ثمةَ تباين بين الموقفين الأوروبي والأمريكي اتجاه جملة من القضايا العالمية، خاصةً قضايا الشرق الأوسط والعالم العربي، وهذا التباين يندرج في سياق اختلاف المصالح الإقتصادية ، والتوجهات الإستراتيجية بينَ الطرفين، والإختلاف والتوافق تحكمه بالدرجة الأولى المصالح الإقتصادية . الشرق الأوسط بحكم غزارة ثرواته الطبيعية ، وبحكم إتساع أسواقه ، وبحكم موقعه الجغرافي وقربه من أوروبا يحظى باهتمام أوروبي متزايد ، مع تزايد مضطرد في اهتمامات الإدارة الأمريكية، وسعيها للسيطرة عليه وجعله تحت قبضة إرادتها الإستعمارية الجديدة.

المهم لأوروبا أن تسود حالة من الإستقرار السياسي في المنطقة العربية، وتعمّ حالة ما من انخفاض حرارة النزاعات الإقليمية في الشرق الأوسط بما لا يهدد الكيان الإسرائيلي، ويضمن أمنه وبقاءه ، لأنّه في الأصل صناعة أوروبية وهو أحد أهم مرتكزات المشروع الإستعماري الأوروبي في القرنين الماضيين. أوروبا بذلت وما زالت مساعي جادة وحثيثة لحلّ القضية الفلسطينية ، وكانت طرفاً رئيسياً من الأطراف التي صاغت خارطة الطريق . وكما ذكرت ليسَ مردّ المساعي الأوروبية الحرص على الحقوق العربية بقدر الحرص على إنخفاض حالة التوتر التي تكونها الحالة الفلسطينية المقاومة ، وانعكاسها وتأثيرها على الأمن والإستقرار في المنطقة
العربية والعالم .مع نهاية حقبة الحرب الباردة ، وانهيار الإتحاد السوفياتي اشتدّ التناقض ، وبرز على السطح الصراع بين الدول الأوروبية من جهةٍ، والولايات المتحدة الأمريكية من جهةٍ أخرى ، من أجل الإستحواز على الأسواق العربية والعالمية . الدول الأوروبية تسعى لاستثمار الثروات العربية بعيداً عن السطوة الأمريكية ، في الوقت الذي بسطت فيه الإدارة الأمريكية سيطرتها العسكرية على دول الخليج العربي والعراق الغنيّ بالبترول ، وتسعى لبسط سيطرتها وأجندتها على ليبيا والسودان ، لتؤول إليها السيطرة على العالم وشعوبه تحت ذريعة العولمة.

الواضح أمامنا أنّ التباين بين الموقفين الأوروبي والأمريكي بات سياسة معلنة، وصل في كثير من الأحيان الى إصطفافاتٍ متناقضة ومحاور متباينة، لكن لم يصل حتّى الآن الى القطيعة والتصادم. من الإنصاف إظهار بعض جوانب الإختلاف بين مواقف الدول الأوروبية والولايات المتحدة المريكية اتجاه القضايا العربية. المواقف الأوروبية بدت أكثر موضوعية وتوازناً من المواقف الأمريكية فكثيراً ما تصدت الدول الأوروبية لإدانة الجرائم الإسرائيلية في فلسطين، وفي بعض الأحيان كانت تدين المواقف الأمريكية المؤيدة لحكومة شارون. وأوروبا مازلت تؤيد بصورة لا لبس فيها سياسة السلطة الفلسطينية ، وتطالب السلطات الإسرائيلية بإنهاء الإحتلال والإنسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما تطالبها بالعودة الى طاولة المفاوضات السياسية، وفوق هذا مازالت تعترف بالقيادة الشرعية الفلسطينية. وقد ظهر التباين واضحاً بين الموقفين الأوروبي والأمريكي اتجاه الحرب الأمريكية على العراق، فمنذ أن حدد الرئيس الفرنسي جاك شيراك مجلس الأمن كمرجعية وحيدة للبت في مسألة الحرب، حرمت الدول الأوروبية الإدارة الأمريكية من مظلة الشرعية الدولية لإحتلال العراق، ومازالت أمريكا حتى الآن تعاني من فقدانها لهذه الشرعية. أما مواقف الإدارة الأمريكية برئاسة بوش جاءت متطابقة
مع سياسة حكومة شارون، وقد خضعت للرغبة الإسرائيلية بعزل الرئيس الفلسطيني يلسر عرفات، وضربت عليه الحصار السياسي، كما أجهضت كثيراً من القرارات الدولية لصالح القضية الفلسطينية.على الرغم من التباين بين الموقفين الأوروبي الأمريكي اتجاه القضايا العربية فإنّه لا يوجد تحرك سياسي عربي نشط في ساحات الدول الأوروبية من شأنه أن يقوي العلاقات المشتركة ، العربية الأوروبية، في كافة المجالات، خاصة في المجالين السياسي والإقتصادي، بل على جانب مغاير تتحرك الدبلوماسية العربية باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وهو تحرك محكوم بعقدة الخوف والتبعية، وكثيراً ما يجيء التحرك العربي قطري يبحث بالقضايا الثنائية، ويغفل عن القضايا القومية ! وهذا الغياب الرسمي العربي عن الساحة الأوروبية ينعكس بالضرورة سلباً على غياب المؤسسات القومية العربية، كإتحاد البرلمانيين العرب وغيره. فإلى متى هذا الغياب ؟


__________________________
صبري حجير - السويد