احتفاءً بالذكرى الأربعين ليوم الأرض الخالد، أصدر مركز مدى الكرمل الطبعة الثانية من كتاب يوم الأرض، للباحث نبيه بشير.

تكمن إحدى مقولات الكتاب الأساسية، التي تعزّزت أكثر فأكثر في العقد الأخير، في أن الأرض تبقى مكمن الصراع مع الدولة اليهودية، التي لا تنفك تؤكّد على مسامعنا ليل نهار أن البلاد جميعها 'أرض إسرائيل'، وأنها ملك الشعب اليهودي حصرًا، وخاصة في ظل الجهود المضنية التي تبذلها مؤسّسات الدولة المختلفة لاستحضار المقولات والتصوّرات الدينية اليهودية واستبطانها في الخطاب السياسي وفرض الأسماء على الأمكنة.

يعيدنا هذا التأكيد إلى الحلقة الأولى من حلقات الصراع، ويصوّر لنا معظم الخطابات السياسية، التي اجتهدت الحركات والأحزاب العربية المحلية تطويرها بوصفها محاولات غير ذات صلة بالموضوع.

ليست مسألة استحقاقات المواطنة ولا الحقوق المدنية صلب الصراع، بل هي الأرض، ويتمثّل هذا في تراجع مكانة المؤسّسات الوطنية والقيادات السياسية العربية في العقدين الأخيرين، كما يراها الكاتب.

ويضيف الكاتب أن هذا التراجع إنما هو نتيجة لتجنب هذه المؤسّسات والقيادات في التعامل المباشر مع جوهر الصراع الفعلي، ويؤكّد على أن التعامل مع قضية الأرض، بوصفها جوهر الصراع، يتطلّب تطوير خطاب سياسي جديد ومغاير، إلى جانب تعزيز قوة وسلطة القيادات والأحزاب والمؤسّسات التمثيلية، التي تساهم في بلورة معالم هذا الخطاب.

ويتعيّن على هذا الخطاب الجديد أن يتعامل بجدية مع المجتمع العربي الفلسطيني في البلاد وأن يسعى إلى إنشاء مؤسّسات وطنية عربية مستقلة، والدفع باتجاه استقلالية تلك المؤسّسات القائمة، مثل رفع وصاية وزارة المعارف عن المؤسّسات التعليمية والتربوية العربية القائمة، واستبدال مناهج التعليم بأخرى تحمل رسائل تركّز على الوعي والإبداع والتواصل مع الأبعاد الثقافية والتاريخية.

وبالتزامن مع صدور هذه الطبعة الثانية، نشر مركز مدى الكرمل نتائج استطلاع رأي. وفيما يلي بعض أهم هذه النتائج الخاصة التي تتعامل بصور مباشرة بيوم الأرض: نسبة كبيرة نسبيًا (أكثر من الربع)، من بين المستطلعين العرب الشباب (المنتمين إلى الجيل 18- 30 سنة)، ترى أن أحد أهم أسباب يوم الأرض يكمن في نيّة إسرائيل تهجير السكان العرب، وهي مسألة ظهرت فعلًا في الخطاب السياسي، وبعثت القلق في نفوس السكان العرب في ذلك الوقت، بينما تنخفض هذه النسبة في شرائح الجيل المتقدّمة؛ أكثر من ربع المستطلعين لم يعرفوا الأسباب التي أدّت إلى أحداث يوم الأرض (ومن الجدير بالذكر أن هذه النسبة الكبيرة قائمة في جميع شرائح الجيل، بين أولئك الذين عاصروا تلك الفترة وبين أولئك الذين ولدوا في العقدين الأخيرين على السواء)؛ مقابل نحو 60% من بين المستطلعين الذين أكدوا على أهمية إحياء ذكرى يوم الأرض (وخاصة بين جيل الشباب)، فقد أشار أكثر من الثلث إلى أنه لا توجد أهمية لهذا الإحياء أو أن أهميتها قليلة (وتتعاظم هذه النسبة مع التقدّم بالسن)؛ أشار ثلث المستطلعين إلى أن السبيل الأمثل لإحياء ذكرى يوم الأرض هو إعلان الإضراب العام إلى جانب إقامة المسيرات الاحتجاجية وتتعاظم هذه النسبة بصورة لافتة بين الجيل الشباب (نحو 45%)، وهذا ما من شأنه أن يفيد بأن النضال السياسي لا زال هو الأداة المفضلة بين السكان لمقارعة الدولة وأجهزتها. أما المقلق في الأمر، فهي النسب العالية التي يمكن أن نستشف من أجوبتها بأنها يائسة من النشاط السياسي، وخاصة بين شرائح كبار السن (50 فما فوق)، ومن شأن تحليل النتائج، إحصائيًا، أن يفيدنا بنتائج إضافية تسلط الضوء على معاني هذا اليأس.

اقرأ/ي أيضًا | كتاب 'يوم الأرض'.. جديد جوني منصور

بالرغم من مضي عقد من الزمان على الطبعة الأولى، التي صدرت في الذكرى الثلاثين (2006)، وباستثناء بعض التصويبات، لم يجد الكاتب مواد إضافية يمكن لها أن تغيّر أو أن تعزّز بعض مقولاته، وذلك وفقًا لما جاء في توطئة الطبعة الثانية، فإن غالبية الوثائق الأساسية حول يوم الأرض لا زالت طي الكتمان ومودعة في الأرشيفات الرسمية إضافة إلى الوثائق التي تحتفظ بها بعض الحركات والأحزاب والأفراد الذين يعتبرونها ملكًا لهم.