خلال هذا الأسبوع، انخفض الدولار إلى أدنى مستوى له خلال 7 أشهر، في مقابل العملات الرئيسيّة الأخرى، وذلك بعد أخبار وتوقّعات تفيد بتفاؤل المستثمرين باقتراب الفيدرالي الأميركي من نهاية سلسلة الزيادات في سعر الفائدة، في وقت ازداد فيه الطلب على الأصول عالية المخاطر.

بدأت الزيادات القويّة في أسعار الفائدة منذ العام الماضي، في محاولة من الفيدرالي الأميركي السيطرة على التضخّم. كلمة واحدة منه كفيلة بتحريك اقتصاد العالم"، هذا هو المجسّم الذي يُطلق عليه حارس البوّابة للاقتصاد الأميركي، كما يسمّيه عدد من الاقتصاديين.

يدير الفيدرالي الأميركي أموال الولايات المتّحدة الأميركيّة، وهو الذي يدير الاقتصاد كذلك، من خلال تحفيز أو إبطاء الاقتصاد، للحفاظ على معدّلات تضخّم منخفضة، وارتفاع معدّلات العمالة والإنتاج، ويمتلك عددًا من الآليّات التي تمكّنه من القيام بذلك، والتحكّم في معدّلات الدفق السوقيّ، مثل رفعه أو خفضه لمعدّلات الفائدة.

يعمل الفيدرالي الأميركي بوصفه بنكًا للحكومة الأميركيّة (البنك المركزي)، وهو المسؤول عن تحريك دورات الاقتصاد الأميركي. أُنشئ عام 1913، في وقت كان الاقتصاد يحتوي على أكثر من 30 ألف عملة، ومنها وسائل للمقايضات غير الماليّة داخل الولايات المتّحدة، وكانت مهمّته تنظيم الاقتصاد وضمان استقراره داخل البلاد، وتوحيد العملات المستخدمة، من خلال تحديد قواعد السلوك التي يجب على المؤسّسات الماليّة اتّباعها، وتقوم المصارف في الولايات المتّحدة بتنفيذ اللوائح التي يضعها الفيدرالي.

البداية من الذّعر

عانت الولايات المتّحدة في القرن التاسع عشر ممّا يسمّى "الذعر المصرفي"، والذي تسبّب بإفلاس كثير من البنوك على نطاق واسع وتعليق للمدفوعات، بالإضافة إلى حالة فشل وشلل أصابت البنوك في كافّة الولايات الأميركيّة، بعد أن كان حجم الأوراق النقديّة التي تصدرها البنوك المحليّة، مرتبطًا بكميّة السندات الحكوميّة التي تحتفظ بها البنوك، ممّا أدّى إلى عدم قدرة الاقتصاد على الموازنة، ما بين عرض الأوراق النقديّة، والتغيّرات في الطلب، وهو ما أدّى إلى قلق وذعر المستثمرين، والهرب بودائعهم من البنوك. ومن هُنا، بدأ دور الاحتياطي الفيدرالي في التعامل مع المشكلة التي نتجت عن "العملة غير المرنة".

انهارت البورصة الأميركيّة في عام 2007 بصورة مفاجئة بما يقرب من 50٪، وبدأت فترة الكساد، مع سحب كثيف للمستثمرين لنقودهم من البنوك، ممّا أدّى مع هذا الطلب المستمرّ، إفلاس الكثير من البنوك، وامتدّ هذا الأمر، حين قامت المؤسّسات الماليّة بسحب نقودها أيضًا.

في تلك الفترة، لم يكن ثمّة بنك مركزيّ أميركي يستطيع أن يضخ السيولة اللازمة في الأسواق، وفي العام التالي، شكّلت لجنة تحقيقات حول هذه الأزمة، وكانت توصيات هذه اللجنة، إنشاء نظام احتياطي فيدرالي أميركي.

على مدار عامين في الكونغرس، نوقش قانون إنشاء البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، حتّى صودق عليه، وكان بنجامين سترونغ رئيسًا للاحتياطي الفيدرالي، وعلى مرّ السنين، أصبح تأثير الفيدرالي الأميركي يمتدّ إلى كافّة أسواق العالم والسياسات النقديّة فيها، ويؤثّر على أسواق الأسهم وأسعار الذهب والنفط، إذ يعتمد عليه المستثمرون في تحرّكاتهم الاقتصاديّة، ومع كلّ قرار ينتج عن الفيدرالي الأميركي، تتحرّك الأسواق صعودًا أو هبوطًا.

كيف يتحرّك الفيدرالي؟

تتكوّن مصادر الدخل الرئيسيّة للاحتياطي الفيدرالي من مجموع رسوم الفائدة على الأوراق الماليّة للحكومة الأمريكيّة، حيث يقوم بنقل تريليونات الدولارات يوميًّا بين البنوك في جميع أنحاء الولايات المتّحدة. في عام 2008، أدرك الفيدرالي الأميركي المخاطر التي نشأت عن الفارق الزمني بين موعد سداد المدفوعات، وكشفت هذه الأزمة أيضًا، أنّ اللوائح المفروضة على البنوك الفرديّة لم تكن كافية، وأصبح النظام المالي مترابطًا، من خلال تنظيم البنوك.

تمتلك البنوك التجاريّة الأعضاء مجلس الاحتياطي الفيدراليّ، والذين يتّخذون قراراتهم بشكل مستقلّ وبناء على الأبحاث، ولا يصادق الرئيس ووزارة الخزانة الأميركيّة والكونغرس على قرارات بنك الاحتياطي الفيدراليّ، على الرغم من أنّ أعضاء مجلس الإدارة يتمّ اختيارهم من قبل الرئيس، ويوافق عليهم مجلس الشيوخ، وهذا يمنح المسؤولين المنتخبين للفيدرالي، السيطرة على الاتّجاه طويل الأجل، وليس للفترة الزمنيّة الراهنة فقط.

لمجلس الاحتياطي الفيدرالي تأثير كبير على حياة جميع الدول، ويؤثّر على صناديق الأسهم والسندات، بالإضافة إلى معدّلات القروض في كافّة البنوك والمؤسّسات الماليّة، ويمكن أن يحدّد قيمة المنزل وقيمة سعر رغيف الخبز.

توسّع النطاق التنظيميّ للاحتياطيّ الفيدرالي في التسعينات، وخلال هذه السنين، تغيّرت الصناعة المصرفيّة الأميركيّة بشكل كبير، وذلك بموجب قانون 1999، الذي شرع في اندماج الأوراق الماليّة وخدمات التأمين والمؤسّسات المصرفيّة، وسماحه للبنوك بالجمع بين عمليّات التجزئة والاستثمار، وأصبح ينفذ أحكامه في البنوك الأميركيّة، في أمور عديدة مثل فرض قوانين مكافحة الاحتكار، وحماية المستهلك، وسياسات مكافحة غسيل الأموال.