حذر محللون في الصحف الإسرائيلية اليوم، الأحد، من أن "صفقة القرن" يمكن أن تقود إلى تغييرات بمستوى إستراتيجي، خاصة بما يتعلق باحتمال نشوء حالة غليان في الضفة الغربية، ووقف الخطوات التي تصفها إسرائيل بـ"تسهيلات" لقطاع غزة وانهيار تفاهمات حول تهدئة طويلة الأمد في قطاع غزة.

وأشار رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق والجنرال (في الاحتياط)، غيورا آيلاند، في مقاله الأسبوعي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى أنه في العشرين عاما الماضية ترسخ إدراك بأن حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ينبغي أن يكون من خلال "حل الدولتين، الذي يستند إلى خمس اعتبارات: أولا، حل الصراع جغرافيا في المنطقة بين النهر والبحر؛ ثانيا، يجب إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة؛ ثالثا، قطاع غزة والضفة الغربية يجب أن يشكلا كيانا سياسيا واحدا؛ رابعا، الحدود بين إسرائيل وفلسطين تستند إلى خطوط العام 1967؛ وخامسا، لا تبقى مستوطنات إسرائيلية داخل أراضي الدولة الفلسطينية".

واعتبر آيلاند أن "هذه الاعتبارات الخمسة أدت إلى صفر ليونة. وأي خطة حاول أحد ما طرحها كانت مطابقة لسابقتها. وفي هذا الوضع حدث انقسام واضح بين اليسار الإسرائيلي، الذي وافق مبدئيا على فكرة ’الدولتين’ والاعتبارات الخمسة، وبين اليمين الذي يعارضها".

وأضاف أن خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، "صفقة القرن"، "تحرر اعتبارين وتضع الثالث محل شك. وهي تفصل نفسها عن الالتزام بخطوط 1967 كأساس للحدود، وتلغي الاعتبار الذي بموجبه لا تكون مستوطنات داخل الحيز الفلسطيني. وبذلك، هي عمليا تلغي الاعتبار الذي بموجبه على الحل أن يشمل إقامة دولة فلسطينية مستقلة. فمن أجل أن تكون الدولة ذات سيادة، حتى لو كانت صغيرة ومنزوعة السلاح، فإنها تحتاج إلى كتلة كبيرة من القدرة على الحكم".

ورأى آيلاند أن "خطة ترامب، مثلما تم استعراضها، لا تسمح بقدرة على الحكم بسبب الربط بين ميزتين: من جهة، الدولة الفلسطينية، ذلك الجزء الأساسي من يهودا والسامرة، سيكون فعليا، بسبب سيادة إسرائيلية في الأغوار، ’جزيرة’ فلسطينية محاطة بإسرائيل. والميزة الثانية هي تلك المستوطنات الإسرائيلية الـ15 المعزولة التي ستبقى تحت سيادة إسرائيل في حيز يفترض أن يصبح دولة فلسطينية".

وتابع آيلاند أنه "في هذا الوضع لن يكون بالإمكان إقامة الدولة الفلسطينية أبدا، ليس لأن الفلسطينيين سيعارضون وإنما لأن هذا أمر مستحيل من الناحية الموضوعية. وهكذا يدعون، وبحق، الأشخاص الذين يعيشون في تلك المستوطنات (الـ15). واستنتاجهم هو أنه يحظر أن تقوم دولة فلسطينية ما، ولكن الاستنتاج يمكن أن يكون معاكسا، وبموجبه أن إقامة دولة فلسطينية يستوجب إخلا تلك المستوطنات".

ولفت آيلاند إلى أنه "خلافا للميزة الأخرى، وهي أن الدولة محاطة بإسرائيل من جميع الجهات، وأن لسيادة إسرائيلية في الأغوار سببا أمنيا بارزا، فإنه لا يوجد أي تسويغ أمني يمكن أن يبرر استمرار بقاء هذه المستوطنات الـ15. بل العكس، فاستمرار وجود هذه المستوطنات محاطة بمنطقة ذات سيادة فلسطينية، وفيما طريق ضيقة تقود إليها، هو وصفة أكيدة لاحتكاك سيؤدي إلى أزمة أمنية لا تتوقف. فالمستوطنون في يتسهار (قرب نابلس) لا يقبلون بسلطة الجيش الإسرائيلي، فكيف سيقبلون بسلطة الشرطة الفلسطينية عندما يواصلون تنزهاتهم الاستفزازية داخل القرى الفلسطينية المجاورة؟".

وأضاف آيلاند أن معارضة الفلسطينيين لـ"صفقة القرن" قد تبدو مريحة لإسرائيل، "وتسمح لنا بأن نطبق بشكل أحادي الجانب ما نريد، لكن يجدر ألا ننسى أمرين: هذا وضع يخلد الاحتلال، وفقا لمعظم دول العالم على الأقل. ليس احتلال المنطقة، فهذا لا يهم أحدا، وإنما الحقيقة أن الشعب الفلسطيني موجود تحت احتلال الشعب الإسرائيلي. والأمر الثاني، هو أنه إذا أراد أحد ما في المستقبل محاولة إقناع الفلسطينيين بالموافقة على الخطة، فإنه سيضطر أيضا إلى إخلاء تلك المستوطنات الـ15. وهذا سيكون عادلا، ذكيا وضروريا من الناحية الأمنية".

