ما زالت أزمة الائتمان في سوق الرهن العقاري الثانوي الأمريكي تتفاقم وتلقي بظلالها على الاقتصاد الأمريكي والعالمي والإسرائيلي، وتطال كل مواطن منا من دون استئذان. إذ أدّت أزمة القروض العقارية إلى تقلبات في البورصات العالمية، وانخفاض سعر صرف الدولار مقابل معظم العملات الأجنبية، من ضمنها الشيكل الإسرائيلي، وتهدّد بتراجع نمو الاقتصاد الأمريكي.

بدأت فقاعة الرهن العقاري نهاية القرن الماضي، وفي السنوات الستّ الأخيرة ارتفعت قيمة العقارات السكنية في الاقتصادات المتقدمة بنحو ثلاثة أرباع، لتصل قيمتها إلى نحو 75 تريليون دولار، أي ما يزيد على الدخل القومي لتلك الدول في تلك الفترة. وجرى تمويل تلك الطفرة بالديون الهائلة وبفضل ما يُعرف بالأموال الرخيصة وتسهيلات الإقراض والزيادة الهائلة في توريق الديون العقارية. ذلك أنّ تضخيم حجم الزبائن وملف المقترضين يرفع من أسهم البنوك والشركات المقرضة في البورصات العالمية.

وأغرى هذا الغليان البنوك ومؤسّسات الإقراض بالدخول بكثافة في سوق الإقراض العقاري الأمريكي، وتسهيل إعادة الرّهن العقاري بما يسمح لأصحاب البيوت بالاستدانة على خلفية ارتفاع سعر عقاراتهم. في ظلّ تنامي الطلب على المساكن والقروض بدأت المصارف الأمريكية تتفنّن في تسويق عروض تسهيلاتها الائتمانية العقارية (القروض)، بهدف تضخيم أرباحها الدفترية، لدرجة أنّ بعض البنوك لم تعُدْ تشترط رهنَ العقار نفسه وإنما تكتفي بالضمان الشخصي للمالك (وحتى إذا ضَعُف السّجل الائتماني للمقترض). وارتفعت في المقابل سوق القروض الثانوية، "Subprimes"، وهي قروض ذات مخاطر وتتميّز بنسب فائدة مُتغيّرة ومرتفعة، تُمنح من بعض وكالات سماسرة العقارات والبنوك للأشخاص الذين لا يملكون دليلا على مصادر دخلهم أو لا يمكنهم الحصول على قروض عادية من البنوك وجمعيات الإسكان العقارية، بسبب رصيدهم المالي السلبي وتاريخم المالي غير المُرضي.

وحين صارت مُستحقات الدفع الشهرية ترتفع، وجد هؤلاء أنفسهم عاجزين عن الوفاء بالتزاماتهم وغير قادرين على سداد الدفعات الشهرية، الأمر الذي أدّى إلى أزمة سيولة كبيرة في الأسواق الأمريكية، ومن ثم العالمية. بلغ حجم هذا النوع من القروض 21% من مجمل قروض الاسكان في العام 2005 مقابل 9% بين الاعوام 1996-2004. نتيجةً لذلك ساءت أوضاع شركات الرهن العقاري، وحدث ما يشبه تبخر للسيولة المعروضة في العديد من القطاعات المصرفية، ما جعل كل من شركات القروض العقارية والمصارف وصناديق التحويط وشركات الاستثمار في المحك، وانهيار عدد من صناديق الاقراض العقاري.

وقد بات واضحا أنّ بعض رؤساء البنوك الكبيرة سوف يضطرون لدفع الثمن، كما حدث فعلا لرئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة "سيتي غروب" (أكبر البنوك الأمريكية)، تشارلز برينس، الذي قدم استقالته بعد أن أعلن البنك أنه قد يضطر لشطب 11 مليار دولار نتيجة خسائر في سوق الرهون العقارية عالية المخاطر، بالإضافة إلى 6.5 مليارات دولار شطبها في الربع السابق. ويتوقع المحللون ألا تكون تلك آخر خسائر البنوك واضرارها لشطب قسم كبير من أرباحها.

وفي الربع الثالث من السنة المالية الحالية (2007) تضاعف عدد حالات حجز المنازل واستردادها من قبل البنوك، مقارنة بمعطيات الفترة عينها من العام المنصرم. إذ استردّت البنوك العقارية 446,726 بيتًا مقابل 223,333، ومن المتوقع أن يصل عدد المنازل المسترجَعَة من البنوك وشركات القروض العقاري نحو مليون حتى نهاية العام الحالي.

وفي تحليل لخبراء بنك "ليئومي" نُشر مطلع الأسبوع الحالي (15/11/2007) يقول خبراء البنك إنّ الخطوات التي اتخذتها كبرى البنوك العالمية والبنوك المركزية في خفض سعر الفائدة ساهمت في احتواء مؤقت للأزمة. إلا أنّ أبعادها وتداعياتها غير واضحة حتى الآن، ذلك أنّ أسواق العقارات الأمريكية تضرّرت إلى حدّ بعيد، وأدّت إلى انخفاض قيمة العقارات ومنها إلى قيمة الممتلكات للمواطن الأمريكي، وساهمت في تباطؤ في حركة الاسواق وارتفاع طفيف (حتى الآن) في معدلات البطالة. جميع هذه المركبات تؤثر سلبا على الاقتصاد الكُلي (ماكرو) للولايات المتحدة وتدفع لهبوط سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل باقي العملات الأجنبية. وقد أعلنت بعض الدول في الأسابيع الأخيرة عن البدء بتحويل احتياط العملات الأجنبية من الدولار إلى اليورو، أبرزها الصين- المالكة لأكبر احتياطي من العملات الأجنبية في العالم.






أزمة قروض الاسكان الأمريكية: كيف حدثت؟

1- في السنوات الستّ الأخيرة ارتفعت قيمة العقارات السكنية في الاقتصادات المتقدمة بنحو ثلاثة أرباع، لتصل قيمتها إلى نحو 75 تريليون دولار

2- تمويل هذا بالديون الهائلة وبالأموال الرخيصة وتسهيلات الإقراض

3- البنوكَ ومؤسّسات الإقراض تدخل سوق الإقراض العقاري الأمريكي بكثافة

4- المصارف الأمريكية تعرض تسهيلاتها الائتمانية العقارية (القروض)

5- ارتفاع سوق القروض الثانوية، "Subprimes"

6- ارتفاع مُستحقات الدفع الشهرية

7- عجز عن الوفاء بالالتزامات وعدم قدرة على سداد الدفعات الشهرية

8- أزمة سيولة كبيرة في الأسواق الأمريكية، ومن ثم العالمية

9- ما يشبه تبخر للسيولة المعروضة في العديد من القطاعات المصرفية

10- انهيار عدد من صناديق الإقراض العقاري