في أكثر من مناسبة في ألأسابيع ألأخيرة أثير موضوع تواصلنا ألاقتصادي مع الشعب الفلسطيني ومع العالم العربي من حولنا. ففي مهرجان إحياء الذكرى الستين للنكبة، الذي نظمته جمعية الثقافة العربية في الناصرة، جرى البحث في إحدى ورشات المهرجان في مختلف أوجه التواصل بين أجزاء الشعب الفلسطيني.

وكانت مداخلتي حول التواصل الاقتصادي، أو عن غيابه إن شئتم. وبدون الخوض في تفاصيل المداخلة فقد كان ادعائي الأساسي هو أننا قبلنا واقع التجزئة وذوتناه بشكل يثير ألاستغراب. حتى قوانين السوق والمنطق الاقتصادي البسيط تراجعت أمام واقع التجزئة السياسي المفروض والمقبول علينا كما هو الحال. فباستثناء التداول التجاري العادي وتشغيل العمال الفلسطينيين قبل الانتفاضة الثانية لم يكن هناك حراك اقتصادي مشترك منظم يذكر على أي صعيد صناعي أو سياحي أو زراعي مثلا. ونحن نقصد في الحراك ألاقتصادي المنظم مشاريع ومبادرات مشتركة واستثمارات ونشاطا ماليا ومصرفيا.

العجيب ألغريب أنه في عصر العولمة الطاغي بقيت نابلس والخليل أبعد عن الناصرة من نيو يورك.

بعد أيام من مهرجان النكبة عقد في بيت لحم مؤتمر دولي لتشجيع الاستثمار في فلسطين. وقد شارك في المؤتمر ولأول مرة عشرات رجال الأعمال العرب من الداخل.

وبغض النظر عن النتائج العملية الزهيدة التي تنتج عن هكذا مؤتمرات، فقد أجمع المشاركون على خصوصية التجربة في التعرف على رجال أعمال ومؤسسات اقتصادية ومالية من الوطن العربي، وإن لم يتفاءل أحد منهم بإمكانية إقامة مشاريع أو استثمارات مشتركة.

لا مناص من أن نطرق بقوة موضوع التواصل والتكامل الاقتصادي مع المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع وبشكل أقوى وأهم مع العالم العربي كقضية بقاء ووجود في الوطن، والخوض في كافة مستحقاتها بما فيها التخوفات المشروعة لدى جهات عربية عديدة من أن نتحول إلى قناة لشرعنة التطبيع مع إسرائيل بحجة توفير الدعم الاقتصادي لعرب الداخل.

يجب طرق الموضوع على كافة الأصعدة محليا وعربيا ولنبدأ على الأقل ببعض الخطوات الأولية محليا، مثل عقد أيام دراسية وتشكيل فرق وطواقم تفكير وتحضير أوراق عمل ثم الخروج بتصور يعرض على مؤسسات وحكومات عربية وأطر إقليمية.

بالمقابل يجب تحضير البنية المؤسساتية القادرة على حمل هذا المشروع وتطويره ليس كمشروع اقتصادي يتعامل مع القطاع الخاص بالدرجة الأولى وفق معايير اقتصادية بحتة، وإنما أيضا كمشروع مجتمعي ذي رؤية وطنية وقومية غير معزولة عن واقعها وسياقاته الإسرائيلية، ولكنه يجنح بقوة وإصرار إلى الانفتاح على فضاءاته العربية الرحبة والفسيحة مع التمسك بعدم الوقوع في رذائل التطبيع.

هل هذا ممكن؟ أنا على يقين أن ذلك ممكن، وأن هذا هو الطريق الوحيد للخروج من شرنقة التهميش وإعادة إنتاجه من جيل إلى جيل، وطريق الألف ميل نعرف جميعا تبدأ بخطوة صغيرة.