امتنع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن اطلاع قادة الجيش الإسرائيلي على المحادثات التي أجراها مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومستشاريه حول "صفقة القرن"، حسب المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، الذي كتب أن نتنياهو "أبقى الجيش خارج صورة ترسيم الحدود الدائمة".

وأضاف أن الجيش الإسرائيلي تلقى تفاصيل حول الصفقة "قبل ساعات معدودة فقط من علم الجمهور كله بها". وخلال السنوات التي تم خلالها نسج "صفقة القرن"، بين 2017 و2019، وفقا لفيشمان، التقى المبعوث الأميركي، جيسون غرينبلات، مع ضابط إسرائيلي واحد، هو "منسق أعمال الحكومة في المناطق" المحتلة، يوءاف مردخاي. وعقد الاثنان خمسة لقاءات، استعرض خلالها مردخاي مواضيع تتعلق بالفلسطينيين: "التاريخ، الاقتصاد، البنية التحتية، توجهات اجتماعية وما إلى ذلك. وعندما تسرح مردخاي من الجيش، استعان به غرينبلات كمستشار. وبهذا بدأت وانتهت" علاقة الجيش الإسرائيلي بالصفقة.

وأشار فيشمان إلى أن القيادة الإسرائيلي أخفت في حينه الاتصالات حول اتفاق أوسلو عن الجيش. لكن الفرق أن الفلسطينيين كانوا طرفا في المفاوضات حينذاك. ووصلت المعلومات إلى الجيش الإسرائيلي بعد التجسس على هذه الاتصالات والمحادثات. "لكن هذه المرة، لم يكن الفلسطينيين جزءا من القصة (صفقة القرن)، والمعلومات حول الخطة الآخذة بالتبلور، إلى جانب مطالبة الجيش والشاباك بالتطرق إليها، كان ينبغي أن يأتي من جانب مكتب رئيس الحكومة، أو على الأقل من جانب رئيس مجلس الأمن القومي، مئير بن شبات، الذي شارك في بلورة الخطة. وهذا لم يحصل".

وأدى هذا الوضع، حسب فيشمان، إلى حالة بلبلة وارتباك في قيادة الجيش الإسرائيلي منذ إعلان نتنياهو، نهاية الأسبوع الماضي، عن سفره إلى الولايات المتحدة، مطلع الأسبوع الحالي. "بدأ الجيش بالاستعداد لخطوة دراماتيكية حول ترسيم الحدود الدائمة من دون أن تكون لدية أي فكرة حول ما الذي يستعد له، تسوية أم أزمة. ودخلت الهيئة العامة لأركان الجيش في ماراثون مداولات ومشاورات حول الإمكانيات المختلفة. ودُعي إلى المداولات مسؤولون كبار سابقون في جهاز الأمن، من أجل أن يتحدثوا عن أدائهم في الفترة التي جرت فيها مفاوضات مع الفلسطينيين، بصورة مباشرة أو بوساطة الأميركيين".

لكن المواضيع الأولى التي طُرحت على مكتب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، تطرقت إلى التعامل مع مواجهات في الأراضي الفلسطينية، وصولا إلى مواجهة واسعة واشتباكات مسلحة بمشاركة تنظيم فتح وأفراد أجهزة الأمن الفلسطينية.

ولفت فيشمان إلى أنه توجد لدى الجيش الإسرائيلي "خطط درج" جاهزة لاحتمال تدهور الوضع الأمني في الأراضي الفلسطينية وبدرجات خطورة مختلفة، على خلفية التخوف الإسرائيلي من وقف السلطة الفلسطينية للتنسيق الأمني، "وهذا أمر قد يحصل إذا ضمت إسرائيل منطقة فلسطينية بصورة أحادية الجانب".

ووفقا لفيشمان، فإنه "طالما التنسيق الأمني مع أجهزة الأمن الفلسطينية موجود، فإن أعمال الشغب في نقاط الاحتكاك هي سيناريو بسيط. لكن عندما لا يكون تنسيق كهذا، فإن الوضع قد يتحول برمشة عين إلى ميدان قتل لا يمكن السيطرة عليه، وصولا إلى انتفاضة جديدة. فعندما يوجد تنسيق أمني مع السلطة، وتحدث عملية إرهابية في إحدى الطرقات أو مستوطنة، فإنه بالإمكان مطاردة المخربين إلى داخل المدن الفلسطينية. وبغياب تنسيق أمني، دخول كهذا يستدعي احتكاكا مع أجهزة الأمن".

