلوا، وإنما لديها تقديرات فقط، تشير إلى أن عددهم قد يصل إلى 20 ألفا أو أقل. وهذا يعني أن عدد الشهداء المدنيين يزيد عن 30 ألفا، حسب الحصيلة الرسمية، لكن العدد الحقيقي ربما أكثر من 50 ألف شهيد مدني، وفقا لتقديرات منظمات دولية.
وفي الوقت الذي يتباهى فيه نتنياهو ووزراؤه بـ"إنجازات" عسكرية، يتضح أنه لا توجد "إنجازات" كهذه، لكنهم يعتبرون قتل المدنيين وتدمير قطاع غزة وتجويع سكانه أنها "إنجازات". وتشير إفادات جنود إسرائيليين إلى أن القوات الإسرائيلية، بعد استئناف الحرب، عادت إلى المناطق التي قاتلت فيها طوال سنة وأربعة أشهر قبل وقف إطلاق النار، وأشاروا إلى أنه في بعض مناطق القطاع لا توجد مبان بالإمكان تدميرها لأن المباني فيها دُمرت قبل أشهر، وأن ما يحدث هو إعادة دفع المدنيين إلى النزوح مجددا، وخاصة عن مناطق شمال وجنوب القطاع.
وتؤكد ذلك العريضة التي وقعها حوالي ألف طيار حربي إسرائيل في الاحتياط والمتقاعدين، ونشرتها الصحف الإسرائيلية رسميا، أمس، بعدما تسرب مضمونها في الأيام الماضية. وتقول هذه العريضة أن الحرب استنفدت بالنسبة لإسرائيل، ويجب وقفها، وأن استمرارها لن يحقق أهداف إسرائيل، وأن "الحرب تخدم بالأساس مصالح سياسية وشخصية وليس مصالح أمنية".
مفاجآت ترامب لنتنياهو
شكك مكتب نتنياهو في هدف دعوة ترامب لنتنياهو بالحضور إلى واشنطن بشكل سريع وأن ترامب ربما سيفاجئ نتنياهو. فقد أراد نتنياهو الوصول إلى البيت الأبيض بعد نهاية عيد الفصح اليهودي، أي في نهاية الأسبوع المقبل، رغم أنه يصادف عندها حلول عيد الفصح، لكن ترامب طالبه بالحضور فورا، ومباشرة من المجر وليس بعد العودة إلى إسرائيل.
غزة لم تكن هدف هذه الدعوة العاجلة، حسب التصريحات العلنية، رغم أن نتنياهو التقى مع المبعوث ستيف ويتكوف بشأن المفاوضات حول وقف إطلاق نار واستمرار تبادل الأسرى.
إلا أن ترامب فاجأ نتنياهو في قضيتي إيران وتركيا. وكان بالإمكان رؤية تعابير وجه نتنياهو متفاجئا عندما تحدث ترامب عن عزمه الدخول في مفاوضات مباشرة مع إيران حول برنامجها النووي. وكان نتنياهو يأمل بإقناع ترامب بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، أو أن تدعم الولايات المتحدة، على الأقل، هجوما كهذا في إيران تنفذ إسرائيل لوحدها.
لاحقا، ادعى نتنياهو أمام وزرائه في الكابينيت السياسي – الأمني، حسب بيان صادر عن مكتبه، أن إسرائيل كانت على علم بشأن مفاوضات أميركية – إيرانية، وأنه اقترح على ترامب أن يكون الاتفاق النووي الجديد مشابه للاتفاق الأميركي – الليبي، في العام 2009، بتفكيك البرنامج النووي الليبي، الذي لم تكن إسرائيل تعلم أي شيء عنه إلا بعد الإعلان عن الاتفاق.
ويرى خبراء ومحللون، وبينهم إسرائيليون، أن إيران لن توافق على التوصل إلى اتفاق كهذا، نظامها مختلف عن النظام الليبي في عهد معمر القذافي جوهريا، وأن ليبيا كانت دولة معزولة حينها بينما لإيران حلفاء إقليميين ودوليين.
ومفاجأة ترامب الثانية خلال لقائه مع نتنياهو كانت على خلفية التوتر بين إسرائيل وتركيا في سورية. وصرح ترامب أنه قال لنتنياهو إنه "إذا كانت لديك مشكلة مع تركيا، فإنني أعتقد أنه سأنجح بحلها. ولدي علاقات جيدة، جيدة جدا، مع تركيا ومع زعيمها". وأضاف مخاطبا نتنياهو أنه "أعتقد أننا سننجح بتسوية ذلك، طالما أنت ستكون منطقيا. عليك أن تكون منطقيا، ويتعين علينا أن نكون منطقيين".
المفاجأة الثالثة تتعلق برفع الرسوم الجمركية على البضائع الإسرائيلية من 10% إلى 17%. ورفض ترامب طلب نتنياهو بعدم رفعها، وقال له إن الولايات المتحدة تقدم لإسرائيل مساعدات بحجم 4 مليارات دولار سنويا. لاحقا جمّد ترامب رفع الرسوم الجمركية على بضائع جميع الدول باستثناء الصين.
يرجح المحللون الإسرائيليون أن هجوما إسرائيليا ضد إيران لن يحدث، وأن احتمالات تصعيد عسكري إسرائيلي ضد تركيا في سورية ضئيلة، وأن دعم ترامب لإسرائيل محصور في مطالب وخطوات إسرائيلية تتلاءم مع سياسته وتوجهاته، وأن حربا شاملة في المنطقة ليست ضمن سياسة ترامب، وأن إسرائيل لن تتمكن من معرفة تفاصيل اتفاق نووي جديد بين الولايات المتحدة وإيران قبل الاتفاق بشأنه، ولن يكون بمقدورها أن تعارضه.
بذلك، يكون ترامب قد أحبط محاولات نتنياهو بتوسيع الحرب... حتى الآن. فبقاء نتنياهو بالحكم مرتبط باستمرار الحرب، في غزة على الأقل، وإلا فإن حكومته نفسها ستسقطه. لكن استمرار الحرب على غزة لفترة طويلة قد لا تبقيها محصورة في غزة. ولعل توسيع الحرب سيوقفها أخيرا.