عباس يطرح "خريطة طريق"

اعتبر المحلل العسكري في الصحيفة نفسها، أليكس فيشمان، أن خطاب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس (أبو مازن)، خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، أمس، كان "’خريطة طريق’ لتفكيك السلطة الفلسطينية وإعادة المسؤولية على الضفة إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وبكلمات أخرى، الأراضي الفلسطينية ستعود إلى أن تكون، بالنسبة له، ’منطقة محتلة’، الأمر الذي يمنح شرعية لاستئناف الكفاح المسلح ضد إسرائيل. ولن تبقى هذه مواجهة سياسية، وإنما سنعود إلى الانتفاضة".

وأشار فيشمان إلى أن مؤسسات السلطة الفلسطينية اتخذت في الماضي قرارات بروح خطاب عباس، أمس، بقطع العلاقات مع إسرائيل، لكنها "لم تخرج إلى حيز التنفيذ لأن أبو مازن نفسه أرجأ تنفيذها. وقد وضع هذه المرة قنبلة على الطاولة في القاهرة، وهو يعتزم ’الرحيل’ عن أرض الميدان لفترة طويلة في جولة سياسية إلى الدول العربية وأوروبا".

وتابع أن "أبو مازن لم يترك توجيهات لتنفيذ ’خريطة الطريق’ هذه. كما أنه لن يتواجد هنا كي يمتص ضغوطا إسرائيلية وأميركية. وهو عمليا يقول للشارع الفلسطيني: تصرفوا كما تفهمون. وقال لإسرائيل أمس: ’... نحن الفلسطينيون، لن نجلب لكم المعلومات، ولن ندافع ولن نرد على التهديدات تجاهكم في المجال الأمني’".

ورأى فيشمان أنه "منذ الأمس، فإن سكان الضفة ومؤسسات السلطة وكذلك أجهزة الأمن وإسرائيل أيضا دخلوا إلى حالة انعدام اليقين. ومنذ الآن، سيضطرون (في إسرائيل) في أي نقطة احتكاك أن يأخذوا بالحسبان أن التنسيق مع أجهزة الأمن المحلية ضعيف أو ليس موجودا. ويعني ذلك احتكاكا بمستوى عال إلى جانب احتمال تفجر الوضع بين جانبين مسلحين".

وشدد على أنه "بالنسبة لإسرائيل، هذا إنذار إستراتيجي لحالة فوضى في الضفة، إلى ما بعد الانتخابات في إسرائيل على الأقل. ويتوقع أبو مازن، على ما يبدو، أزمة عميقة جدا في العلاقات بين إسرائيل والسلطة، وتسبب شعورا بحالة طوارئ في إسرائيل: الضفة تبدأ بالغليان، وتتعمق الأزمة في العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، وأن تسيطر القضية الفلسطينية على الخطاب الإسرائيلي. تماما مثلما تسيطر غزة مرة أخرى على العناوين" في أعقاب إطلاق قذائف صاروخية وقذائف هاون من القطاع باتجاه جنوب البلاد.

قطاع غزة

تطرق المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى عدم تعقيب المسؤولين الإسرائيليين، وخاصة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، نفتالي بينيت، إلى إطلاق قذائف صاروخية من القطاع باتجاه جنوب البلاد، خلال ألأسبوع الماضي، مشيرا إلى أن نتنياهو انشغل ب،"صفقة القرن" وإعادة السجينة الإسرائيلية في روسيا، نعاما يسسخار، إلى إسرائيل، وإلى أن بينيت لم يعد يطالب بهجمات شديدة ضد غزة مثلما فعل عندما كان يتولى حقيبة التربية والتعليم.

واعتبر أن "استئناف إطلاق القذائف الصاروخية يطرح شكوكا حيال تحليلات شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية حول أحداث الأشهر الأخيرة، والادعاء أن قيادة حماس في القطاع اتخذت قرارا إستراتيجيا لصالح تهدئة طويلة الأمد... وقد أوصى الجيش الإسرائيلي أمام الحكومة، وبتصريحات علنية أيضا، بتنفيذ تسهيلات كبيرة للقطاع،، من أجل التوصل إلى تسوية. واستجاب نتنياهو، رغم أن الأمور تجري بهدوء، تخوفا من ورطة سياسية" عشية الانتخابات.

وأضاف هرئيل أن "الانطباع هو أنه خلافا للتوقعات، حماس أقل التزاما بالتهدئة. وربما أن الحركة ليست ناضجة بعد لذلك. وفي هذه الأثناء، واضح أن حماس تحتفظ لنفسها بحيز مناورة، ومن خلال استخدام محدود للعنف. وهذا رهان خطير لها: إسرائيل قد ترى نفسها ملزمة برد شديد، عاجلا أم آجلا. وليس مستبعدا أن تتحول هجماتها أكثر شدة في الفترة القريبة المقبلة".

وفي الخلفية، وفقا لهرئيل، "بدأ يعمل توقيت القنبلة التي ألقتها الإدارة الأميركية، الأسبوع الماضي. وفيما اتخذت السلطة الفلسطينية خطا صداميا للغاية تجاه مبادرة ترامب، التي تعتبر خطوة داعمة لإسرائيل بشكل واضح جدا، فإن حماس أيضا لا يمكنها السماح لنفسها بأن تبقى في الخلف".

وخلص إلى أنه "في هذه الأثناء، وبعد أن تدارك الأميركيون أنفسهم في اللحظة الأخيرة، أزيل عزم نتنياهو المصادقة في الحكومة على ضم المستوطنات في الضفة الغربية وغور الأردن. لكن إثر تراكم هذه التطورات، يصعب توقع تهدئة في الفترة القريبة، سواء في الضفة أو في القطاع. والحلبة الفلسطينية عادت إلى حالة الغليان".