"صورة سيريالية"

أضاف فيشمان أنه في الوقت الذي كان الجيش الإسرائيلي "يستعد لمواجهة المجهول"، ظهرت في الميدان "صورة سريالية: الجيش الإسرائيلي يحرك قوات في الضفة، فيما أجهزة الأمن الفلسطينية تتابع هذه التحركات في محاولة لفهم المكان الذي ستتركز فيه الخطوة السياسية الإسرائيلية" أي المناطق التي قد تقرر إسرائيل ضمها. "صدرت تقارير، في بداية الأسبوع، تفيد بأن الجيش الإسرائيلي نشر كتيبة في شمال غور الأردن، استنادا إلى تقييم للوضع قال إنه قد تحدث مواجهات مقابل مزارع الأفراد (مستوطنات) في مناطق طوباس وعقربا وحتى مشارف فصائل. وشاهد الفلسطينيون انتشار الجيش الإسرائيلي، واستنتجوا أن عليهم الاستعداد لصراع على غور الأردن".

وحسب فيشمان، فإن الجيش الإسرائيلي سمع لأول مرة عن نية نتنياهو ضم غور الأردن إلى إسرائيل، يوم الثلاثاء الماضي فقط. وأضاف أنه عندما أعلن نتنياهو عن نيته تنفيذ خطوة كهذه عشية الانتخابات الماضية للكنيست، فإنه هاتف كوخافي وأبلغه أنه يعتزم الإعلان عن ذلك. "وفي نهاية الأمر أنزله رئيس الأركان والمستشار القضائي للحكومة عن الشجرة. وربما هذا كان السبب الذي جعل نتنياهو يقرر ألا يتشاور مع كوخافي".

وتابع فيشمان، "عمليا، حتى قبل شهر لم تظهر خطة ضم الأغوار في صفقة القرن. بل أن نتنياهو لم يرغب، في جولتي الانتخابات الأخيرتين، بطرح الخطة على الأجندة العامة. وربما الآن، فيما سيف لائحة الاتهام موضوع على عنقه، غير رأيه. وعدم رغبة نتنياهو بالانشغال في هذه الخطة، في جولتي الانتخابات السابقتين، أدخل على ما يبدو الجيش في سُبات، معتبرا أن الخطة ستواصل الانتظار في الجولة الثالثة أيضا".

وأضاف فيشمان أنه بسبب إقصاء نتنياهو لكوخافي عن عملية اتخاذ القرار بشأن "صفقة القرن"، لم يكن لدى كوخافي أي خيار سوى التشاور مع وزير الأمن، نفتالي بينيت، الذي لا ينتمي للحلقة المحيطة بنتنياهو. "وما حدث أن رئيس أركان الجيش تلقى النوايا السياسية من يد ثانية، من وزير لا يترجم الوضع بشكل صحيح بالضرورة".

وفي هذه الأثناء، تراكمت الأسئلة والتساؤلات حول وضع أمني جديد، وبينها كيفية التعامل مع جيوب في جنوب البلاد يتم ضمها إلى قطاع غزة، حسب "صفقة القرن"، والأهم من ذلك تغيير الوضع مقابل الأردن، في حال ضم إسرائيل غور الأردن. ورجح فيشمان أن هذه التساؤلات كانت وراء إطلاق ضباط تصريحات ضد خطوات أحادية الجانب، وأخرى مثل أن "الأردن هو العمق الإستراتيجي لإسرائيل"، رغم أن المسؤولين الأمنيين حاذروا من إطلاق تصريحات كهذه "من أجل عدم إحراج النظام الأردني".

وعكس فيشمان توقعات سائدة في الجيش الإسرائيلي، مفادها أن "تجربة السنوات الأخيرة تدل على أنه إذا اندلعت مواجهات في المناطق (المحتلة)، فإنها ستأتي من أسفل، من الشارع، وليس بأمر من أعلى".