في كتابه “صورة المرأة في أدب الأطفال”، يتناول د. محمد سيد عبدالتواب صورة المرأة في أدب الأطفال بالعالم العربي، حيث يؤكد على الأهمية الخاصة لأدب الأطفال في تنشئة الجيل الجديد، لكن المؤلف في نفس الوقت اعتبر أن أدب الأطفال يكتب بلغة من صناعة الرجل، مشيرا إلى أن بحوثا علمية في بريطانيا أظهرت أن اللغة الإنجليزية هي من اختراع الرجل، وهو ما اعتبره المؤلف دليلا على أن اللغة العربية هي الأخرى من صناعة الرجل، ولذلك هناك إشكالية تظهر في النصوص السردية الخاصة بأدب الأطفال، وهي أن المرأة في أدب الأطفال تظهر وتتحدث من وجهة نظر الرجل وليس من وجهة نظر المرأة، وهو ما يجعل المرأة في أدب الأطفال تتبنى وجهات النظر في القضايا المختلفة التي تهم الأطفال، أو تشغل باله من وجهة نظر ذكورية، وما ينعكس على هيئة تحيزات لصالح وجهة نظر الرجال في القضايا الاجتماعية المختلفة التي تهم المرأة، وهو ما يظهر بشكل واضح من خلال اللغة المستخدمة في كتابة أدب الأطفال من ناحية النحو ودلالات الألفاظ المختلفة.

ويشير المؤلف في هذا الصدد إلى أن مثل هذا الوضع يجعل من القصص وجميع أشكال الأدب الموجهة للطفل في العالم العربي يصب في اتجاه واحد، هو تكريس وضع المرأة ككائن مرتبط بالدور الإنجابي وبعالمها المقتصر فقط على بيتها وأسرتها.

ولهذا فإن المؤلف يحذر من أن أدب الطفل المتداول في العالم العربي يؤدي إلى المزيد، مما يعتبره المؤلف تكريسا لقضية “التمييز الجنسوي” ضد النساء في الثقافة العربية، وتنشئة الأطفال الصغار على أساس أن هذا التمييز الجنسوي وما يرتبط به من وظائف هو من طبيعة الحياة التي لا مفر منها، بحيث تظل النساء قابعات في البيوت ومحرومات من كل أشكال الممارسة الاجتماعية.

ويشير المؤلف إلى أن مثل هذه النظرة التاريخية للمرأة والتي تم تكريسها من خلال أدب الأطفال ضمن التقسيم التاريخي للوظائف في العالم العربي بين الرجال والنساء.

ويقدم د.محمد سيد عبدالتواب ضمن كتابه شرحا لمفهوم “الجنسوية”، وهو المفهوم الذي يشير المؤلف إلى أنه لم يدخل المعاجم العربية حتى الآن، بينما تعرف المعاجم الإنجليزية هذا المفهوم بأنه التمييز على أساس الجنس، وخصوصا اضطهاد الرجال للنساء، كما تعرف عدد من المعاجم الحديثة “الجنسوية” بأنها “علاقة اجتماعية للذكور فيها سيطرة الإناث” أو “سلوك وسياسة ولغة وأي فعل آخر يصد عن الرجال أو النساء يعبر عن وجهة نظر شاملة ومستمرة تقول بدونية المرأة”.

ومن هنا يقدم المؤلف في كتابه معالجة نقدية من خلال قراءة وضع المرأة وعلاقاتها في الثقافة  والأدب الموجه للطفل، وفي نفس الوقت دفع النساء المبدعات إلى أن يشكلن أدبهن الخاص للأطفال بما يؤدي إلى كسر الثقافة الذكورية التي يتم تربية الأطفال عليها، سواء كانوا أطفالا من الذكور أو أطفالا من الإناث.

ولتحديد الإشكالية التي يحاول الكتاب أن يعالجها يستشهد المؤلف بآراء عدد من الخبراء العالميين في مجال الكتابة للطفل، الذين يعتبرون أن المشكلة الكبرى في هذا السياق هو أن العاملين في مجال الكتابة للأطفال في الأساس هم من الكبار، ومن ثم فإن الكتب التي يقدمونها للأطفال الصغار سواء كانت كتبا تعليمية أو سردية هي كتب تتبنى في النهاية وجهات نظر وانعكاسات أيديولوجية هي في حقيقتها نفس وجهات نظر وأيديولوجيات الكبار، وهو ما يؤدي في وجهة نظر الكاتب إلى استمرار إنتاج ما يتعلق بأفكار “الجنوسة”، وتبني الجيل الجديد من الأطفال لنفس وجهات نظر الكبار.

ويشير المؤلف في هذا الصدد إلى أن أدب الأطفال هو فئة من الكتب يعتمد وجودها أساسا على علاقة مفترضة من القراء هم الأطفال، لكن المؤلف يعتبر أن هذا التعريف مقصور على أن يكون دليلا على العملية التي يتم من خلالها إنتاج الأدب للأطفال، لأن المؤلف يعتبر أن هذا التعريف لا يتضمن أي دليل علمي على أن نية الكتابة بالأساس من جانب المؤلف تكون للأطفال، ولا حتى أن نية الناشر في الأساس أن يكون نشره موجها نحو الأطفال، ولا أن قطع الكتاب وطريقة إخراجه سوف يكون مناسبا للطفل الذي يقرأه وللمرحلة العمرية التي يمر بها.

كما يشير المؤلف في هذا الصدد أيضا إلى أن هناك اختلافات في مفاهيم الطفولة، وأن هذه الاختلافات لا تظهر فقط على المستوى الثقافي بين ثقافة وأخرى، بل إن هذه الاختلافات تظهر أيضا باختلاف الوحدات الاجتماعية مهما صغر شأنها مثل وحدة العائلة على سبيل المثال.

ولذلك فإن المؤلف يخلص في هذا الصدد إلى أن ما يكتبه الكبار للأطفال ليس له علاقة مباشرة بما يفهمه الأطفال ولا بما يريدون قراءته، وأن كتب الأطفال غالبا ما تحتوي على ما يعتقد الكبار أن الأطفال سوف يفهمونه أو يرغبون في قراءته وفهمه، وهو افتراض لا دليل على أنه حقيقة علمية خاصة فيما يتعلق بما يصل للأطفال من سرد على لسان المرأة أو حولها.

وأكثر من ذلك، فإن المؤلف يخلص إلى أن مفهوم الأدب ليس شائعا بين المتحمسين لكتب الأطفال، وأن القليل من الكتب التي تم تأليفها للأطفال لا تنتمي لجنس الأدب باستثناء “سندريلا” مثلا، وأن ما يمكن أن يطلق على الكتب التي تم كتابتها للأطفال هو ما يمكن وصفه بأن ثقافة شعبية أو نصوص تعليمية توجه لجمهور الأطفال، في إشارة إلى أن مثل هذه النصوص التعليمية أو الثقافة الشعبية تروج لما هو قائم فعلا من أفكار سائدة في مخيلة الكبار حول المرأة ووضعها في المجتمع والأدوار الحتمية التي تقوم بها، والتي لا يسمح لها بتجاوزها حتى وإن كان القائمون على إنتاج هذه الثقافة الموجهة للأطفال من الكاتبات النساء.

اقرأ/ي أيضًا| اكتسب "مهارات الكتابة للأطفال" من جوان آيكن

جدير بالتنويه أن كتاب ”صورة المرأة في أدب الأطفال” لمؤلفه د. محمد سيد عبدالتواب، صدر عن الهيئة العامة المصرية للكتاب ، ويقع في نحو 255 صفحة  من القطع الكبير.